مواطنة المسلمين في فرنسا في مهب الاندماج والدين و«التمييز»!

فرنسا والمسلمون

المسلمون الفرنسيون، يعانون، على مستوى المواطنة، ومنذ زمن بعيد جدا، من مسألة عدم الاندماج الفعلي، في النسيج الوطنيّ الفرنسيّ . فالجمهورية الفرنسية تضع مواطنيها المسلمين، أمام عقبات الإنتساب او الإنتماء الوطني إليها. (وهي عقبات يلخصها غياب الاعتراف الجمهوريّ الرسميّ بمواطنتهم الملموسة على صعيد الممارسة في المجتمع الفرنسي) .

اقرأ أيضاً: «المنكوبين» أرض النسيان والعنف الأسري والأمن المهترئ.. نماذج صارخة!

قضية حساسة 

فالمواطنة الكاملة وغير المنقوصة ، هي التي يصبو إليها المسلمون الفرنسيون ، على مدى أكثر من ثلاثين عاما ، تشكل قضية حسّاسة ، على المستوى الوطني الفرنسي ، وهذه هي القضية التي يثيرها مدير ” مركز الهجرات والجنسيات في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ” ، الباحث والكاتب الدكتور كريستوف برتوسي ، في كتابه الجديد ، الصادر حديثا عن ” دار الفارابي ”  في بيروت (بطبعته العربية الاولى في ال2019 ، التي أنجزها جورج سعيد) تحت عنوان فرنسا والمسلمون .

نظرة جديدة الى الجنسية الفرنسية 

وهذا الكتاب، الذي يعالج معضلة مواطنة المسلمين في الجمهورية الفرنسية، هو بحث في سوسيولوجيا المواطنة ، المواطنة التي هي مسألة ، تحتل في فرنسا مكانا هاما في المناقشات العامة حول الهجرة . هذه المناقشات تدور في جو مشحون بالعواطف وهو انعكاس للجدل الحالي حول معنى القيم مثل ” العلمانية “،  ” الكونية “، ” المساواة ” أو ” الجماعات ” ، وحول الطريقة التي تتشكل في الواقع الاجتماعي والسياسي .فإلى أي مدى ما تسميه الجهات الفاعلة ” العلمانية ” و” الإندماج ” له تأثير في الممارسات المؤسسية ؟ هل من الممكن اقتصار وجود ثقافة المواطنة على تكريس ثقافة عامة وطنية ؟ وباختصار، كيف نفهم اليوم “النموذج الجمهوري”على الطريقة الفرنسية ؟ وعليه فإن كريستوف برتوسي، وانطلاقا من الدراسات الاستقصائية التي أجريت في المؤسسات العامة مثل الجيش والمستشفيات يقدم نظرة جديدة إلى ما هي الجنسية الفرنسية، تتجاوز التعارضات المعتادة بين النزعة الجمهورية ونزعة التعدد الثقافي، وبين النزعة العلمانية والنزعة الجماعية ، وبين العام والخاص، وبين القيم والممارسات. وتتكون محتويات هذا الكتاب من: “التوطئة”؛ و”المقدمة”؛ و”المتن” المتشكل من أربعة فصول.

هذا الكتاب لا يدين التمييز العنصري الذي يستهدف المسلمين في فرنسا

علمنة المواطنة الفرنسية

ومما جاء في التوطئة : لقد تجاوز النقاش حول الاسلام ، منذ زمن طويل حدود المجتمع الفرنسي أو أوروبا فقط  . فالقارئ في اللغة العربية الذي سيأخذ هذا الكتاب بيديه ، سيكون لديه على الأرجح عدد كبير من الأفكار حول العلاقات بين فرنسا ومواطنيها المسلمين .ربما سيفكر بمسألة العنصرية التي تندرج في تاريخ فرنسا القومي والكولونيالي ، كما في تاريخ الهجرة إليها. وهذا التاريخ لا يزال يثقل اليوم كواهل أولاد المهاجرين القادمين من أفريقيا والمغرب في الستينيات والسبعينيات .سوف يفكر أيضا ، من دون شك ، بالعداء الظاهر في النقاش العام الفرنسي تجاه الاسلام بشكل عام والحجاب الاسلامي بشكل خاص . فهذا العداء يتخذ شكلا خاصا جدا في فرنسا لأنه يطالًب به عادة باسم تقليد سياسي وطني ، يعود إلى الثورة الفرنسية ، عندما تحررت فرنسا من النظام القديم والمواطن من الهيئات الشرعية المتشكٍّلة . في تلك اللحظة الثورية ، كان الفرد يشكل معيار الإنتماء إلى المجتمع الفرنسي بمعزل عن أي شيىء آخر . هذا هو المعنى المعطى في الدستور للعبارة التي تقول : ” فرنسا هي جمهورية واحدة لا تتجزا ” .أمر جديد بالكامل قد ظهر ، اذ إنّ النقاش حول الاسلام قد انتهى بإضافة مفهوم العلْمنة إلى هذا التقليد للمواطنة على الطريقة الفرنسية الموروث من العام 1789 .

تمييز عنصري! 

ويوضح المؤلف: أعتقد أننا لا نبالغ إذن ، إذا قارنّا الموقع الذي يحتله اليوم في فرنسا أبناء وأحفاد مهاجري ما بعد الكولونيالية المتحدرين من بلاد المغرب بموقع الأفارقة الأميركيين في الولايات المتحدة . فكلاهما يشكلان مرآة التحديد ” الطبيعي ” للمواطنة. إنهما التمزق الإشكالي في النسيج غير المدروز للإستيعاب الديمقراطي الذي إذا كان بإسمه يعلن كل مواطن مساويا لجميع الآخرين يمكن مع ذلك تبرير ما لا يبرر : سنجد مواطنين ينتمون أقل من الآخرين واقل مساواة من الآخرين . ويضيف: في نهاية الحرب العالمية الثانية إستخدم اقتصادي سويدي باسم غونار ميردال تعبير “المعضلة الاميركية” ليصف التناقض الذي حدده بين مبدأ مساواة كل المواطنين كما هو مكرس في دستور الولايات المتحدة (اساس وجود البلاد بالذات) والمصير الذي ينتظر ذرية العبيد السود، الباقين في وضعية مواطنين من الدرجة الثانية. ثمة اليوم معضلة فرنسية بالنسبة إلى الإسلام والمسلمين. فعن هذه المعضلة أقترح أن يجري الكلام في هذا الكتاب. ويكمل: لكنه علي أن وضح حالا للقارىء أنّ ذلك ليس سوى نقطة انطلاق. ويؤكد: إنّ هذا الكتاب ليس كتاب إدانة التمييز العنصري الذي يتعرض له الاشخاص المسلمون في فرنسا او لوضعهم ” المسيطًر عليهم”. إنّ هدف هذا الكتاب هو محاولة شرح أنّ معضلة المواطنة والمسلمين هذه التي أصفها فيه تطرح بدورها تحديا أمام العلوم الاجتماعية في قدرتها على تقديم إدراك مثل هذه المعضلة.

يعرض الكتاب لمعضلة مواطنة المسلمين في فرنسا وتحديات إدراكها

رسالة هذا البحث

وبعد طرحه عدة أسئلة تتعلق بموضوعه يقول المؤلف: قادتني تحقيقاتي إلى طرح هذه الأسئلة عن إنتماء وعن نوعية عضوية أشخاص مسلمين في فرنسا في ظرفين محددين: الاول هو وسط الجيوش الفرنسية والثاني الوسط الاستشفائي خلال عدة تحقيقات ميدانية، أردت أن أرى كيف كان (أم لا) بالملموس تأثير  “اندماجهم” كمواطنين فرنسيين على صفتهم المعترف بها كأعضاء مهنيّيّن عسكريين أو استشفائيين في هذين السياقين المؤسّسيّين. وفي نهاية التوطئة يشدد الكاتب على الملاحظة الأساسية الآتية: يجب ألا نواجه العلاقة بين الاسلام والمسلمين والمواطنة باختزالها إلى مشكلة إقصاء وهيمنة. هذه المسألة موجودة وهي تحدٍ كبير للمجتمع الفرنسي. في الوقت ذاته، المسلمون ليسوا متمترسين وراء مواقف خارجانية في المجتمع الفرنسي: فهم عنصر أساس دينامي ويبني تطوره كما ثقافته القومية. ويقول: وراء انتقاد العنصرية المعادية للمسلمين سيكتشف القارئ إذن مشكالا من الوقائع ، في الجيش وفي المستشفى حيث يجسد المسلمون صورتين ساطعتين في الميثولوجيا الجمهورية . هذه هي الرسالة الرئيسية التي ينقلها هذا البحث.

اقرأ أيضاً: «إسكتشات» من الكوميديا السوداء.. اللبنانية!

محورية فصول الكتاب

هذا وتضمنت فصول الكتاب : مراجعة النقاشات العامة التي جرت على مدى ثلاثين عاما حول اندماج المهاجرين وحول الإسلام في فرنسا لنبين كيف تطورت المسألة العامة المتعلقة بانتماء الأشخاص المسلمين إلى المجتمع الفرنسي في دائرة الجدل السياسي .وكيفية الدخول في الأوساط التي يعيش فيها الأشخاص المسلمون ودراسة أشكال التزامهم في مؤسستين هامتين من المجتمع الفرنسي هما الجيش والمستشفى .ومعالجة مسألة إنتاج المؤسسات وآليات رسم الحدود الرمزية وإشكالية التنوع والإنتماءات في مجتمع الهجرة المعاصر .

السابق
حارث سليمان يرد على حملة «حزب الله» بفيديو لنصرالله يعترف بـ«شهداء في انفجار المرفأ»!
التالي
«كورونا» أو «الجوع».. الأبيض يحذر: المعدل الأسبوعي للوفيات أعلى من المتوسط العالمي!