لماذا تخطف إيران المعارضين وتُعدِمهم؟

روح الله زم

مات الرجل منذ شهر! في 12 كانون الأول، استيقظ الإيرانيون على خبر مريع: أقدمت حكومتهم على إعدام الصحافي روح الله زم (42 عاماً). اعتبره القاضي الذي أصدر الحُكْم بحقه جاسوساً ومُحرّضاً على العنف وشخصاً “يزرع الفساد على الأرض”. إنها تهمة مبهمة وغالباً ما تُستعمَل لوصف محاولات إسقاط النظام الإيراني.

اعتُقِل زم في إيران غداة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في العام 2009، ثم هرب إلى فرنسا في العام 2011 حيث حصل على لجوء سياسي. انطلاقاً من باريس، أنشأ زم الموقع الإلكتروني الشهير والمعارض للنظام “أماد نيوز” الذي يدير أيضاً تطبيق المراسلة المُشفّر “تلغرام” ومنصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي. كان والده، رجل الدين محمد علي زم، مسؤولاً مرموقاً في النظام الإيراني سابقاً وكانت عائلته على علاقة وثيقة بأوساط السلطة الإيرانية. استعمل زم معارفه لجمع معلومات محورية ونشر وثائق خطيرة عن الفساد الداخلي.

اجتاحت التظاهرات إيران احتجاجاً على البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في كانون الأول 2017 وكانون الثاني 2018. شارك موقع “أماد نيوز” الذي يديره زم في تنسيق التحركات الاحتجاجية المتفرقة في أنحاء البلد. ونُشِر دليل حول طريقة تحضير قنابل المولوتوف على قناة “تلغرام” التابعة للموقع، لكن عادت القناة وحذفته بعدما اعتبرته طهران تحريضاً على العنف.

في تشرين الأول 2019، تلقى زم اتصالاً مجهولاً وعده بإجراء لقاء في مدينة النجف العراقية مع آية الله علي السيستاني، المرجع الروحي الشيعي الذي يتمتع بسلطة دينية تتجاوز صلاحيات المرشد الأعلى الإيراني. عبّر آية الله العظمى عن دعمه للديموقراطية الانتخابية في العراق وعارض حُكْم رجال الدين. كان زم يخطط لإنشاء قناة تلفزيونية ويأمل في مناقشة طريقة تمويل مشروعه. لكنه تعرّض للاعتقال لدى وصوله إلى العراق على يد مسؤولين حكوميين وسُلّم إلى عناصر من الحرس الثوري الإيراني قبل نقله إلى إيران.

واجـــــه زم 17 تهمة جنائية، منها التجسس لصالح فرنسا وإسرائيل. لم تُقدَّم أدلة كثيرة في المحكمة لإثبات التُهَم الموجّهة ضده. وفي شهر أيلول، قبل أشهر قليلة على إعدام زم، أُعدِم نافيد أفكاري، المصارع الإيراني الذي دعم احتجاجات 2017 و2018 في مدينة شيراز.

تُذكّرنا عملية خطف زم وإدانته وإعدامه بالتكتيكات التي كانت شائعة في الجمهورية الإسلامية خلال أول عقدَين بعد نشوئها. اغتالت الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها في العام 1979 ما مجموعه 360 شخصاً حول العالم.

في آب 1991، اغتال ثلاثة عملاء إيرانيين شابور بختيار، آخر رئيس وزراء إيراني قبل أن تطيح ثورة العام 1979 بالحاكم محمد رضا شاه بهلوي. قُتِل بختيار وسكرتيره في منزله في ضاحية “سوريسنيس” في باريس. اعتُقِل أحد القتلة في نهاية المطاف واعترف بتلقي الأوامر من الحكومة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: هل تتخلَّى إيران عن الحشد الشعبي؟ خطة معقدة لمقايضة نفوذها بالعراق بفك الحصار الأمريكي

من قبرص إلى الفيلبين ومن رومانيا إلى الولايات المتحدة، اغتال عملاء إيرانيون كل شخص اعتبروه مصدر تهديد. شمل هؤلاء الرجال والنساء مجموعات متنوعة من الناس، بدءاً من أقارب الشاه المخلوع وصولاً إلى الناشطين السياسيين الماركسيين والشخصيات الدينية المنتمية إلى الأقلية السنية في إيران.

كان القتلة يعودون في معظم الأحيان إلى طهران ويتلقون ترحيب الأبطال. في العام 1980، استعانت إيران بداود صلاح الدين (اسمه الأصلي ديفيد ثيودور بيلفيلد)، وهو أميركي من أصل أفريقي اعتنق الإسلام، لقتل علي أكبر طبطبائي، ديبلوماسي إيراني سابق تحوّل إلى خصم علني لآية الله روح الله الخميني، أول مرشد أعلى في إيران. بعد قتل طبطبائي في منزله في “ماريلاند”، هرب القاتل إلى إيران حيث أصبح صحافياً في المرحلة اللاحقة وارتقى إلى منصب رئيس تحرير موقع “برس تي في” الإلكتروني الإيراني والناطق باللغة الإنكليزية.

في العام 1988، قُتِلت ست شخصيات عامة مرموقة واغتيل مفكرون معارضون في طهران. انكشفت عمليات اغتيال إضافية مع مرور الوقت وعُرِفت تلك العمليات باسم “جرائم القتل المتسلسلة”.

بدا وكأن عادة طهران السيئة باغتيال النقاد والمعارضين محلياً وخارجياً خمدت بحلول العام 1997 بعدما واجهت إيران ردة فعل دولية قوية بسبب عمليات القتل ثم انتُخِب رئيس إصلاحي في الانتخابات اللاحقة.

في العام 1992 قتل عملاء إيرانيون صادق شرفكندي، زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني”، أثناء وجوده في مطعم يوناني في برلين حيث كان يُفترض أن يلتقي بإينغفار كارلسون، رئيس الوزراء السويدي السابق، ومونا سهلين، زعيمة “الحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي”. اضطر الزعيمان السويديان لإلغاء اللقاء في اللحظة الأخيرة، ما أدى على الأرجح إلى إنقاذ حياتهما. أجرى الألمان تحقيقات مكثفة ولاحقوا القضية بجدّية وسرعان ما صدر حُكم بارز عن محكمة ألمانية في نيسان 1997، فصدرت مذكرات توقيف دولية بحق كبار المسؤولين في النظام الإيراني، بما في ذلك خَلَف آية الله الخميني، علي خامنئي.

بعد مرور بضعة أشهر، في آب 1997، انتُخِب محمد خاتمي، رجل الدين الإصلاحي، رئيساً لإيران بدعمٍ شعبي واسع وتعهد بإحداث تغيير جذري. حاولت طهران أن تطرح صورة جديدة عن نفسها أمام العالم، فتوقف برنامج الاغتيالات. ضغط الإصلاحيون والصحافيون الناشطون في إيران على النظام للتحقيق بعمليات الاغتيال، فحوكم 18 عميلاً استخبارياً مسؤولاً عن الاغتيالات واعتبرتهم طهــــــران “عملاء فاســـدين”. حُكِم على ثـلاثة عملاء منهم بالإعدام.

خلال السنوات اللاحقة، نشأت عشرات وسائل الإعلام المعارِضة خارج إيران وما عاد المعارضون المنفيون يخافون على حياتهم في أوروبا وأميركا الشمالية. لكن أجبرت عملية خطف زم وإعدامه المعارضين الإيرانيين المقيمين في الخارج على التفكير مجدداً بالتهديد المطروح على حياتهم.

في 17 كانون الأول، نشرت تركيا مقاطع فيديو ووثائق تفضح تعاون السلطات الإيرانية مع عصابات المخدرات لخطف حبيب الشابي، وهو ناشط إيراني سويدي ينتمي إلى الأقلية العربية في إيران. استُقدِم الشابي إلى اسطنبول بحجة موعد غرامي مع عميلة زعمت أنها تريد التعرّف عليه. لكنه خُطِف من اسطنبول وتم تهريبه عبر الحدود نحو إيران وخضع للمحاكمة هناك. هو يواجه الآن حُكم الإعدام. كذلك، خُطِف عضو جماعة إيرانية معارِضة في كاليفورنيا اسمه جمشيد شارمهد من دبي في تموز الماضي.

يبدو أن طهران عادت إلى تكتيكاتها القديمة ولا مفر من التساؤل عن دوافعها كونها قررت إعدام زم بعد أسابيع على فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية ورغبته في الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني من العام 2015.

على مر المفاوضات الطويلة التي سبقت التوقيع على ذلك الاتفاق النووي، حاول الحرس الثوري في مناسبات متكررة أن يعيق هذه العملية عبر اعتقال حاملي الجنسية الإيرانية وجنسية غربية أخرى واستعملهم بكل وقاحة كرهائن لديه.

عبّر آية الله خامنئي والرئيس حسن روحاني عن استعدادهما للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن يعارضهما مسؤولون آخرون بشكلٍ قاطع ويحلمون بتحويل إيران إلى قلعة للمتشددين. يبدو أن عمليات الخطف والإعدام تهدف إلى منع استئناف المحادثات خلال عهد بايدن المقبل.

على الرئيس الأميركي المُنتخب أن يضغط على إيران إذاً لكبح حملة الخطف والإعدام المشينة وإعاقة سياستها المبنية على استعمال حاملي الجنسية المزدوجة كرهائن، تزامناً مع متابعة التواصل الديبلوماسي لتهميش الجماعات المتطرفة في طهران.

السابق
بالصورة.. اليكم نسب التزام المناطق اللبنانية بالاقفال الشامل
التالي
اطلاق نار واقتحام.. سرقة منزل نائب سابق في الهرمل!