عندما «يمحو نهر الأردن آثار القدم الهمجية»!

احتجاجات في الاردن على رفع الاسعار

من يحاول تدفيع الأردن ثمن مواقفه السياسية على مدى السنوات الأخيرة ؟ 

سؤال يتبادر إلى الذهن فور سماع أخبار ما يجري في الأردن من محاولات لهز الإستقرار والتلاعب بأمن الأردن وشعبه والنظام الملكي فيه. فالأردن بالرغم من صغره كبلد نسبيا وقلة إمكانياته، إلا أنه ومنذ تأسيسه يلعب دورا محوريا هاما في المنطقة، يحكمه نظام ملكي محافظ ورصين وليس كغيره من بلدان المنطقة الذي يتاجر بالشعارات الشعبوية ، لذلك لا يمكن أن يكون ما أعلن عنه من أحداث مجرد صراع عائلي على السلطة أو مجرد ” حركة ” لإستبعاد بعض الأشخاص المعارضين لبعض التوجهات داخل السلطة كما تفعل بعض الأنظمة الحزبية الشمولية .

اقرا ايضاً: محاولة انقلاب أم مؤامرة مزعومة.. ماذا يجري في الأردن؟

لذلك لا يمكن فصل ما يحدث في هذا البلد، عن أحداث وتطورات مهمة حصلت ولا تزال في المنطقة وداخل الإقليم، خاصة وأن الأردن يعتبر على خطوط تماس مع كل هذه التطورات من خلال موقعه الجغرافي، حيث يجاور سوريا التي طوت الشهر الماضي عقدا من سنين أزمتها والأحداث فيها، التي تأثر بها  كغيره من البلدان من حيث إستقبال اللاجئين أو من أحداث مباشرة، كما حدث مع الطيار معاذ الكساسبة الذي وقع أسيرا في أيدي داعش لدى مشاركته في الأعمال القتالية من ضمن قوات التحالف الدولي وأحرقته حيا في مشهد تقشعر له الأبدان ، كما أنه – الأردن – على حدود العراق الذي ما يزال منذ ثمانينات القرن الماضي، وهو ينتقل من حرب إلى أخرى والتي تحمل الأردن من جرائها الكثير، وكذلك حدوده مع السعودية والتي وإن كانت هادئة عسكريا إلا أنها تعتبر حدودا  “سياسية”، خاصة مع التغييرات التي طرأت على المشهد السعودي في السنوات الأخيرة، والتي لم تكن على توافق تام مع الرؤية الأردنية للأمور في المنطقة، خاصة ما سُرِّب في فترات سابقة عن محاولة نقل الوصاية على المقدسات في القدس المحتلة من العائلة الهاشمية، وكذلك الموقف الأردني المتوازن والعاقل الذي إتخذه في النزاع ما بين بعض دول الخليج وقطر، وإن كان هذا الإختلاف في الرؤى بقي مضبوطاً ضمن إطار العلاقات الأخوية التقليدية بين البلدين، وقد كان لافتاً مسارعة السعودية في خطوة مهمة بإعلان تأييدها للإجراءات، التي يتخذها الملك عبدالله الثاني لضمان الإستقرار في الأردن.

ولكن يبقى الأهم من كل هذه الأحداث على أهميتها ، هو دور الأردن في الصراع العربي – الصهيوني ومحاولات حل القضية الفلسطينية، وهو البلد الذي وبالرغم من عقده معاهدة سلام مع العدو الصهيوني منذ العام 1994، هي معاهدة وادي عربة، إلا أن بعض الأوساط الصهيونية لا تزال تنظر إليه على أنه الوطن البديل، خاصة في السنين الأخيرة وتحديدا مع بداية  إدارة دونالد ترامب السابقة، التي لم تنزل بردا ولا سلاما على الأردن كما على المنطقة بأكملها، إذ إعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل مع ما تعنيه هذه القضية من رمزية سياسية ودينية للأردن،  الذي رفض هذا الإعتراف الأمر الذي عرَّضه مع غيره من المواقف لما يشبه الحصار المالي والإقتصادي من بعض شقيقاته العربيات للأسف، كما رفض الأردن إعتراف ترامب كذلك بضم الجولان لإسرائيل، وأصر على حقيقة أنه أرض سورية عربية وهي حقيقة لا تتبدل برغم ظروف سوريا الحالية، كذلك كان موقفه القوي والحاسم ضد ما سمي بـ “صفقة القرن” التي أنهى بها ترامب وصهره المغرور، سلسلة قراراته وإملاءاته على المنطقة. كل هذه الأحداث والتصرفات الإسرائيلية على الأرض في القدس الشرقية والإعتداءات على المواطنين المقدسيين شبه اليومية كانت قد دفعت بالأردن إلى إستعادة أراضيه في منطقتي الباقورة والغمر من إسرائيل، بعد إنتهاء العمل بالملحقين الخاصين بهما، ورفضه إعادة تأجيرها لها بموجب هذين الملحقين من معاهدة وادي عربة، وهو ما أوصل علاقته بإسرائيل إلى أدنى مستوياتها، وهو ما تجلى بمنع الأردن لطائرة نتنياهو للتحليق مؤخرا في الأجواء الأردنية، في طريقه لدولة الإمارات العربية المتحدة ما دفعه إلى إلغاء الزيارة أو تأجيلها. 

كل هذه الأحداث والتطورات لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن التطورات الأخيرة في الأردن، ولا يمكن تصور أن هذه الأحداث هي مجرد صراع عائلي داخلي على السلطة، بل توحي بأن الأمر أكثر تعقيدا وخطورة، خصوصا وأن الأردن هو البلد العربي الوحيد مما كان يسمى ب “دول الطوق”،  الذي ما يزال يحظى بإستقرار نسبي رغم مصاعبه الإقتصادية والإجتماعية، ويبدو أن بعض الدوائر في العالم والمنطقة ومن بعض أهل البيت العربي، ربما لا يستسيغون هذا الوضع ويحاولون اللعب بهذا الإستقرار تنفيذا لطموحات ومشاريع إنتحارية سياسية وربما شخصية، أبعد ما تكون عن مصلحة المنطقة وشعوبها. حمى الله الأردن وشعبه.            

السابق
بالفيديو والصور.. عاصفة من نوع آخر تصل لبنان: احذروا مخاطر هذا الغاز السام!!
التالي
ديكتاتوريات الطوائف تُطير الانتخابات الفرعية.. والحرة!