هل تخسر الولايات المتحدة قيادة العالم في مواجهة القوى الدوليّة الصاعدة؟!

نوار جليل

“…ونتيجة لما تقدم طرحه في هذا الكتاب، نجد أن الولايات المتحدة لم تعد اليوم القوة العالميّة الكبرى في النظام العالمي”. هذا هو الإستنتاج الذي توصّل إليه، الباحث العراقي، الأستاذ الدكتور نوّار جليل هاشم، في خاتمة دراسته الجديدة، الصادرة، مؤخراً، بعنوانها الرئيس: “أميركا والقوى الصاعدة”، وعنوانها الفرعي: “السياسة الأميركية تجاه دول بريكس في النظام العالمي”، وهذه الدراسة هي من منشورات “شركة المطبوعات” في بيروت، وفي طبعة أولى 2020.

مأزق أميركي

وتختلف هذه الدراسة، عما سبقها من دراسات عربية وأجنبية، تناولت نفس الموضوع، بأنها دراسة حاولت مزج الأسلوب الإحصائيّ الرياضي في قياس قوّة الدولة، مع الأسلوب الوصفي للحصول على نتائج أكثر دقّة، والوصول من ثم إلى الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة التي تُظهر أن “الولايات المتحدة في مأزق حقيقي… وثمة “رهان كبير على فقدانها لقيادة العالم…”.

اقرأ أيضاً: «أنا الشّعب».. هكذا تُشوّهُ «الشَّعبويّةُ» الديموقراطيّة!

خمس دول منافسة

ذلك لأن خمس دول صاعدة بقوة لتُنافسها، منفردةً وضمن تحالفات. فكيف بدت ردود فعلها؟ وكم من القوى حشدت لتُدافع عن مكانتها؟ وهما منحيان متقابلان تكفّلت ببحثهما المعالجة التناولية لموضوع هذا الكتاب.

ظاهرة متحديّة لأميركا

ومما جاء في مقدمة الكتاب: أدى إنشاء النظام العالمي الجديد، بعد الحرب الباردة وانتهاء القطبية الثنائية، إلى بروز الأحادية القطبية برئاسة الولايات المتحدة، وجعلها القوة المهيمنة العظمى لقيادة النظام العالمي، وتفرّدها في قراراتها من دون الرجوع إلى المنظمات الدولية وبخاصة الأمم المتحدة، فكرّست الولايات المتحدة السنوات الماضية للعمل الجدي على إعادة صياغة النظام العالمي وفق رؤيتها ومصالحها القائمة على مشروع الهيمنة.

تنبثق أهمية هذا الكتاب من البحث في حالة التنافس الدولي ما بين الولايات المتحدة ودول الـ بريكس

ومع الإقرار بانفراديتها في هذا النظام، فإن هذا لا يعني عدم بروز قوى دولية ساعية إلى الصدارة وممارسة دور فاعل ضمن الهيكلية الدولية، ومنها روسيا التي عادت بقوة إلى الساحة الدولية، والصين الساعية إلى ممارسة دور أكبر في هذا النظام مع الهند والبرازيل وإندونيسيا وتركيا. ولا ننسى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن ظهور قوى صاعدة أخرى. وضمن هذه المعطيات، أدركت الولايات المتحدة صعود هذه القوى، واحتمال ظهورها كمنافس لها في النظام العالمي برفض هذه الهيمنة. وقد سُمّيت جميع هذه القوى قوى صاعدة أو ناشئة أو بازغة، وأصبحت لها مواقف في النظام العالمي. ولكي تستطيع مواجهة التحدي الأميركي، دخلت هذه القوى مع قوى نامية وإقليمية أخرى في تحالفات وشراكات.

إن ظاهرة بروز القوى الصاعدة، ومنها مجموعة دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) وتأثيرها المتنامي ولا سيما الاقتصادي، مثّلت تحدياً للسياسة الأميركية في مختلف مناطق العالم. كذلك وضعت قواعد جديدة للنظام العالمي تتحدى القواعد الأميركية، ولا سيما الاقتصادية منها. وبدا ذلك واضحاً وخصوصاً في ما يتعلق بالتقارب الروسي – الصيني، أو نزعات الاستقلال في إدارة شؤون أميركا الجنوبية عن هيمنة الجار الأميركي القوي. إن هذا بالتأكيد يمثّل تحدياً شاخصاً لمكانة الولايات المتحدة الأميركية، ودورها في النظام العالمي الذي تسعى إلى رسم ملامحه المستقبلية وفق رؤيتها التي تحمي مصالحها، وتحقق أهدافها في ظل بيئة الصراع والتنافس التي ستعيد تحديد صورة المشهد الدولي في بعده المستقبلي. وهذا يتعلق إلى حد بعيد بهيكلية النظام العالمي وآلية التقاطب فيه. لذا فإن الولايات المتحدة ستتبنى سياسات مختلفة في التعامل مع هذه القوى الصاعدة، منها التحجيم والتقويض والاحتواء والشراكة. وتعمل على تطويق أدوارها الإقليمية والدولية عبر محددات للتحرك السياسي تجاه التحدي الذي تمثله القوة المتنامية لهذه الدول.

تفاؤل… وشكّو

تنبثق أهمية الكتاب من البحث في حالة التنافس الدولي على المكانة والقوة في النظام الدولي بين الولايات المتحدة الأميركية والقوى الصاعدة، ومن البحث في أدوات التعامل الأميركي مع التحديات التي تمثلها هذه القوى الصاعدة، وإعادة تراتبية الأدوار والنفوذ في النظام العالمي، في ظل مجموعة من التحوُّلات المستقبلية.يمثل ظهور دول بريكس تغيُّراً مهماً في الاقتصاد السياسي العالمي، حيث إن ردود الفعل على صعود هذا التجمّع يشوبها التفاؤل الحذر إلى الشك الصريح. فهناك توقعات أن تؤدّي مجموعة دول بريكس دوراً تقدمياً في القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وعلى الصعيدين الإقليمي والعالمي، في حين أن هناك آراء أخرى، تشكّك في طبيعة هذه المجموعة وتماسكها. كذلك هناك قلق من التحديات الجديدة التي يمكن أن تواجه هذا التجمّع وهي قضايا حقوق الإنسان والتنمية أمام كل ذلك، كيف ستتمكن الولايات المتحدة من التعامل مع هذه التكتل في ظل استخدامها لأدوات القوة، هي التي عرفت مواطن القوة ومواطن الضعف لدول ذلك التكتل؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا الكتاب.

تمتاز هذه الدراسة بمزجها الأسلوبين: الإحصائي الرياضي؛ والوصفيّ في قياس قوّة الدولة

مضمون الكتاب

تضمّن الكتاب مقدمة وأربعة فصول، ثم خاتمة واستنتاجات. ذهب الفصل الأول إلى دراسة مفهوم القوى الصاعدة ودول بريكس في النظام العالمي من خلال مبحثين: الأول تناول طبيعة النظام العالمي الراهن، من خلال تعريف النظام الدولي وكيفية تحوُّله إلى نظام عالمي، وخُصّص الثاني، لدراسة مفهوم القوى الصاعدة ودول بريكس، وكيف تطوّر هذا المفهوم.وجرى تخصيص الفصل الثاني للرؤية الأميركية للقوى الصاعدة وتأثيرها في النظام العالمي من خلال مبحثين: تناول المبحث الأول الإدراك الأميركي للقوى الصاعدة منذ نهاية الحرب الباردة حتى الوقت الحالي. وانصبّ الثاني على دراسة تأثير دول بريكس في النظام العالمي.

اقرأ أيضاً: مخطوطات توراتيّة تكشف حقيقة.. «لفائف البحر الميت»!

بينما تعرض الفصل الثالث لقياس متغيرات القوة الأميركية ودول بريكس من خلال مبحثين: الأول خُصص لقياس متغيرات قوة العوامل المادية للولايات المتحدة ودول بريكس، بعد أن اتّضح بصورة مختصرة مفهوم القوة المادية والمعنوية والأساليب التي استُخدمت في قياس قوة الدول. وجرى في المبحث الثاني قياس متغيرات قوة العوامل المعنوية للولايات المتحدة ودول بريكس.ونتيجة لما جرت دراسته في الفصول الثلاثة، تناول الفصل الرابع حركة التفاعل بين الولايات المتحدة ودول بريكس في ضوء استخدام أدوات القوة الأميركية وذلك بتخصيص مبحثين. ركّز الأول في دراسة أدوات القوة الأميركية السياسية والإعلامية، والاقتصادية والعسكرية، بينما خُصص الثاني لدراسة مستقبل التفاعل بين الولايات المتحدة الأميركية ودول بريكس. بعد ذلك وُضعت خاتمة للدراسة وجرى التوصل إلى الاستنتاجات.

السابق
بعد نانسي عجرم.. شيرين: «حضرة المُتّهم زوجي»
التالي
دياب «يبق» البحصة.. إنسحاب أم تهويل؟