ورطة إيران في سوريا الخلفيات العميقة والآفاق

لم أخفِ ولن أخفي موقفي السلبي من التدخل الايراني المنحاز واستثمار سمعة المقاومة في المشاركة في قتل الشعب السوري الحاضن التاريخي، هو، لا نظامه للمقاومة ضد اسرائيل ، من دون أن أرتكب ذنب الموافقة على أفعال المتطرفين في سورية وأفكارهم والتي لم تنتج حتى الآن سوى تسليح النظام الإرهابي بورقة إرهابية أخرى ليس بريئاً منها أو بعيداً عنها ، ليتخذها حجة ولو كاذبة أو مفتعلة لمواصلة  فتكه بالشعب السوري  وتاريخ سوريا الحضاري العريق من خلال تهديم الحواضر والشواهد والشهود معاً . أنا في ذلك منسجم مع مسلكي الشخصي وموقفي الرافض لمساندة الأنظمة الاستبدادية تحت أي ذريعة ، لأن كل الذرائع سوف تكون مفتعلة .. خاصة إذا ما انتقلت هذه الأنظمة الى مرحلة ارتكاب المجازر في حق البشر والعمران والمصير ..

اقرأ أيضاً: لبنان من إيران وجع الحرف

رغبة ورجاء

وهناك خوف وما زال من أن يتفاقم الخطأ ودائماً كان هناك رغبة ورجاء بأن ينهض العقلاء للقيام بدور علاجي ووقائي ملحّ .. والأمران في سباق .. ولكن يبدو أن وتيرة تنامي الأخطاء أسرع من وتيرة تعاون العقلاء .. وإذا ما طالت المدة وكثرت الممارسات الفتنوية ، فقد يتضاءل عدد العقلاء ويتراجع دورهم.. ولذا فعليهم أن يعجلوا قبل فوات الأوان .. أي قبل الانفجار الشامل الذي تجعله المبررات الدينية المختلقة أو الخدّاعة أوسع وأعمق وأعصى على الحل والصلاح.

وجدت إيران فرصتها بعد الثورة والحرب العراقية – الإيرانية المجنونة والغبية، في جنوب لبنان وفلسطين عندما ترك العرب لها جنوب لبنان وفلسطين الانتفاضة

أما ما أفترض أنه سبب وراء اندفاعة إيران ومغامرتها في سورية وغيرها ، فهو ما لإيران من ذاكرة امبراطورية حية وقوة حاضرة في تفكير وحياة عدد كبير من أهلها ومفكريها ومثقفيها وزعمائها من كل العهود حتى الان وخاصة الان ، أي بعد نجاح الثورة وإقامة دولتها واستشعار القوة أمام مظاهر الضعف في محيط إيران وعودة تركيا الى المنافسة ، تقوم هذه الذاكرة على ان الإيرانيين حكموا ثلثي آسيا ولزمن طويل . ولكن الأتراك وهم أقل أهلية حضارية وثقافية منهم في نظرهم استناداً الى التراث الهخامنشي والإليخاني ثم الفهلوي ثم الدَّري الموصول بالعصر الحديث أي الاسلامي الإيراني والمسلك الثنوي الباطني المعروف والمتبقي في السلوك بصرف النظر عن المعتقد . وعليه فالأتراك الطورانيون قد سرقوا الكنز في رأي الفرس، وأقاموا امبراطوريتهم وتوجهوا فاتحين غرباً وشرقاً ..

الدولة الصفوية

فقامت الدولة الصفوية التي شيعت ايران وبالقوة وغيرها كمميز ديني وأساس عصبي في مقابل سنية العثمانيين وخلاصهم من المساحات الشيعية في الأناضول بالقوة وغيرها أيضاً .. واستطاعت الدولة العثمانية ان تحصر الطموح الإيراني وتحاصره في إيران .. حتى ان النفوذ الصفوي والقاجاري في العراق كان يمر بالإرادة العثمانية التي تكون موافقة مرة ومعارضة مرة أخرى ، ما جعل الحروب والمجازر مسألة متبادلة ، الى ان تم التصالح على أن يكون الولاء العراقي العام للسلطة العثمانية مع السماح بقناة نفوذ ضئيلة للسلطات الإيرانية ، وواسعة للمجتمع الإيراني في الوسط الشيعي الشعبي والحوزوي والذي ترسخ أو توسع في محطات اضطهاد حوزة النجف وكربلاء وتهديدهما في رمزيتهما ، أو في مواسم الطاعون التي كانت تجتاح الحوزة دورياً مع المجاعات المتكررة ، حيث لا يبقى سوى المال الإيراني الشعبي (الأخماس والنذور وتكاليف دفن الجنائز في النجف وحركة طلبة العلم) منقذاً من الفناء..

اقرأ أيضاً: إيران وحزب الله والشيعة الثمن السوري

المال السلطاني

وكان المال السلطاني يغتنم الفرص باستمرار ويخترق الحالة التي ظلت أقرب الى السلوك الشعبي وتعريض المتعاملين للأموال السلطانية الإيرانية الى التهمة أو النبذ في أغلب الاحيان.. وقد وجدت إيران فرصتها بعد الثورة والحرب العراقية – الإيرانية المجنونة والغبية، في جنوب لبنان وفلسطين عندما ترك العرب لها جنوب لبنان وفلسطين الانتفاضة، فدعمت المقاومة والتحرير بوضوح وطموح وطمع قومي إيراني على نكهة فارسية ، وشيعي إيراني أيضاً، وأصبح لها دور مميز في قضية العرب الأولى وقضية السنة الأولى وعاد العرب والسنة للتصرف غير الدقيق في العراق مفسحين المجال لشراكة إيرانية أميركية في العراق كما في أفغانستان.. كأن ايران قد أغراها ذلك بأن تستعيد دورها الامبراطوري بشكل حديث من خلال معادلة أو مقابلة مفهوم أو حقيقة الكثرة السنية والعربية بالقوة الإيرانية والشيعية وعبر الشيعة والإختراقات في صفوف السنة معاً، ومن خلال الأنظمة والشعوب والمنظمات الشعبية معاً (لبنان، فلسطين، اليمن، السودان..الخ)  وحتى من دون إهمال لبقايا اليسار والأحزاب القومية.

(27-3-2014)

السابق
فنان سوري ينتقد مسلسلي «أم هارون» و «مخرج 7» ويطالب بتحويلهما للقضاء!
التالي
مفاجأة على متن الطائرة الآتية من باريس الى لبنان!