السيد محمد حسن الأمين: لإعادة النظر في شعاراتنا وممارساتنا تجاه قضية تحرير فلسطين

رأى العلامة السيد محمد حسن الأمين ان “الانهيارات والصراعات المخيفة التي تعصف في جزء كبير من العالم العربي في هذه المرحلة، جعلت أصحاب الرأي وقادة الفكر أكثر عجزاً من أي مرحلة سابقة من تحليل ما يجري وفهمه والتنبه بنهاياته ونتائجه، ذلك أنّ طبيعة هذا الشكل من أشكال الصراع الداخلي في المنطقة العربية بكل وجوهه وأشكاله لم يحصل بهذا الحجم وبهذه الدرجة من الخطورة في تاريخنا السابق، لا الحديث ولا القديم”. و إذ الى لفت  ان  قضيّة فلسطين، ما زالت رغم كلّ ما جرى ويجري تحتلّ موقعاً مركزياً في الوجدان العربي والإسلامي”،  اعرب عن أسفه من ان  موقعا لا يتمتع بتوفّر الاعتبارات التي يتطلبها هدف تحرير فلسطين، وكأنّ الوجدان العربي والإسلامي في تمسّكه بشعار التحرير لا ينظر إلى هذا التمسك إلّا بوصفه شكلاً من أشكال الوفاء لهذه القضية أكثر مما هو مستند إلى أي إنجازات حقيقية استطاعت أن تقرّبنا من إمكانات تحقيق هذا الهدف”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: حماية الأديان تحول لبنان إلى بلد علماني حقيقي

قضية تحرير فلسطين

ولاحظ السيد الأمين بكثير من القلق انه” في وجداننا القومي والإسلامي أنّنا نظراً للقداسة التي كرّسناها في وجداننا وفي تفكيرنا تجاه هذه القضية بات من المحرج بل يكاد يكون من المحرم أن نلجأ إلى إعادة النظر في رؤيتنا وفي شعاراتنا وفي ممارساتنا تجاه قضية تحرير فلسطين، وخاصّة تجاه وسيلة المقاومة التي تمّ تكريسها بوصفها الوسيلة الحصرية لتحقيق هدف التحرير”، وأضاف”: فإذا كان صحيحاً أنّ المقاومة وبصورتها المسلّحة والعسكريّة هي شكل لابدّ منه في التعامل مع هذا الاستعمار الاستيطاني المسمى بدولة (اسرائيل) إلّا أنّنا تغاضينا ونتغاضى عن حقائق أخرى تشكل مع المقاومة دائرةً استراتيجيّة كاملةً لمسيرة التعامل مع هذا الاستعمار الاستيطاني”.

وأردف”: ومن أبرز ما في هذه الدائرة هو استحضار القناعة الفكريّة والسياسيّة التي ترى أنّ قيام الكيان الصهيوني في هذه المنطقة لم يكن نتيجة اختلال موازين القوى بيننا وبين الكيان الصهيوني على المستوى العسكري فحسب، ولكنه كان نتيجة اختلال سياسي وحضاري في الاجتماع العربي الإسلامي جعل من الكيان العربي خصوصاً، والإسلامي عموماً، كياناً مفتقراً إلى التطوّر في بنية الاجتماع العربي والإسلامي غابت فيه كلّ العناصر الحيويّة لتجديد الحضارة العربية والإسلاميّة، فلم تحدث أية نقلة نوعيّة في هذا الاجتماع، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الحضاري”. وقال”: ولم تتمكن قضيّتا الحريّة والتنمية ـ واللّتان هما وسيلتا التقدّم والتطور والمعاصرة ـ الدخول إلى بنية الاجتماع العربي الإسلامي، بل ـ وبكل أسف ـ تكرّست مفاهيم السلطة بمحتواها الماضوي في كل الأقطار العربيّة تقريباً، والتي هي السلطة التي تنشأ عن القهر والغلبة وليس عن اعتراف السلطة بأنّها تمثيل وفي وصادق لإرادة شعوبها”.

اليوم الأمر الملحّ أكثر من أيّ وقت مضى هو إعادة النظر من جديد في المفاهيم والقيَم والشعارات القومية والإسلاميّة السابقة، وخاصّة في ظل ما يسمى الآن بالرّبيع العربي

وتابع”: رافق ذلك تعزيز ظاهرة الفقر والبؤس والتفاوت الاجتماعي الفاحش داخل شعوب الأقطار العربيّة، وتمّ تغييب عنصر التنمية كشرط أساسي لإنتاج اجتماع قادر وفاعل ومؤثّر في تحقيق الأهداف القومية على الأقل، وتراجعت وانحسرت ـ إن لم أقل تبدّدت بصورة شبه كاملة ـ قضية ولاء الفرد العربي للوطن والأمّة، واستمرّت الأنظمة السياسيّة في تكريس هذا الوضع البائس وغالباً ـ بل دائماً ـ بحجّة أنّ إنجاز الحريّة والديمقراطية والتنمية يتعارض مع أولوية مواجهة الكيان الصهيوني”.

حقوق الفرد والجماعة

ونبه الى أن “الكثير من شعوب أمّتنا لم يفطن إلى أنّ أنجاز التنمية وحقوق الفرد والجماعة والتقدّم هو الوسيلة، بل الأداة الأكثر فاعليّة في صراعنا مع العدو، وأنّ شعوباً لا تملك معطيات النموّ والتقدّم والعدالة ليس بوسعها أن تخوض معركة حقيقيّة وفاعلة ضد أيّ استعمار، وخاصّة هذا الاستعمار الاستيطاني المتمثّل بالكيان الصهيوني”.

و أعتبر أنّ ” اليوم الأمر الملحّ أكثر من أيّ وقت مضى هو إعادة النظر من جديد في المفاهيم والقيَم والشعارات القومية والإسلاميّة السابقة، وخاصّة في ظل ما يسمى الآن بالرّبيع العربي، الذي أسفر عن هذا المقدار الفاجع من التفكّك والانهيار في استراتيجيّة فكرة الوحدة العربية أو الإسلاميّة، وفي تكريس التعامل مع الكيان الصهيوني بواسطة المقاومة المسلحة حصرياً”، وأضاف”: ذلك من أجل أن نبدأ فعلاً في إنتاج استراتيجيّة جديدة وقابلة للتحقق ولو على مدى طويل من الزمن نعيد فيه الاعتبار لقيَم التقدّم والتجدد والتنمية وحقوق الإنسان والفرد في هذا العالم العربي خصوصاً، والتعامل جديّاً وليس على سبيل الشعار فقط مع النظرية التي يتمّ ترديدها بأنّ صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع حضاري، وليس سوى مجرد صراع يعبّر عن السّعي لتوازن القوى العسكريّة بيننا وبين هذا الكيان الغاصب، وحتى المقاومة نفسها بالرّغم من أنها شكل مطلوب إلّا أنّها ليست الشكل الحصري”.

عصر التغيير المنشود

وحمّل العلامة الأمين “كلاً من النخب الإسلاميّة والقوميّة والعلمانيّة في الوطن العربي تخليها عن مسؤولياتها في إنتاج ورشة التغيير البنيوي في الاجتماع العربي وجهاد ما أسميه بضخ الوعي المسؤول في أوسع دوائر الاجتماع العربي الذي يتمكّن في حال حصوله من افتتاح عصر التغيير المنشود على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، الذي يؤسس لهدف إنجاز التجدد الحضاري في هذه الأمّة العربيّة والإسلاميّة”.وأوضح”: نحن لا نعمل ولا يجوز أن تكون رؤيتنا لما نريد إنجازه أنّه مسار قصير يمكن تحقيقه في سنوات أو عقود قليلة من الزمن، وأنّ التاريخ لن ينتهي أو يتوقف بعد مرور سنوات أو عقود قليلة من الزّمن، فكلّ صراع حضاري من طبيعته أن تكون له آفاق وأبعاد زمنيّة طويلة، ولا يجوز النكوس عن واجب إنجاز التجدد الحضاري في العالم العربي والإسلامي لمجرد أنّ ذلك قد يحتاج إلى زمن طويل”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين يدعو لتقبل الخلاف والإختلاف بين الأجيال

وختم مشيرا إلى  أنّ هذه المداخلة  هي رؤية أضعها بين أيدي النخب والتيارات التي تتبنى مسيرة التقدّم والتغيير، أضعها بين يديهم لا بوصفها ورقة عمل، ولكن بوصفها رؤية قد يتوفّر لها قدر كبير من القبول مما يجعلها أساساً لبرنامج قومي وإسلامي وحضاري، ولإنتاج أوراق عمل قد تستفيد من هذه الرؤية التي قدّمتها، والتي قد تساعد على اجتراحِ رؤية جديدة واستراتيجية مختلفة لتحديد مكانة المستقبل لهذه الأمّة، بما فيها صراعها ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي بدأنا منه في تقديم هذه الرؤية وهذا البحث المختصر، ولكنه يطمح لأن يكون مؤشراً لرؤية جديدة في مسار التوجّه نحو المستقبل الذي من حقّنا أن نحلم به وأن نعمل من أجله، أعني به مستقبل الوصول إلى مواكبة هذا العصر والعصور القادمة”.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
حَذِف إعلان حفل سعد المجرد في مصر بسبب اتهامه بالتَحرُّش الجنسي!
التالي
المفاوضات تشطب الناقورة من لائحة الكورونا.. وتستعد غداً لاستقبال الوفود في «منزل عميل سابق»!