ما هو «التنازل الكبير» من «حزب الله» إذا ولدت حكومة الحريري؟

سعد الحريري

ما يشبه الاجماع في الاوساط السياسية العابرة للاصطفافات التقليدية ، ان التحرك الجديد للرئيس سعد الحريري أتى نتيجة دفع خارجي لاقاه تجاوب داخلي، ما يعني ان البلاد على قاب قوسيّن أو ادنى من حسم ملف تأليف الحكومة الجديدة.وبقي الاهتمام مركزا على الظروف التي ستؤدي الى ولادة هذه الحكومة بتأييد من “حزب الله ” الذي ستكون له الكلمة النهائية في هذا الاستحقاق سلبا أم إيجابا.فما هي المعلومات المتصلة بموقف الحزب على هذا الصعيد؟

في معلومات ل”النهار” من اوساط قريبة من مساعي تأليف الحكومة ، ان المسألة الجوهرية في هذه المساعي هو برنامج عمل الحكومة العتيدة الذي سيتقدم على تركيبتها التي تستأثر بالاضواء الان،أي ان تأتي حكومة من المستقلين الذين لا ينتمون الى الاحزاب تحمل صفة “مهمة” لفيترة محددة ب 6 أشهر فقط.وما قاله الرئيس الحريري في القسم الاخير من المقابلة التلفزيونية الخميس الماضي ، في رأي هذه الاوساط ، كان يجب ان يكون في بداية تلك المقابلة ، وهو:”السؤال الأساسي بالنسبة إليّ، مبادرة الرئيس ماكرون واضحة جدا في ما يخص الإصلاحات الواجب القيام بها والمفاوضات مع صندوق النقد. لذلك، ليس عليك أن تناقشني بشكل الحكومة إن كنت تختلف معي بالبرنامج.”

اقرأ أيضاً: عندما يحل «سلام الشجعان» على حساب لبنان!

ما هي قصة البرنامج الذي لم يمض في شرحه الحريري كفاية بعدما طغت تفاصيل اخرى على المقابلة المطوّلة؟

في الجواب على هذا السؤال، إستنادا الى المعلومات المشار اليها آنفا،ان هذا البرنامج يتضمن تماما ما المح اليه الحريري جوابا على احد الاسئلة عندما قال:” حزب الله يقول أنه لا يريد لا خصخصة ولا فرض ضرائب ولا صندوق النقد، فكيف ندعم؟  إن لم نفعل شئيا وأتى شباط، ماذا نفعل؟ هل نبيع احتياطي الذهب لدينا؟ علينا أن نتفق مع صندوق النقد الدولي.”

بعيدا عن التلميح ، تفيد المعلومات المتداولة ان النقطة الاهم في برنامج “حكومة المهمة” هو كيفية ضبط الدولة مواردها من مصادر عدة وفي مقدمها العائدات الجمركية.وسيترتب الشروع في تحقيق هذا الهدف ، هو وضع يد الدولة تحت رقابة دولية على المعابر وفي مقدمها مطار بيروت الذي لا تزال تتكرر فيه الممارسات التي كانت سائدة في مرفأ العاصمة لغاية 4 آب الماضي عندما دمر الانفجار الهائل المرفق منهيا سيطرة الحزب بالتكافل والتضامن مع شركاء في السلطة استولوا منذ أكثر من عقد من الاعوام على موارد تقدر بمليارات الدولارات كان يجب ان تنتهي الى الخزينة العامة.وعندما سيبصر برنامج الحكومة المقبلة النور وفق المواصفات الدولية المتداولة سيعني سريعا الذهاب الى تطبيق النموذج الرقابي الجديد الذي سيتضمن تركيب اجهزة كشف متطورة لكل ما يدخل الى المطار ويخرج منه ، ما يعني النهاية لكل نفوذ ل”حزب الله” في الشريان الاخير للبنان مع العالم الخارجي. فهل وصل الحزب الى مرحلة سيسلّم فيها نفوذه لمثل هذا البرنامج الاقتصادي؟

في سياق متصل، يتحدث أصحاب المعلومات ، ان الحدود البرية بين لبنان وسوريا ، هي الان في ذروة الانفلات بسبب اعمال التهريب الناشطة بلا هوادة على إمتداد مئات الكيلومترات.وتروي اوساط شخصية بقاعية بارزة ل “النهار” ما جرى قبل اسابيع عندما اوقف حاجز امني قافلة من الصهاريج التي تنقل المحروقات الى سوريا بصورة غير شرعية على معبر غير شرعي.ولم يمض سوى وقت قصير بعد توقيف سائقي الصهاريج وحجز الاليات ، حتى حضر الى المكان مسؤول في الحزب على متن سيارة رباعية الدفع وقام بابراز مستند امام المسؤول عن الحاجز فكان ان تم الافراج عن السائقين فورا وواصلت قافلة طريقها نحو الاراضي السورية.وتقول هذه الاوساط ان القوافل التي تنقل المحروقات المدعومة من البنك المركزي الى مناطق النظام السوري الذي يعاني شحا لا سابق له في سوق المحروقات هناك تعود الى الاراضي اللبنانية عبر المعبر ذاته الذي دخلت منه الى سوريا وهي محمّلة أيضا بالمواد المهربة من السوق السوري أيضا.وخلصت هذه الاوساط الى القول ان هناك قرارا سياسيا على المستوى القيادي في حزب الله كي تمضي عمليات نقل المحروقات من لبنان الى مناطق نظام السوري.

إذا ،في صلب برنامج التعافي من الازمة الاقتصادية التي غرق فيها لبنان هو ضبط موارد الدولة وفي مقدمها العائدات الجمركية التي تقع الان تحت رحمة “حزب الله”. فهل حان الوقت لتصحيح هذا الخلل الخطير في وصول الدولة الى مواردها؟

في رأي خبراء ان الجدل الذي ساد ولا يزال موضوع تأليف الحكومة يبتعد وعن قصد عن وضع الاصبع على “جرح” الموارد.ومرة اخرى ، وبالعودة الى ما قاله الحريري في المقابلة التلفزيونية ، يتبين ان القفز فوق هذا الملف يخفي الحقيقة وراء هذا التعطيل للمبادرة الفرنسية.وفي هذا السياق سأل الحريري:” الأسباب التي تم التذرع بها في وزارة المالية أو تسمية الوزراء الشيعة، هل هي بالفعل سببا يستحق أن نوقف من أجلها المبادرة الفرنسية التي يمكنها أن تضع حدا للانهيار وتعيد إعمار بيروت؟”

لا بل ان الحريري يمضي بعيدا في تصغير حجم مشكلة سلاح “حزب الله” الذي هو العنوان العريض للحملة الغربية عموما والاميركية خصوصا عندما قال :”لا احد يعد مؤامرة على حزب الله والكل يعلم في لبنان والمجتمع الدولي ان سلاح حزب الله موجود وهذا السلاح له تداعيات اقليمية ولكي تحل هذه المشكلة عليك أن تحل المشكلة الاقليمية”.

لا يختلف إثنان على ان الظروف التي أدت الى انطلاقا مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل هذا الاسبوع، قد تكون هي وراء الحكومة الجديدة إذا أبصرت النور في المستقبل القريب.فهل حان اوان “التنازل الكبير” الذي ارجأ الحزب تقديمه منذ العام 2005 تقريبا؟ 

السابق
يوم «الغضب والرفض»: احتجاجات وقطع للطرقات غدا.. اليكم خريطة التحركات!
التالي
هل يرهن اللبنانيون أولادهم؟!