دياب «يبق» البحصة.. إنسحاب أم تهويل؟

حسان دياب

كلام مثير و”صريح” ومفاجئ أدلى به بالأمس الرئيس حسان دياب أمام السلك القنصلي بقوله من جملة ما قال ، بأن هذه الدولة لم تعد قادرة على حماية مواطنيها ، وأن الثقة معدومة بين المواطن والدولة”. هذا الكلام على صحته إلا أنه كان له وقع الصاعقة على المجتمع ما دفع بالمراقبين لمحاولة سبر أغواره في هذا الوقت بالذات. ولا يقلل من إثارة هذا الكلام ما حاول إستدراكه بيان مكتب الرئيس الإعلامي بقوله وإتهامه لـ”الأوركسترا” إياها بإجتزاء تصريحه وتشويه معانيه، هذه الأوركسترا التي كان إتهمها  الأسبوع الماضي في جلسة مجلس الوزراء بأنها تمارس التحريض ضد لبنان في الخارج في تصريح مثير أول كان مفاجئاً أيضا بلهجته الحادة التي كان يُعتقد أنها بعيدة عن سلوك رئيس الوزراء الذي يبدو قليل الكلام ومتحفظا إلى أبعد الحدود، وإن كان بعض الخبثاء قد حاول ربط هذا التصريح بإستقباله للسفير السوري الذي زاره في السراي بعد طول غياب عنها.

اقرأ أيضاً: العرب يرجحون «إرتطام» الحكومة.. والغرب لا يتلقفها!

“بق البحصة”

إن كلام الأمس واليوم يراه البعض بأنه “بق” للبحصة من جانب الرئيس دياب في ظل الصعوبات التي تواجهها حكومته جراء الإستحقاقات المالية والإنسداد السياسي في ظل إستمرار فعاليات الثورة رغم تراجع وتيرتها، فيما يراه البعض الآخر تهويلا على اللبنانيين تمهيدا لإتخاذ إجراءات تقشفية قاسية كحل للصعوبات المالية المتمثلة بإستحقاقات اليوروبوندز والوضع المالي المتأزم الذي إستدعى إستشارة بعثة من صندوق النقد الدولي، والإنسداد السياسي المتمثل بضعف الثقة التي نالتها الحكومة في مجلس النواب والتي بدت أشبه بتهريبة من خلف جدران العار التي رفعتها السلطة في وجه شعبها، هذه الثقة التي وضعت الحكومة تحت رحمة الثلاثي حزب الله – التيار الوطني الحر – امل –  بشكل فاقع والتي هي حكومته بالأصل رغم كل محاولات التجميل عبر إظهارها بأنها حكومة أخصائيين ، هذا الثلاثي الذي يمثل جزءا من محور إقليمي منسجم نسبيا في السياسة الخارجية، لكنه على عكس ذلك في القضايا الداخلية وهو الأمر الذي ظهر جليا في السجال “الكهربائي” إذا صح التعبير بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، وكذلك ما يحكى عن عراقيل في التعيينات القضائية المنتظرة بسبب إصرار رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على التمسك ببعض الاسماء ما دفع الرئيس بري للتمسك ببعض الأسماء بالمقابل، وكذلك ظهر في تصريح الشيخ نعيم قاسم بخصوص العلاقة مع صندوق النقد الدولي وما تبعه من تصريحات مماثلة للنائب محمد رعد وذلك في محاولة كما يبدو لـ”القوطبة” على موقف الحكومة ورئيسها  بشكل كشف وأكد موقف الرئيس دياب بصفته الطرف الأضعف في المعادلة الحكومية ولا يقلل من هذه الحقيقة لجوءه للتصعيد ومحاولة توجيه الأنظار مرة أخرى بإتجاه ما أسماه “الأوركسترا” وحديثه عن تركة الثلاثين سنة الماضية وهو هنا يقصد من هم في المعارضة اليوم خاصة تيار المستقبل في لغة سياسية تمثل ماركة مسجلة لفريق سياسي معين ألا وهو التيار الوطني الحر وهو ما شكل تأكيدا لحالة الضعف في معرض إثبات العكس.

هل يفعلها وينسحب من المشهد ويقلب الطاولة، ام أنه يقدم وتأخذه شهوة السلطة غير عابئ بالعواقب المحلية والعربية والدولية 

ظروف حساسة

المهم أن هذه التصريحات للرئيس دياب تأتي في ظروف سياسية حساسة ومتغيرات سياسية وعسكرية مثيرة في المنطقة والعالم، من إتفاق السلام بين أميركا وحركة طالبان الافغانية مع ما يحمله من تأثيرات على موقع وسياسة إيران التي لا يمكن أن تكون سعيدة به كونه يغلق عليها باباً من أبواب الإستغلال السياسي وربما الميداني في صراعها مع الولايات المتحدة عبر علاقاتها المعروفة مع طالبان، إلى التطورات السياسية على الساحة العراقية بعد فشل محمد توفيق علاوي في تأمين النصاب لجلسة الثقة بحكومته ما إضطره للإنسحاب، إلى التطورات الميدانية في إدلب ودخول تركيا على خط القتال وما خلفه ذلك من خسائر في صفوف النظام السوري وحلفائه ومن ضمنهم حزب الله الذي مني بخسارة ثقيلة ولا زالت “المعركة” في بداياتها على ما يبدو من مواقف تركيا المتشددة، وكذلك ما أعلن من صفقة القرن معطوفة على الإنتخابات الإسرائيلية الثالثة في غضون عام والتي يبدو أنها ثابتة هذه المرة مع توارد الأخبار عن تحقيق بنيامين نتنياهو إنتصارا واسعا، هذه الإنتخابات التي وإن كانت تعكس عدم إستقرار سياسيا، إلا  أنها تعكس في الوقت عينه مدى ثقة وصلابة  في النظام السياسي الإسرائيلي وديناميته وهو ما نفتقده للأسف في أنظمتنا التي تعاني من الجمود والتكلس ما أدخلنا في حروب وأزمات لا تنتهي، ولم يكن ينقص هذه التطورات إلا فايروس كورونا الذي حل في ربوعنا وكشف ضعف التعاطي الحكومي مع هذه الازمة عبر التخبط والإرتجال والتباطؤ في إتخاذ الإجراءات اللازمة وكان واضحا وهو ما لم يخفه وزير الصحة بأن الأمر كان بحاجة لقرار سياسي على إعتبار أن الأمر يتعلق بإيران وطريقة التعامل معها.

اقرأ أيضاً: دياب العاجز «يبتز» اللبنانيين.. الضرائب مقابل الحماية!

استحالة إمداد لبنان بالمساعدات

كل هذه الأحداث والتطورات معطوفة على التسريبات العربية والغربية عن إستحالة إمداد لبنان بالمساعدات والدعم المالي في غياب خطة إصلاحية مالية وإدارية واضحة، وبداية تغيير سياسي يلتزم فيه لبنان فعلا لا قولا بسياسة النأي بالنفس عن أحداث المنطقة، كل هذا يجعل من تصريحات الرئيس حسان دياب في نظر البعض تبدو وكأنها قصف سياسي شبيه بالقصف العسكري لزوم تغطية الإنسحاب من ساحة المعركة رغم تأكيده على العكس وبأنه مستمر في تحمل مسؤولياته وحمله ما يسميه ” كرة النار ” في محاولة منه ربما لإظهار قوة بأس هو يفتقدها عمليا للأسف لأنه يستند إلى قوة مستعارة، وإستدرار بعض التعاطف الشعبي المفقود معه. بينما يراها البعض الآخر بروفة جس نبض لقياس حجم الرد الشعبي على ما يمكن إتخاذه من قرارات قاسية بحجة هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة وهو ما يبدو وكأنه يقول أنا وحكومتي وقراراتي أو الفوضى، وإذا أخذنا بالإعتبار موقف حزب الله من صندوق النقد الدولي ورفضه لما يسميه إملاءاته، يكون الثلاثي  الحاكم قد إتخذ قراره بالمواجهة مع المجتمع الدولي والعربي ومجتمعه اللبناني أولاً عبر إتخاذه لإجراءات قاسية دون أي خطة إصلاحية ودون أي تغيير سياسي ينعكس إيجابا على علاقات لبنان العربية والدولية التي هي وحدها الكفيلة بإنتشال الوضع الإقتصادي والمالي اللبناني من أزمته مستغلا ومعتمدا على هوس دياب بالسلطة ومغرياتها.

كل هذه الأحداث والتطورات معطوفة على التسريبات العربية والغربية عن إستحالة إمداد لبنان بالمساعدات والدعم المالي في غياب خطة إصلاحية مالية وإدارية واضحة

فأي الخيارين سيختار دياب؟ هل يفعلها وينسحب من المشهد ويقلب الطاولة، ام أنه يقدم وتأخذه شهوة السلطة غير عابئ بالعواقب المحلية والعربية والدولية ويستمر بتقطيع الوقت ومحاولة إدارة الأزمة حتى تقضي التطورات في المنطقة أمراً كان مفعولا؟ قد تأتي الأيام والأسابيع القادمة بالخبر اليقين.

السابق
هل تخسر الولايات المتحدة قيادة العالم في مواجهة القوى الدوليّة الصاعدة؟!
التالي
السيد محمد حسن الأمين: حق «الفردانيّة» أقرّه الإسلام كضرورة للتنوّع