ملف القانون الانتخابي.. أضاليل تستدعي زمن المحادل!

في الوقت الذي يمر البلد بمنعطفات خطيرة، وتعصف به الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من كل حدب وصوب، يتخطى المسؤولون الأزمات التي يأتي في أولويات معالجتها الضرب بيد من حديد لتسهيل التحقيق المالي الجنائي الذي سوف يكشف أين اختفت ودائع اللبنانيبن، وكيف تفاقمت مديونية الدولة ؟ ومن الجهات المستفيدة من هدر المال العام ؟ ومن المسؤول عن تهريب العملات الصعبة خارج البلاد ؟

في هذا الجو يكثر الحديث عن انتقاد القانون الانتخابي الحالي وتحميله مسؤولية الانهيار والأزمات، كما تزداد وتيرة التصريحات الداعية لتقنين قانون انتخابي جديد لن يجد إجماعاً كونه سيخدم الطائفية السياسية التي هي أساس بلاء لبنان ومحنته، ورأينا أن حماس البعض للبحث في تقنين قانون انتخابي جديد سيصب في تفاقم الأزمات ولن يكون حلاً لها .. 

اقرأ أيضا: الحكومة إلى 2021.. من «ينقذ» المبادرة الفرنسية؟!

       هذا وقد أوضحت اليوم بعض مصادر 8 اذار في السلطة الحالية أن أسباب مطالبة رئيس مجلس النواب نبيه برّي بإقرار قانون جديد للانتخابات ” مرده إلى قناعته بعدم المضي بالقانون الحالي الذي تسبب بكل الأزمات التي يمر بها البلد “!  

      واعتبرت المصادر أن ” ما أفرزه القانون الحالي تجلى في وقوف المكونات الطائفية والمذهبية بمواجهة بعضها، مما أدى إلى تراجع الروح الوطنية “، معتبرة أن بقاء القانون الحالي سيؤدي إلى حرب أهلية، حسب تلك المصادر. 

السلطة صنعت القانون الحالي 

     وبغض النظر عن الحلول التي قدمتها المصادر  فحتى الآن يبرز الكثير من تضليل السلطة الإعلامي لواقع مجريات الأمور، وقد يتجلى ذلك في جملة من النقاط ..  

    النقطة الأولى في تحامل السلطة على قانون الانتخاب الحالي الذي هو صنيعتها، فهي تحمست له قبل الانتخابات الماضية لتقنينه دون دراسة النتائج التي ستترتب عليه ، وقدَّمه الثنائي الشيعي كإنجاز لعهد الرئيس ميشال عون، ولهذا فلا يقبل بوجه من الوجوه هجوم السلطة الحالية على القانون الانتخابي الحالي، فهجومها هو نوع من التضليل الإعلاني الإعلامي في هذا الجانب ..  

    النقطة الثانية هي أن الاصطفاف الطائفي الذي ظهر بوقوف الطوائف بعضها بوجه بعض، هذا الوضع لم يصنعه القانون الانتخابي الحالي، فقد كان منذ كان لبنان على الخارطة الجغرافية، واستمر حتى وقعت الحرب الأهلية، وازداد هذا الوضع بعد حلول السلم الأهلي. فالقانون الانتخابي الحالي لم يتسبب بهذا الاصطفاف الطائفي، كما وأن القانون  الانتخابي القادم لن يمنع هذا الاصطفاف،  بل بالعكس قد يزيد القانون الانتخابي الجديد من الاصطفافات الطائفية كونه سيُغلِّب قرار طائفة على أخرى ويُعزز المواجهات بين الطوائف اللبنانية التي لن تجد لها تمثيلاً مرضياً في البرلمان والحكومة في ظل القانون الجديد الذي يُروَّج له للبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، حيث ستتمكن الطوائف الكبرى من فرض ممثليها من الطوائف الأخرى على الطوائف الأخرى ، ليكون القرار السياسي الفعلي لطائفة واحدة . 

القانون الحالي أفضل

 فمحدلة قانون الدائرة الانتخابية الواحدة ستضرّ حتما بالمسيحيين والمسلمين السنة والموحدين الدروز والأقليات، كذلك ستضرّ بالطائفة الإسلامية الشيعية في المدى البعيد كون بعض الطوائف الأخرى بدأت تتفوق عليها عددياً من خلال مراسيم التجنيس السابقة وحتى من ناحية أي تغيير في موازين القوى والكتل الوازنة الطائفية وتحالفاتها في المستقبل. 

 فالقانون الجديد قد يكون هو الباب للدخول في أتون الحرب الأهلية الجديدة خلافاً لما يُشاع بالنسبة للقانون الحالي، بل بالعكس القانون الانتخابي الحالي سمح بتمثيل بعض القوى السياسية المهمشة في الندوة البرلمانية ،مما ساهم في تخفيف الاحتقان الطائفي لدى الأقليات ..  

    يضاف إلى ذلك أن تصغير دوائر التمثيل البرلماني تسمح باستفادة شرائح الشعب المهمشة وتقضي على سياسة المحادل الانتخابية التي كانت سائدة زمن الوصاية السورية ..  

     والنقطة الثالثة والأخيرة، هي أن تحميل القانون الانتخابي الحالي مسؤولية الأزمات هو تضليل إضافي لأن الأزمات لم تبدأ من اليوم، بل بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن عندما بدأت المديونية الخارجية بالعملات الصعبة، وكانت السلطة يومها هي نفسها الحالية، هذه السلطة التي تغاضت عن عواقب الأمور وعظائم الدهور .. 

     ولكن على من تقرع مزاميرك يا داوود ؟  

السابق
كم بلغ عدد السجناء الفارّين من مخفر بعبدا حتى الآن؟
التالي
الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية(٧): إفتحوا باب الاجتهاد!