4 آب من محرقة السلطة الى.. مقتلة الشعب!

انفجار 4 اب
بعد الإنفجار - الزلزال الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، كتب الشهيد لقمان سليم يقول، "يبدو إنو إنفجار مرفأ بيروت ما كَفّا ... بدها إنفحار أكبر ... "

هذه الجملة للشهيد لقمان سليم – الذي أختطف، و”أُعدم” بعد أيام قليلة من ظهوره على قناة الحدث، متحدثا عن فرضية تخزين وتهريب نيترات الأمونيوم، لمصلحة النظام السوري عبر حليفه في لبنان حزب الله، وهو بذلك يُعتبر بطريقة أو بأخرى أحد ضحايا هذا الإنفجار – هذه الجملة تختصر واقع الحال في لبنان بعد عام على الإنفجار – الزلزال الذي لا زالت آثاره بادية على “وجه” الوطن، وعلى وجوه الناس وفي نفوسهم ومخيلتهم، التي تحتاح ربما لسنين طويلة من الحياة الطبيعية كي تشفى، فكيف والحال أذن كما هي عليه الحياة في لبنان.

إقرأ أيضاً: هيومن رايتس» تتهم السلطات اللبنانية بالإهمال «جنائياً»: عون ودياب علما بمخاطر النترات ولم يتصرفا!

إن ما حصل في بيروت في 4 آب 2020، كان يفترض أن يكون فيه مقتلة للسلطة في لبنان بكل مكوناتها، خاصة وأنه أتى والبلد في خضم أزمة، تفجرت ثورة في 17 تشرين أول 2019، أي قبل عدة أشهر فقط من حصوله، فإذا بنا اليوم وقد تحول إلى مقتلة للشعب والوطن والجمهورية، بينما السلطة والمنظومة الحاكمة، لا تزال تمارس لعبتها المفضلة في التنافر والتنازع، بإسم حقوق الطائفة والمذهب على حقيبة من هنا وأخرى من هناك، غير آبهة بما وصلت إليه حال البلاد والعباد، جراء سياساتها المدمرة في كل المجالات، وبهذا تكون قد نجحت مرة أخرى في تحويل المأساة لصالحها، عبر لعبة كسب الوقت، التي أجادتها في التعامل مع المبادرة الفرنسية، التي تقدم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد كارثة المرفأ.

ما حصل في بيروت في 4 آب 2020 كان يفترض أن يكون فيه مقتلة للسلطة في لبنان بكل مكوناتها


لقد أثار الإنفجار – الزلزال تعاطف العالم أجمع مع لبنان وشعبه، بإستثناء – ويا لسخرية القدر – سلطته الحاكمة بما تعنيه من منظومة سياسية، متسلطة كل حسب حجمه ودوره، التي رأت في هذا الحدث مناسبة لفك عزلتها الدولية، التي إستحقتها بفعل السياسات الخارجية الفاشلة التي إتبعتها، والبعيدة كل البعد عن شعار النأي بالنفس، الذي بقي شعاراً فارغا من أي مضمون حقيقي، بفضل إستمرار حزب الله في تدخله في أحداث المنطقة، وتدمير علاقات لبنان العربية عبر التطاول المستمر على الدول الخليجية لمصلحة إيران، وبتغطية من حليفه في قصر بعبدا والحكومة و التيار الوطني الحر لهذه السياسات، التي تركت آثارها على الوضع الداخلي على هيئة صراعات سياسية وتعطيل، ما تسبب بضرب ووقف كل قطاعات الإنتاج معطوفا على فساد مالي وإداري، أنهك الدولة وأضاع ثقة الخارج بها وبالطبقة السياسية كافة، سواء على مستوى الدول أو على مستوى المستثمرين من رجال مال وأعمال.

أثار الإنفجار تعاطف العالم أجمع مع لبنان وشعبه بإستثناء سلطته الحاكمة بما تعنيه من منظومة سياسية متسلطة


حدث الإنفجار، وجاء الرئيس الفرنسي ماكرون متعاطفا ومواسيا للشعب اللبناني، بداية في زيارته الأولى ، وإجتمع مع أقطاب المنظومة طارحا ما سمي لاحقا بالمبادرة الفرنسية، التي نصت على تشكيل حكومة “مهمة” من إختصاصيين مستقلين عن القوى السياسية، لفترة إنتقالية مدتها سنة تقوم خلالها بالإصلاحات اللازمة على مستوى التشريعات والقوانين المطلوبة، وقيادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبدا بوضوح بأن هذه الإصلاحات، ستكون شرطاً لأية معونة أو مساعدات سوف تقدم للبنان.
وجدت المنظومة السياسية مجتمعة، والحاكمة منها بشكل خاص، عبر حكومة اللون الواحد التي شكلتها برئاسة حسان دياب، وضمت كل من حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل بشكل أساسي، وجدت في المبادرة الفرنسية طوق نجاة لها، فأحنت رأسها للريح، وأعلنت موافقتها عليها وتأييدها لها والإستعداد للسير بها، و”باعت” هذا الموقف للرئيس الفرنسي تاركة لشيطان التفاصيل أن يلعب لعبته بعدها .

فكان أن إعتذر السفير مصطفى أديب في 26 أيلول أي بعد أقل من شهر على تكليفه تشكيل الحكومة ليعود الوضع إلى نقطة الصفر

البداية كانت بإستقالة أو الأحرى إسقاط حكومة حسان دياب في العاشر من آب، تلاها الإتفاق على تكليف شخص لرئاسة الحكومة يحظى بقبول وتأييد سني، وإستقر الرأي على تسميته من قبل رؤساء الحكومة السابقين، وهكذا كان.. وتمت تسمية السفير مصطفى أديب لتولي هذه المهمة، فكان التكليف في الثلاثين من آب، بدأت إستشارات التأليف وترافقت مع زيارة ثانية للرئيس الفرنسي للدعم والمساندة، حتى إذا ما غادر لبنان تحرك “شيطان التفاصيل” اللبنانية، فبرزت عقدة وزارة المال التي تمسك بها الثنائي الشيعي، ما ضرب مبدأ المداورة في الحقائب ومبدأ الإختصاص، سيما مع إعلان الرئيس سعد الحريري – وليس الرئيس المكلف – إستعداده لتجرع السم، والموافقة على ترك وزارة المال للشيعة ولمرة واحدة فقط – وما أدراك ما المرة الواحدة في لبنان – ما سمح للأطراف الأخرى خاصة فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، للمطالبة بالمثل والإصرار على حقائب معينة وقضايا أخرى، فكان أن إعتذر السفير مصطفى أديب في 26 أيلول، أي بعد أقل من شهر على تكليفه تشكيل الحكومة ليعود الوضع إلى نقطة الصفر.


تريث رئيس الجمهورية – كي لا نقول ماطل – في إجراء الإستشارات النيابية الملزمة، لتكليف شخص آخر بتشكيل الحكومة، لا سيما وأن سعد الحريري أعلن بأنه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، بعد أن كان تمنع عدة مرات منذ إستقالته في أعقاب ثورة 17 تشرين، عن قبول المنصب وبعد أن رأى الرئيس عون أنه لا بد من الإستشارات، دعا لها مستبقا إياها بخطاب موجه للنواب، دعاهم فيه للتفكير في آثار التكليف على التأليف، في محاولة واضحة للقول بأنه غير مستعد للعمل مع سعد الحريري، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ إتفاق الطائف وتعد خرقا فاضحا له .

تكليف الحريري إنتهى بالإعتذار يوم 17 تموز الفائت بعد 9 أشهر من المناكفات

تم تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة بناء على الإستشارات الملزمة يوم 22 تشرين أول 2020 بغالبية 65 صوتا، بعد أن تمنع عن تسميته “الثنائي الماروني” التيار والقوات اللبنانية ، وكذلك “نصف” الثنائي الشيعي أي حزب الله، في تلاقٍ غريب في المواقف بين الأطراف الثلاثة، وهو التكليف الذي إنتهى بالإعتذار يوم 17 تموز الفائت، بعد تسعة أشهر من المناكفات، و19 إجتماعا بين الرئيسين، وما بينهما من سلوك غير سوي، في التعامل مع الرئيس المكلف من قبل رئاسة الجمهورية ودوائرها، التي كانت واضحة في رفضها التعاون مع الحريري إلا بشروطها، هي من الإستحواذ على حقائب معينة خاصة وزارة الداخلية، وكذلك تسمية الوزراء المسيحيين بما يسمح بالحصول على الثلث المعطل مُقنَّعا، وهو ما يبدو أنه مستمر مع الرئيس المكلف الحالي نجيب ميقاتي، كما بدا واضحا بالأمس بعد خروجه من الإجتماع برئيس الجمهورية .


هذا في السياسة وألاعيبها، أما في موضوع إنفجار المرفأ وتداعياته، عدا عن أن الناس وبعد عام على الكارثة لم تلملم جراحها الجسدية والنفسية بعد، والكثير منها لم ينتهِ من ترميم مسكنه نظرا للظروف الإقتصادية التي يمر بها البلد، فقد برزت عدة تطورات على المستوى الأمني لم يتبين من خيوطها شيئا بعد، أهمها كان العثور على العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي مقتولا في منزله في قرطبا، بداية شهر كانون أول أي بعد أربعة أشهر من إنفجار المرفأ، كذلك بعدها بثلاثة أسابيع في 21 من الشهر نفسه قتل المصور الفوتوغرافي جو بجاني أمام منزله في الكحالة، وقيل أنه قد يكون لإغتياله علاقة ما بإنفجار المرفأ أيضا، فضلا عن معلومات نشرت عن العقيد في الجمارك جوزيف سكاف، الذي كان قد صدر عنه أول تحذير، يتعلق بالشحنة التي إنفجرت في مرفأ بيروت عام 2014 والذي توفي عام 2017 في ظروف غامضة، ربما تكون مرتبطة بمسيرته المهنية كضابط جمارك .

كانت حكومة دياب قد وعدت بتحقيق إداري لتبيان الأسباب في غضون خمسة أيام من تاريخ حصول الإنفجار وهو ما لم يتحقق حتى اليوم


على المستوى القضائي، كانت حكومة حسان دياب قد وعدت، بتحقيق إداري لتبيان الأسباب في غضون خمسة أيام من تاريخ حصول الإنفجار، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم وبات مادة للسخرية المرة على وسائل التواصل وعلى ألسنة الناس، بعدها كما هو معروف عين القاضي فادي صوان كمحقق عدلي، إدعى على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وبعض الوزراء فقامت الدنيا ولم تقعد، وإستدعت زيارة من الرئيس سعد الحريري للسراي الحكومي تضامنا مع الرئيس دياب، متخطيا كل الخلاف السياسي معه، وكذلك حصل مع الوزراء فتاهت القضية في زواريب الحصانات، تنحى فادي صوان وعين مكانه طارق البيطار، مع ما يعنيه هذا من إهدار للوقت، ربما بهدف تمييع القضية وتيئيس الناس، ونتحدث هنا عن ممارسة السياسيين والسلطة لا عن القضاة، تكرر المشهد وها هي القضية اليوم مرة جديدة عالقة، في زواريب الحصانات والمزايدات السياسية بين كل الأطراف، التي ترى في هذه القضية الإنسانية “فرصة” مرة أخرى، كما وجدت فيها فرصة لفك عزلتها الدولية، تصوب عبرها على خصومها في السياسة، دون أدنى إحترام لأرواح الضحايا أو مشاعر أهاليهم، الذين باتوا يذكروننا بأهالي المخطوفين أيام الحرب الأهلية، وأهالي المعتقلين في السجون السورية الذين قضى معظمهم وهم في خيام الإعتصام، بحثا عن خبر يروي ظمأهم لمعرفة مصير أحبابهم، أو طلبا للعدل والحقيقة .

يبدو أن الشهيد لقمان سليم كان على حق و” يبدو أن إنفجار المرفأ ما كفّا .. بدا إنفجار أكبر “

يجري كل هذا بعد عام على الكارثة، واللبنانيون يعيشون القهر والذل، في بحثهم سواء عن لقمة عيشهم أو عن دوائهم المفقود، يعيشون بلا كهرباء ولا ماء إلا بالحد الأدنى،كذلك بلا بنزين ولا مازوت تحت رحمة التجار والمحتكرين، الذين هم أزلام للطبقة السياسية يضربون بسيفها، ويمارسون ساديتهم ضد الناس بدعم وحماية منها بعد أن أعادت إلتقاط أنفاسها عبر أوكسيجين المبادرة الفرنسية، التي وللإسف الشديد ساهمت بشكل كبير، إضافة للعجز الذي ينتاب المجتمع اللبناني وغياب النخب المناضلة المنظمة والمخلصة، التي يمكن أن تأخذ بيد الناس وتوصلها إلى بر الأمان، بفعل إنضمام بعضها إلى الطرف الأقوى في المنظومة، الذي يملك المال والسلاح تحت شعارات المقاومة ومناهضة الإستعمار، وإنسحاب وإنكماش البعض الآخر ربما خوفا من سطوة هذا السلاح، ومن بقي منها في الساحة يعيش في غربة عن الناس، ويتعامل بفوقية معها فضلا عن أن تحركاتهم “مناسباتية” إن صح التعبير وفق الإتيكيت ، كل هذه الأسباب ساهمت في تحويل إنفجار المرفأ، من إمكانية أن يكون مقتلة لهذه السلطة الفاسدة المجرمة، التي كانت بمجملها تعلم بوجود هذه المواد وخطورتها ولم تحرك ساكنا، كما كانت تعلم بالضبط إلى أين يسير الوضع الإقتصادي والمالي في البلد، وبقيت تكابر وتكذب وتدعي أن الليرة بخير، وأن القطاع المصرفي بخير، وأنها ستسلم البلد بأفضل مما إستلمته، كما صرح بذلك رئيس الجمهورية عدة مرات، و تحويله ليصب في مصلحتها ويكون مقتلة للشعب والدولة والوطن. ويبدو أن الشهيد لقمان سليم كان على حق، و” يبدو أن إنفجار المرفأ ما كفّا .. بدا إنفجار أكبر ” ، كيف سيكون ؟ ومتى ؟ وأين ؟ وهل يكون غدا لناظره قريب ؟

السابق
4 أغسطس… انفجرت جمهورية «حزب الله»
التالي
عبد القادر لـ«جنوبية»: ثمة تعمية على مسؤولية «حزب الله» عن إنفجار المرفأ!