أفيوني لـ«جنوبية»: الحكومة تُكبد المودعين ٣٥ مليار دولار .. والمصارف «تحبس» أموالهم

عادل أفيوني

ينظر وزير الدولة لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا عادل أفيوني إلى الازمة المالية والاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان بعين الخبير المصرفي والاقتصادي الذي أمضى نحو 25 عاما في العمل مع إقتصادات الدول الناشئة وأسواق المال العالمية، بعيدا عن التشفي أو الشماتة بالهذيان الحكومي الحاصل كونه وزير سابق شارك في حكومة الرئيس سعد الحريري الثالثة “إلى العمل” وفي الطاولة الاقتصادية التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من مقره في بيت الدين في صيف 2019. يتحدث إلى “جنوبية” بلغة العارف بنقاط الضعف في أداء المسؤولين السياسيين في الحكومات السابقة ومنها حكومة الرئيس الحريري والذين أوصلوا البلاد والعباد إلى الحال المزري الذي نحن عليه.

اداء الحكومة في الأزمة بعيد عن المستوى المطلوب

المودع هو الخاسر الاكبر

يمسك أفيوني مبضعه ليشرّح المرض الاقتصادي الخبيث والمزمن الذي يعاني منه لبنان، ولا يخفي توجسه من “تدفيع المودع اللبناني” الثمن الاكبر من الخسائر التي يدور حولها النقاش بين الحكومة وجمعية المصارف، ويشرح ذلك بالقول ل”جنوبية”:”هناك أربع مكونات رئيسية معنية مباشرة بعملية الانقاذ المالي، المكون الاول هوالدولة اللبنانية والثاني هو البنك المركزي والثالث هو المصارف ممثلة بجمعية المصارف أما الرابع فهو المودعين اي مئات الآلاف من اللبنانيين وعائلاتهم وهم حتى اليوم الخاسر الاكبر في عملية توزيع الخسائر”.

على المودعين ان يشكلوا تجمعات لتمثيلهم


ويسأل:” من يمثل هذا المكون ويدافع عن حقوقه ومصلحته على طاولة التفاوض؟، حتى الآن لا أحد عملياً يمثل المودعين، ولذلك رأينا أن الخطط التي طرحت من الحكومة أو من المصارف فيها قاسم مشترك، وهو أن المودعين مطلوب منهم ان يتحملوا فيها ثمناً باهظاً مقابل مجرد وعود”.

ينبّه أفيوني إلى أن “خطة الحكومة مثلاً تكبد عملياً المودعين اكثر من ٣٥ مليار دولار، وتعدهم بتخفيض هذا الرقم عند إستعادة الاموال التي حولت الى الخارج والفوائد العالية التي دفعت الخ الخ، أما خطة المصارف فهي تحبس أموال المودعين الى أجل غير مسمى وتعدهم بإستعادة ودائعهم عندما تسدد الدولة ديونها من جراء بيع الاصول، في كلا الحالتين المودع يدفع الثمن اليوم مقابل وعود مستقبلية لا ضمانة لها “.

اقرأ أيضاً: «عراب التغيير» الفرزلي لـ «جنوبية»: الحكومة أعادت لبنان الى العصر الحجري!


ويرى أنه “للوصول الى خطة عادلة تنصفهم، على المودعين ان يشكلوا تجمع لتمثيلهم وعلى هذا التجمع أن يقدم تصور للحل ولكيفية تخفيض خسائر المودعين وإنصافهم وهذا ضروري، لأن مشكلة المودعين وحجمها لها إنعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة لا يجوز تجاهلها”، مشددا على “ضرورة أن نكون صادقين مع المودعين بأن الخسائر وقعت ولا مفر منها، ولا يمكن إعادة تكوين الودائع بسهولة، فغالبيتها بالدولار ونحن دولة لا تملك إمكانيات كثيرة بالدولار ، والشفافية في تشخيص ومعالجة المشكلة أمر واجب”.

يعتبر أفيوني أنه من “ضروري أن يكون هناك إلتزام بالارقام من الدولة اللبنانية للتخفيف من الخسائر قدر المستطاع ومع الوقت، وهذا يتطلب خطة دقيقة وعلمية تنصف المودعين بدون أن تكون على حساب المواطنين الآخرين او على حساب المالية العامة”، مذكرا أنه تقدم “بإقتراحات في هذا الصدد لكي تصدر الدولة سندات مشروطة بآجال طويلة للمودعين، لتعويض جزء من خسائرهم شرط أن يرتبط التسديد بتحسن المالية العامة وبإيرادات إضافية”.

ولفت إلى أن “هذا يتطلب خطة إصلاح مالي جدية ودعم خارجي طبعاً و برأيي حل وسط منطقي وعادل”، موضحا أنه “يتكلم عن مسار مالي لدعم المودعين لا عن مسار قضائي الذي هو موضوع مختلف وشائك”.

الكابيتال كونترول ضروري


دأب أفيوني منذ إستقالة حكومة الرئيس الحريري، على الدعوة إلى وضع قانون”الكابيتال كونترول” موضع التنفيذ لتنظيم شؤون الناس المالية خلال الأزمة بأقل ضرر ممكن، لكن دعوته كانت أشبه بمقولة “لا تندهي ما في حدا”، ويشرح سبب دعوته هذه بالقول: “هذا أمر بديهي ففي أي دولة تعاني من أزمة مالية ومن أزمة بالعملات يتم وضع قانون كابيتال كونترول مؤقت لتلافي خروج العملات وفي نفس الوقت لحماية المواطن والمودع الصغير بشفافية، أما في لبنان للأسف تم فرض الكابيتال كونترول عمليا وأُعطي القرار فعلياً للمصارف عوض ان يكون قرار رسمي وتم تطبيقه بدون أي اطار قانوني وبدون اي تنظيم شفاف وبدون أي حماية للمودع”.

“الكابيتال كونترول” ضروري قانونا لا كما يجري  “عملياً” 


يشرح أفيوني أن “ميزة قانون كابيتال كونترول هو أنه مؤقت ومهمته ضبط تحويلات المبالغ الكبرى غير الضرورية، بينما يقونن ويشرع حصول ووصول المودع الى أمواله لتلبية حاجاته الأساسية الشخصية او المهنية”، معبرا عن أسفه “أنه في لبنان حصل العكس حتى الآن، وبات الوصول الى الودائع يتم بصورة إستنسابية وحسب قرار ووضع كل مصرف أو أحيانا كل فرع، وهذا أدى الى ظلم شديد وأحياناً إذلال يصيب المودع الصغير بدون أي مسوغ قانوني، كما ادى كذلك الى ضرر شديد بالمصارف وسمعتها والعاملين فيها الذين يتعرضون للضغوطات من دون أي سقف قانوني يحميهم”.

ويضيف:”صراحة لا أعرف حتى اليوم لماذا لم يتم إقرار أي قانون ينظم هذه العملية، بالرغم من إلتزام الحكومة بذلك في بيانها الوزاري ومن عدة محاولات لإقراره لم تبصر النور لأسباب اجهلها”.

لا لبيع “أصول الدولة بأثمان بخسة”

يقترح أفيوني آلية للتعامل مع “أصول الدولة” لكي تنقذ الشعب اللبناني من أزمته وتبقى ملكا له من دون الوقوع في فخ المحاصصة والزبائنية، فيشير إلى أن “السبب الأساسي للأزمة التي نتخبط بها هو سوء الادارة المالية على مدى عقود وتفاقم العجز في ميزانية الدولة وتراكم الديون حتى التعثر”، لافتا إلى أن “الحل الذي لا مفر منه هو الحصول على دعم خارجي بأسرع وقت للحد من الانهيار، والقيام باصلاحات مالية واقتصادية لتحسين ميزانية الدولة وزيادة الايرادات ووقف الهدر وعصر النفقات”.

يضيف:” العنصر الاساسي من ضمن هذا الاصلاح المالي طبعاً تحسين أداء أصول الدولة وزيادة إيراداتها وانتاجياتها، وهو من مصلحة المواطن ومصلحة الدولة وضروري جداً، اما الكلام عن بيع أصول الدولة فهذا أمر مختلف”.

يرى أفيوني أن “هناك أصول للدولة ممكن بيعها لا بل أحياناً من المستحسن بيعها لكن يحب ان نكون واضحين هنا، الهدف من بيع أصول الدولة يجب أن يكون تحسين الخدمات للمواطنين وخلق بيئة تنافسية اولاً وزيادة ايرادات الدولة ثانياً ، وثالثاً هذه الايرادات يجب أن تستخدم لما فيه مصلحة كل المواطنين وللاستثمار في الخدمات وفي البنى التحتية والحاجات الاجتماعية، وهي ملك كل الشعب اللبناني لا أن تستخدم لتسديد ديون ماضية”.

ويعتبر أن “آلية استخدام أصول الدولة يجب أن تعتمد أعلى معايير الشفافية والحوكمة، فهذه مؤسسات يجب أن تُدار بمهنية وبهدف زيادة إيراداتها وإنتاجياتها ونوعية خدماتها، بعيداً عن المحسوبيات والهدر والفساد في استخدام المال العام ويجب أن تكون هناك هيئات رقابية مستقلة تراقب وتحاسب”، مشددا على أن “هذا شرط أساسي يجب أن يتوفر قبل أي عملية بيع لأصول الدولة، ولا يجوز أن يتم بيع أصول الدولة تحت ضغط الوقت وبأثمان بخسة بل يجب أولا تحسين أداءها وقيمتها قبل التفكير في أي عملية بيع كلية أو جزئية”.

ينصح أفيوني أنه “اذا تم بيع بعض أصول الدولة من الضروري أن تعتمد هذه العملية آلية شفافة وتنافسية وعلى مراحل، ومن الضروري أن يخصص جزء من عملية بيع هذه الاصول للمواطن اللبناني”، موضحا ذلك “بإعطاء المواطن فرصة للمشاركة في الاستثمار فيكون مثلاً هناك حصة مخصصة لصغار المستثمرين، وهذا مبدأ مهم يعطي المواطن فرصة المشاركة في ثروات الوطن والاستفادة من عوائدها مستقبلاً”.

ويضيف: “للاسف من الصعب أن نتوقع من النظام السياسي الذي أساء ادارة البلد المالية على مدى عقود، أن ينجح في إدارة اصول الدولة اليوم او في ادارة عملية بيعها، لذلك الاصلاحات الجذرية المنشودةً شرط اساسي لتحسين إستخدام أصول الدولة والاستفادة منها لما فيه مصلحة كل المواطنيين بدون إستثناء”.

مراوحة الحكومة


على الرغم من ميله الدائم لرؤية النصف الملآن من الكوب، إلا أن رأيه بالأداء الحكومي مع صندوق النقد الدولي فيه الكثير من التشاؤم، يقول أفيوني: “للأسف وبغض النظر عن أي موقف سياسي او شخصي من الحكومة الحالية، لكن بدون شك أن أداء الحكومة في معالجة هذه الأزمة غير المسبوقة والخطيرة والمصيرية هو حتى الآن بعيد جداً جداً عن المستوى المطلوب”، مشددا على أن “لا أحد يجب أن يتمنى الفشل لهذه الحكومة، لأن الفشل يعني إستمرار الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي وكارثة اجتماعية تهدد كيان الشعب اللبناني، لكن أزمة من هذا الحجم تتطلب قرارت سريعة وحاسمة وجريئة وإجراءات وإصلاحات إنقاذية حازمة تعيد الثقة وتكبح الإنهيار وتعكس تدهور المؤشرات”.

ويسأل :”اين هذه القرارت والاجراءات؟، حتى الآن كل ما شهدناه هو خطط متوسطة المدى ونظرية ومراوحة قاتلة وبطء ولجان تليها لجان وقرارات تليها تراجعات او قرارت مضادة”.

يضيف:”هذا لا يجوز وما هكذا تكون مواجهة ازمة مصيرية بهذا الحجم، والدليل المؤشرات المالية والمعيشية التي في تدهور مستمر ومنها مثلاً سعر النقد وهو أكبر وأوضح مؤشر على انعدام الثقة في الاداء الحالي”.
يرى أفيوني أن”المطلوب من الحكومة يقظة وصدمة ايجابية قبل فوات الاوان، فالشعب اللبناني لم يعد يتحمل والبطالة والفقر والبؤس تتربص بأكثر من نصف عدده، وهذا أمر يجب أن يقض مضجع كل مسؤول والشعب اللبناني أن يرحم وسيحاسب لا محالة”.

دور لجنة المال

ماذا عن دور لجنة المال والموازنة في تقريب وجهات النظر؟ فيجيب أفيوني:”بعيداً عن المزايدات والشعبوية أعود وأكرر ما قلته من بداية ألازمة وهو أننا وصلنا الى مرحلة لا حل فيها بدون دعم خارجي مادي بالعملات وبأسرع وقت، ولا دعم خارجي بالعملات بدون برنامج ومظلة من صندوق النقد الدولي، ولا برنامج من صندوق النقد بدون اصلاحات جذرية وإلتزام من الحكومة اللبنانية بخطة شاملة ذات مصداقية بالأرقام”.

يضيف:”هذه المعادلة هي ذاتها نشهدها في كل الدول التي تمر بأزمة مالية قصوى، وللأسف لا مفر منها ليس حبا بصندوق النقد بل لأنه المصدر الوحيد الباقي القادر على مدنا بدعم مالي سريع، والا فسنواجه مزيد من الشح بالعملات ومزيد من الانهيار”.

يجب تحسين أداء أصول الدولة وزيادة ايراداتها وانتاجياتها

يلفت أفيوني إلى أن “الوصول الى هذا الدعم الخارجي يتطلب من الجانب اللبناني تقديم خطة إنقاذية شاملة ومقنعة وهذه الخطة نتفاوض عليها مع صندوق النقد، وكل ما كانت الخطة مقنعة وجريئة واصلاحية كل ما استطعنا ان نحصل على افضل شروط”، معبرا عن أسفه لأنه “بعد أكثر من ٤ أشهر على انطلاق مسار التفاوض مع صندوق النقد، لا يزال التخبط سيد الموقف في الجانب اللبناني ولا تزال هناك خلافات حول الارقام والخسائر وكيفية توزيعها وهذا لا يجوز”.

ويعتبر أن”تدخل لجنة المال بما تمثله من أفرقاء سياسيين لتقريب وجهات النظر والوصول الى خطة تحظى بأكبر قدر من الاجماع الداخلي أمر بالمبدأ لا ضرر فيه بل بالعكس فالإجماع وراء الخطة الانقاذية مفيد ومطلوب”، لكنه يتخوف من أن” هذه المبادرة لم يؤد حتى الآن الى نتيجة إيجابية بل بالعكس الخلافات تتفاقم والوقت يمر وما نزال ننتظر الاتفاق على خطة مقنعة نتوجه بها الى صندوق النقد، وهذه المراوحة القاتلة وقد مرت أسابيع لا تجوز في وقت نحن فيه في سباق مع الوقت”.

يضيف: “ما أخشاه اكثر هو ان المتضررين كثر من خطة مالية شاملة ومن تدخل صندوق النقد بدعم مالي مشروط بالاصلاحات لتقديم هذا الدعم، والبعض للأسف يفضل مصالحه الآنية والمحافظة على امتيازاته او أجنداته على تطبيق إصلاحات او إجراء تصحيح مالي جذري، وهذا أمر خطير لأنه سيكون على حساب الوطن والشعب”، معتبرا أنه “من الضروري الوصول الى حل وسط بين خطة الحكومة وخطة المصارف، لأن كل من الخطتين فيها برأيي مكامن خلل واضحة، فالمصارف هي أكبر الدائنين للدولة والمصرف المركزي، ومصيرها ومستقبلها أساسي لديمومة الاقتصاد ولمصير المودعين وبالتالي غير ممكن تجاهلها كلياً وفرض خطط عليها”.
ويرى أن “المصارف إرتكبت اخطاء ومطالبها في الخطة التي تقدمت بها بإستخدام كل أصول الدولة كضمانة لتسديد إستحقاقات الدولة والبنك المركزي كلياً بدون أي اقتطاع، غير منطقية وغير مسبوقة في دولة تعاني من ازمة مالية من هذا النوع”.

ويعتبر أن “تدخل لجنة المال لتقريب وجهات النظر بين الطرفين كان أمر إيجابي، لكن التركيز على اعادة تقييم الخسائر برأيي ليس المطلوب،الخسائر بصورة عامة معروفة وهي نتيجة عمليات حسابية بسيطة نسبياً ومن غير الممكن تغييرها او تأجيلها أو تجاهلها وليس من مصلحة احد فعلياً القيام ذلك”، مشددا على أن” من المستحيل أن تحصل الدولة اللبنانية على دعم خارجي إذا لم تكن أرقامها وخسائرها وإلتزاماتها المستقبلية مقنعة، والمصارف بدورها من المستحيل أن تزيد رأسمالها أو تستعيد نشاطها إذا لم تكن ميزانياتها شفافة وصادقة وخسائرها واضحة ومنطقية”.

ويختم:”التركيز اذاً يجب ان يكون على قدرة الدولة اللبنانية مستقبلاً على الإصلاح المالي، وعلى زيادة ايراداتها وكم من هذه الايرادات المستقبلية ممكن إستعماله لتعويض بعض هذه الخسائر، وكيف يتم توزيع هذا التعويض هذه المنهجية برأيي كان ممكن أن توفر علينا الكثير من الجدل والمراوحة والارقام والارقام المضادة”.

السابق
«الشعب اللبناني محروم».. «هيومن رايتس ووتش» تتهم السلطات بالتقاعس عن معالجة الأزمة
التالي
سلطة من «سحسوح» إلى «سحسوح».. حوّل!