عندما يحل «سلام الشجعان» على حساب لبنان!

علي الأمين

بعد كل هذا الصراخ السياسي والعسكري  الديني التاريخي وشعارات التكفير والتحريم لكل من “تسول” له نفسه حتى بتلفظ عبارات تفاوضية او “تطبيعية”، أو يحيد قيد أنملة عن العداء لإسرائيل “العدو الصهيوني الغاشم”، يأتي هذا  الفريق بعينه الذي يفترض انه أشد عداوة لهذا الكيان الغاصب في “ليلة لا ضوء قمر فيها”، وبما  يشبه التسلل الأقرب الى “التهريبة” ليعلن بدء مفاوضات رسمية حدودية مع إسرائيل. 

وبقطع النظر عن مصلحة الدولة العليا للبنان أو بالأحرى ما تبقى من دويلة صغيرة منهكة، لا بد من التوقف مليا عند الشكل والتوقيت و المضمون. هم انفسهم أمراء الحرب والسلم و الممانعة والمحاباة يقررون مصير البلد ومتى “إذا جنحوا للسلم فإجنحوا”، يحتكرون أرنب “سلام الشجعان” الشعار الذي اتحفهم به حافظ الأسد ليهرب من محاربة إسرائيل منذ ان احتلت الجولان و الذي كرسه مع إيران و”حزب الله” في لبنان ايضاً تحت مزاعم تحرير القدس، و بالتالي  يخرجوا هذه  الورقة_ الأرنب في عز الانكسار العسكري والسياسي ليحرجوا الآخرين ويغطون على “تعاملهم” مع إسرائيل بأشكال وأشكال ويعوموا أنفسهم.

إذا بعد غد الأربعاء تنطلق المفاوضات حول ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، وسط مخاوف من ان يدفع لبنان اليوم في هذا المسار التفاوضي ما كان يمكن له ان يتفاداه غداة الانسحاب الاسرائيلي في العام ٢٠٠٠ او قبل عشر سنوات، حين كان لبنان أقل عرضة لضغط الخارجي، وفي ظروف مالية واقتصادية افضل حالاً، وفي وضع سياسي واجتماعي أقل تصدعاً مما عليه اليوم.

اختيار توقيت اعلان التوصل الى “اتفاق الاطار” الذي صدر عن الرئيس نبيه بري، ومن واشنطن وتل أبيب، جاء توقيته بعد مقدمات لا يمكن تغييبها عن المشهد التفاوضي الجديد، فهو موقف صدر عن  بري وليس مجلس الوزراء، ولا عن اي جهة معنية قانونياً ودستورياً، بدا  بري مستعجلاً في ان يعلن هو شخصياً هذا الاتفاق، من دون ان يستبق الاعلان بتنسيق ولو في الشكل مع بقية المؤسسات الدستورية، وهذا ما بدأ يتكشف من التسريبات من القصر الجمهوري، حول التفاوض لجهة ان لبنان معني بترسيم الحدود البحرية وليس البرية، وان رئاسة الجمهورية لم تكن موافقة على ان يعلن بري ولا اي جهة لبنانية الاتفاق على اطار التفاوض، بل ان يكون الاعلان من الولايات المتحدة الاميركية باعتبارها الطرف الوسيط، لذا كان بيان رئاسة الجمهورية في حينه ترحيبا بالاعلان الاميركي حصرا من دون الاشارة الى ما قاله رئيس المجلس.

ولا يفوت المتابع ان توقيت الاعلان ومن  بري نفسه، جاء اثر العقوبات الاميركية التي طالت معاونه السياسي الوزير السابق علي حسن خليل، وهو مؤشر يجب ان يثير القلق لبنانيا، لجهة ان يتم التفاوض على وقع سيف العقوبات، بحيث ان المفاوضات ستجري في ظل سلطة باتت الى حدّ كبير رهينة سيف العقوبات، وجزء كبير من اطرافها بات رهينة ما ارتكبه من فساد وافساد، وقد بات اسير النجاة من هذا السيف ولو على حساب المصالح الوطنية، بل سيسعى الى تقديم نفسه على انه الطرف المناسب لضمان اي اتفاق وهو الأقدر على تسويقه وحمايته، بمعزل ان كان ملائما لمصالح لبنان او العكس.

في جانب آخر و هو المتصل ب”حزب الله”، ومن خلفه ايران، اذ ليس من الطبيعي او المطمئن ان يترافق الاعلان عن اطلاق المفاوضات بين لبنان واسرائيل، مع توقف الضربات الجوية الاسرائيلية للمواقع الايرانية وميليشياتها في سوريا، اذ يمكن ملاحظة ذلك هذا الامر الذي يجب ان يثير المزيد من الشكوك عن الأثمان التي يمكن ان يدفعها لبنان في سبيل المصالح الايرانية او تلك المتصلة بوجود حزب الله في سوريا.

على ان ما يجب الالتفات اليه، هو عدم ذكر اتفاق الهدنة الموقع بين لبنان واسرائيل عام ١٩٤٩ كمنطلق للتفاوض وذكره في متن اطار التفاوض، باعتبار ان هذا الاتفاق الذي تم باشراف الامم المتحدة يقوم على تأكيد ان خط الهدنة هو خط الحدود الدولية بين البلدين والتي جرى تثبيتها بين بريطانيا وفرنسا في زمن الانتداب عام ١٩٢٤. وهذه الحدود هي مخالفة للخط الأزرق الذي جرى اعتماده في القرار ١٧٠١.

اذا كان الجميع في لبنان يدرك ان المفاوضات مع اسرائيل امر صعب وخطر ويتطلب تماسكا داخليا ووحدة الموقف الداخلي خلف المفاوض اللبناني، فان ذلك يتطلب ان تبادر السلطة الى خلق حال من الالتفاف الوطني حول المصالح اللبنانية السيادية والوطنية، تبدأ من دعوة رئيس الجمهورية في الحدّ الأدنى الى تثبيت الخطوط الحمراء التي لا يمكن للبنان التنازل عنها، وهذا يتم بدعوة رؤساء الكتل النيابية الى لقاء في قصر بعبدا، لبحث هذه الثوابت وترسيخها، بما يجعل التفاوض شأناً يتحمل مسؤوليته الجميع وليس وظيفة طرف او جهة سياسية، مهما بلغت قوتهما و وطنيتهما سيكونان اكثر استجابة  للضغوط الخارجية مما لو كان ملف التفاوض يحظى بمظلة وطنية تحد من الابتزاز والمقايضة الفئوية الطائفية او الاقليمية. .. وتبقى الأمور مرهونة بخواتيمها.

السابق
بالفيديو: ما حقيقة الإنفجار في عرمون؟
التالي
بعد إطلالة سعد التلفزيونية.. بهاء الحريري يُعلن عدم نيته التدخل بالشق السياسي اللبناني