كي لا تبقى الإنتصارات «تنذكر وما تنعاد»!

لبنان

ما عادت الحروب كما في السابق تخاض بالحديد والنار، ولا هي إستمرت بعد زمان بالسيوف والرماح والحراب، لا الخيول باتت موجودة فيها ولا الفيلة مازالت سلاح ثقيل يعتمد عليها بالفتوحات، أن تقاتل بسلاح صممه عدوك وسُرب إليك بالخطأ المتعمد فأمر يحتاج إلى تفكر و روية، لا بد وأنه استبدله بآخر يملكه حصراً ولا تملكه أنت، لقد تطورت الأسلحة والمعدات مع تطور وتيرة الأحداث فلا تكن في حربك كما في عيشك مستهلك تعتمد على الإستيراد.

اقرأ أيضاً: العهد والحكومة و«الثنائي».. «فيض» من المعجزات والمؤامرات!

المنافسة الفكرية

المنافسة الفكرية كانت دائماً جوهر الإستراتيجيات، والإستراتيجيون الناجحون كانوا دوماً يبحثون عن أفضل الأدوات لخدمة أهدافهم، مفهوم السرعة والأنظمة الذكية لم تأتي بطول السرد وجمع الذاكرة والأستعراض، السمنة تضخم الحجم ولا يمكن التخلص منها إلا بالعودة إلى التغذية السليمة الصحية بالنظام، وإذا ما تعذر ذلك فعملية إستئصال صغيرة قادرة على أن تعيد الجسد إلى رشاقته بعدما كثر فيه المغص والتقيؤ والإستفراغ. 

صور المقاتلين وتكتلات المشاة المدعوة بالمدفعية والمزودة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة كانت تليق بزمانها، لكنها اليوم ما عادت ميزة مرغوب بها لتحديد مسار الصراع، وإن حصل وانتصرت بها فلمرة واحدة إستثنائية تكسبك معركة من حرب فنونها تخطت حدود الخيال، الحرب اليوم يلزمها الدقة بغرض التصنيف والإختيار، الضغط على الحلقات الداخلية هو أخطر ما يبدع به الأعداء، مواجهتها أو التصدي لها بالقوة الشبيهة بتلك المستخدمة مع الأعداء تخسر المنتصر سابقاً جاذبيته وتجعله عاجز حتى عن ضبط بيئته التي إعتادت على فوضى القوة المطلقة الخاصة المتفوقة على نظام الدولة العام. 

حرب الفيروسات

حرب الفايروسات، التحكم بالسياسات المالية، السيطرة على الإقتصادات العالمية، إحتكار القدرة على تعديل الجينات البشرية، حصرية الاستخدام المتطور للتكنولجيا السيبرية، تأثير الدعاية الموجهة والإعلانات المنمقة الرقمية، الهجمات المنظمة الفكرية والثقافية، إحتكار أسواق الإنتاج ومُصادرة مصادر الطاقة الطبيعية، زيادة الضغوط النفسية، وغيرها من الأساليب المتطورة والحديثة التي قد نكون لا نعلم بها حتى اللحظة الأنية، تعتبر حروب سريعة منخفضة التكاليف تأثيرها المتصاعد المتدفق يغيير في الواقع بطريقة جذرية، وهي للأسف بمعظمها بعيدة كل البعد عن ما عهدناه وقد نكون نعرفها لكننا يقيناً لا نستطيع التعامل معها ومنعها عنا لأنها غير تقليدية.

ماذا نملك من كل ما تقدم بعيداً عن رواية النصر البطولية المحكية، تلك المصنفة بالقياس الزمني على أنها تاريخية؟ ماذا نملك من وسائل لمقاومة الحروب الفايروسية غير خبرية الوقاية الذاتية؟. ماذا نملك من آليات لمواجهة الحروب الإقتصادية والفساد يتحكم بسياساتنا النقدية المالية؟، ماذا يوجد في جعبتنا من قدرة لمواكبة التطورات التكنولوجية والحد من تأثيرها ونحن في حالة مجاعة فكرية وثقافية؟. ماذا نأكل ونحن لم نزرع بل شرعنا الحشيشة بذريعة طبيه؟، ماذا نملك من مصادر الطاقة الطبيعية وعملية استخراجها مازالت وهم او هي في بداياتها الأولية؟ ماذا نفعل مع التطور الجيني وجيناتنا إعتادت الوراثة السياسية؟

الانتصارات المحققة

الانتصارات المحققة ستبقى مصدر عز وفخر للشعوب التي حققتها، سيبقى الشهداء منارات عز نستدل بهم ونستهدي بنورهم إلى ما شاء الله رب الأكوان والبشرية، سنحتفل كل عام بإنجازهم ونستذكر تضحيات الشعب في سبيل قضاياه الوطنية، الذاكرة ستبقى تسبح في بحر الذكريات الجميلة بطريقة درامية، الفؤاد سيهيم ويداوم على عشق الإنجازات الأسطورية، الروح ستعانق دوماً ذلك المجد العظيم ذو الجذور النقية، ولكن ماذا سيفيدنا أن ربحنا ذكرياتنا وخسرنا ذاكرتنا الحالية، ماذا سنجني من تاريخنا إذا إستثمرنا انتصارتنا لغير مصالحنا الوطنية، ماذا سيقدم نصر تاريخي لوطن حاضره وكل مقومات وجوده باتت منهارة وسوس الفساد مازال حي وكل ما بقي من الدولة يشبه الهياكل العظمية؟

اقرأ أيضاً: بين «مظلومية» الصيغة اللبنانية واتفاق الطائف!

الفهم العميق لطبيعة المرحلة ومعرفة حجم الصراع واسبابه وكيفية مواجهته، صيانة المجتمع والحكم والإقتصاد، حماية المهارات المتوفرة وعدم تعريضها للموت أوالإنتفاء، توفير الخدمات المطلوبة للبقاء، تطوير مستوى التفكير والذكاء، التخلص من الفرض وعملية تهذيب القمع، تنظيم شبكة الأمان الإجتماعية والمالية الإقتصادية والقضائية، كلها عوامل إن تحققت ستسمح للناس التمتع بتذوق طعم النصر والتلذذ والإستمتاع بسماع اخباره والحفاظ عليه  للإنتقال  إلى الأستقرار الذي يغذي الحلم بمستقبل أفضل للحياة وترك النفس أمانة بيد خالقها والروح نوكلها لملك الموت وقتما يُأمر يقبضها. وإذا ما أصرينا على أداؤنا ولم نحافظ عليه، أمسى نصرنا يذكر بأوانه ويقيناً بوجودكم ووجودنا إذا ما تعرضنا ونحن نتعرض اليوم لمواجهة ثانية لن ينعاد إلا بعد حصول خسائر تفوق ما عانينا منه سابقا بأضعاف.

السابق
تسجيل مسرب لآخر لقاء بين الشهيد الحريري والمعلم: انا أوقفت قرار اوروبي بتصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية
التالي
ترند توتير.. #اميركا_تنتفض على الطريقة اللبنانية.. هكذا قلب الناشطون الأحداث: «كلن يعني كلن وترامب واحد منن»!