التحقيق الجنائي في مصرف لبنان على الأبواب.. ماذا يريد «صندوق النقد» والسلطة؟!

مصرف لبنان

يفتح توقيع لبنان (بشخص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير المال في الحكومة المستقيلة غازي وزني) لإتفاقية التحقيق المالي الجنائي مع شركة Alvares and Marsel   العالمية لإجراء تحقيق في حسابات مصرف لبنان، الباب أمام السؤال عن تمكّن هذه الشركة في الوصول إلى نتائج “غير جدلية” يقبل بها جميع الاطراف المعنيين، خصوصا أن هناك وزارات ومؤسسات عامة أخرى يكثر الكلام حول نزاهة مسؤوليها في الحفاظ على المال العام وعلى رأسها الوزارات الخدماتية كالطاقة والاتصالات والاشغال، ناهيك عن أن التقرير الذي سيصدر عن الشركة المدققة سيقع في قبضة مجلس النواب المنقسم أيضا إلى محاور و إتجاهات.

اقرأ أيضاً: العطش السوري يرتوي من «الدولار اللبناني»..وملاحقة قضائية على خلفية «كورونية-عاشورائية»!

هذا التساؤل لا يلغي أهمية إجراء التحقيق  كخطوة أولى نحو رحلة الألف ميل في الإصلاح التي يشترطها صندوق النقد الدولي ومن خلفه الدول المانحة لمساعدة لبنان، لأن التحقيق أو التدقيق الجنائي سيمكّن من تحديد رقم خسائر القطاع المصرفي والدولة اللبنانية التي كانت محطّ خلاف بين الحكومة المستقيلة ومصرف لبنان والتي أدت الى تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. علما أن متطلبات صندوق النقد تشمل أيضا إقرار قانون الـ”كابيتال كونترول”، وتعديل موازنة 2020 لتتضمن برنامج تصحيح المالية العامة على المدى المتوسط، وإجراء تدقيق جنائي لمؤسسة الكهرباء إلى جانب مصرف لبنان، وإقرار آلية لتوحيد أسعار سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية.إذا التدقيق أو التحقيق الجنائي يجب أن يشمل (بحسب صندوق النقد) كل المؤسسات العامة وليس مصرف لبنان فحسب، كون عجز الكهرباء تسبب في تكبّد خزينة الدولة نصف قيمة الدين العام المترتّب عليها حالياً، فيما عشرات المؤسسات والهيئات المستقلة والصناديق والمصالح المستقلة لا يعرف أحد موازناتها وعدد الموظفين لديها، فهل يكون حصر التحقيق الجنائي فقط بحسابات مصرف لبنان محاولة من السياسيين لإمتصاص النقمة الشعبية وإعطاء أنفسهم فترة سماح تتراوح بين ستة أشهر وسنة.

سروع: تحقيق بمفعول رجعي 

جو سروع
الخبير المصرفي والاقتصادي جو سروع

يوافق الخبير المصرفي والاقتصادي  جو سروع على عدم وضوح النية لدى الطبقة السياسية في لبنان لجهة السير حتى النهاية في موضوع التحقيق الجنائي في  مؤسسات الدولة وقبولها بالنتائج التي ستتوصل إليها شركة Alvares and Marsel ، ويوضح ل”جنوبية” أن “التحقيق المالي الجنائي ينطلق من مجموعة معطيات حسية أولها وجود جريمة مالية، وثانيها وجود مسرح لهذه الجريمة لأخذ الأدلة وثالثها تشريح الجريمة في المختبر للوصول إلى الجاني”، لافتا إلى أنه “كي ينجح التحقيق الجنائي المالي، في أي بلد ما يفترض أولاً، أن تتوفر عناصر عدة منها: تحديد الهدف من التحقيق، ثانياً تحديد ما يجب العمل عليه، لمعرفة إذا ما كان هناك من تجاوزات، ومن ثم تحديد الزمن الذي يستوجب الرجوع إليه لجمع كل الادلة، ومن غير ذلك لا يمكن لأي عملية تحقيق جنائي مالي أن تصل إلى أهدافها، وأن تحقق النتائج المرجوة منها”.يشرح سروع أن ” الشركة Alvares and Marsel وعدت بأنها ستعطي تقريرها  خلال 10 أسابيع بعد أن تجري تحقيقاتها في 12 نقطة  كما صرح الوزير وزنة، لكن إلى الآن لم نعرف أن التحقيق لن يشمل سوى نقطتين هما إعادة هيكلة البنك المركزي بالاضافة إلى حسم خلاف الحكومة والبنك المركزي و جمعية المصارف حول تحديد قيمة خسائرهم، أما باقي النقاط فلا تزال مجهولة”، لافتا إلى أن “التحقيق إذا بدأ منذ العام 2015 فهذا سيعني أنه سيشمل الهندسات المالية وتحديد الخسائر في المصرف المركزي، وبالتالي من سيضمن عدم التشكيك بهذه النتائج خصوصا أن مصرف لبنان يقوم بعمليات تدقيق سنوية وهو متعاقد مع شركتي عن شركتين عالميتين وهما “ديلويت” و”أرنست أند يانغ”، وهذه الشركات لا يمكنها الاقرار بأنها أعطت المصرف المركزي أرقام ونتائج مخالفة لأرقام المحاسبة العالمية لأن هذا الامر يرتب عليها مسؤوليات كبيرة  ومباشرة ، لأن هذه المؤسسات لا تهتم فقط بميزانية المصرف، إنما تلفت النظر إلى أي خلل أو تجاوز للأصول المحاسبية “.ويضيف:”التحقيق الذي سيحصل هو أحد مطالب صندوق النقد الدولي وهو خطوة مهمة  ووسيلة إصلاحية من باب ممارسة الدولة اللبنانية حقها في التحقق من أمر خلافي بين اللبنانيين”، لافتا إلى أن “التحقيق الجنائي إذا وصل إلى نتائج غير قابلة للجدل يكون حقق خطوة كبيرة ، لكن ماذا عن باقي الخطوات الاصلاحية في الكهرباء و القضاء مثلا”.

سروع لـ”جنوبية”: توصل التحقيق إلى نتائج حاسمة هو خطوة كبيرة

قطب: إظهار أخطاء جوهرية

مروان قطب
الخبير الاقتصادي ومدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور مروان قطب

يفسر الخبير الاقتصادي ومدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور مروان قطب لـ”جنوبية” أهمية التحقيق الجنائي من زاوية أخرى فيقول: “للتدقيق الجنائي أهمية كبرى في زمن التأزم الاقتصادي والنقدي والمصرفي، فعلى المستوى النقدي والمصرفي فتح التحقيق يعني  التدقيق في الخسائر الناتجة عن اعمال البنك المركزي خصوصا بعد الجدل الكبير حول حجمها بين خطة الحكومة الانقاذية، وتقرير جمعية المصارف، والتقرير الذي أعد من قبل للجنة البرلمانية برئاسة النائب ابراهيم كنعان، ولا يمكن ان يكون للتدقيق جدوى ان لم يبت في حقيقة حجم هذه الخسائر”.ويرى قطب أنه من خلال هذه الخطوة  يمكن “بيان مدى إرتكاب البنك المركزي لأخطاء جوهرية يحاسب عليها وهذا الامر يفعل مبادىء المحاسبة والمساءلة المطلوبة كخطوة اولى امام الاصلاح المالي والنقدي، وكشف النقاب عن الهندسات المالية التي اكسبت المصارف ارباحا طائلة وبيان الاخطاء التي ارتكبت في هذا الاطار واخضاع المسؤولين عنها للمحاسبة”.

اقرأ أيضاً: «حروب صغيرة» بين الإنفراج والإنفجار.. ولا «حياد» لمن تنادي!

قطب لـ”جنوبية”: لا جدوى من التدقيق اذا لم يبت في حجم الخسائر

يضيف: “الشركة التي ستتولى التحقيق ستتمكن من الوقوف على التحويلات المصرفية الى خارج لبنان، ومدى علم مصرف لبنان بها، ودور لجنة الرقابة على المصارف في هذا الاطار بإعتبارها احد مكونات البنك المركزي المولج بها التدقيق في مدى خضوع المصارف للمعايير الدولية والمحافظة على سلامة النقد، وإظهار كيفية استعمال البنك المركزي لأموال المصارف المودعة لديه، وآلية اقراضها للدولة والفوائد المقررة عليها”. ويختم: “من النتائج المهمة التي سيتم التوصل إليها هي بيان الاسباب التي حملت البنك المركزي الى عدم إعداد حساباته وفقا لمعايير المحاسبة الدولية ورفعها بصورة دورية الى السلطة التنفيذية بواسطة وزارة المالية”.

السابق
«حروب صغيرة» بين الإنفراج والإنفجار.. ولا «حياد» لمن تنادي!
التالي
نجم بلاك بانتر يخسر حياته بسبب سرطان القولون!