«حبيبتي الدولة»..إنهم «يستبيحون» أطفالنا!

علي الامين

“حبيبتي الدولة” كتاب للشاعر الراحل محمد العبدالله، كتبه في منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي، عبارة عن نصوص تنطوي على شؤون الحياة في ذاك الزمن، وشجون التنقل بين الدويلات المنتشرة في لبنان، بين احتلال ارض او احتلال الانسان، بين التمزق الديمغرافي والتشتت في اصقاع الوطن.

لعل هذه المقولة “حبيبتي الدولة” تداعب مشاعر معظم اللبنانيين، من دون ان تستحق ان تكون غاية تستحق بذل الجهد في سبيلها، لذا الوصول الى “الحبيبة”، بات اشبه بحلم دونه الجلجلة، والتجرؤ على طلب الاقتراب منها والاحتماء بحضنها، مشروط بالاعتراف بأننا كلبنانيين، نفتقد شرط التناسب بيننا وبين الدولة، نبخل في تقييم مهرها، ولا يكبح جماح تبذيرنا شيء على ما عداها مما هو دونها من رفعة وقيمة، ورقي وحرية، نميل الى السفاهة والبلاهة والعبودية، ونقدم في سبيلهما الغالي من النفوس والفلوس.

لعل الانهيار لا يمكن ان ينحصر او يتجزأ حين يطال الاقتصاد والسياسة، يتمدد ويستبد ليطال السلوك والتفكير والروح وحتى العلاقات العائلية وما تبقى من التماسك الاسري

لم يكن ما قيل ونشر في وسائل الاعلام عن ابتزاز اطفال وناشئة، وارغامهم على انتهاك طفولتهم واجسادهم الغضة واعمارهم البريئة عبر التيك توك، من قبل عصابات منظمة او غير منظمة، الا طعنة طالتنا جميعا كأباء او امهات او كبشر اسوياء، ربما لأن ما جرى يشعرنا بخطر يداهمنا في منازلنا وبين ظهرانينا، ويخيل الينا وكأننا امام سيل، يصعب على كل منا وقف تدفقه، وفي برهة يجد كل منا المنهك بحروب شتى في العيش، وفي السير بين الغام اجتماعية وامنية واقتصادية، وفي حرب الأرق والقلق من الآتي من وراء كل هذه الفوضى، التي تحيط بنا افرادا وجماعات وبمناطقنا، وصولا الى لبناننا كوطن ومواطنين، لتبرز الدولة كحلم مشتهى، وحاجة تنفس وعيش وحياة.

الاستهانة بالاطفال والناشئة واستباحة براءتهم وانتهاك حاضرهم ومستقبلهم ينم عن فعل اجرامي لا يمكن ان يلجم بفعل ذاتي ارادي بل بفعل من خارج هذه الذات

لعل الانهيار لا يمكن ان ينحصر او يتجزأ، حين يطال الاقتصاد والسياسة، يتمدد ويستبد، ليطال السلوك والتفكير والروح وحتى العلاقات العائلية وما تبقى من التماسك الاسري، الغنى الفاحش في فجوره، كالفقر المدقع، كلاهما يقتل قيمة الانسان ومعناه، ويحوله الى كائن متوحش على ذاته قبل الغير، يستسهل التجاوز والاستباحة، ويفقد الكوابح الاخلاقية، وتصبح العدوانية نمط تفكير وسلوك.

القصة ليست بيتا او حارة او بلدة او مدينة هي اكبر من ذلك فانهيار الدولة وتلاشيها هو بكل معنى الكلمة انهيار للمجتمع والعائلة

الاستهانة بالاطفال والناشئة واستباحة براءتهم وانتهاك حاضرهم ومستقبلهم، ينم عن فعل اجرامي لا يمكن ان يلجم بفعل ذاتي ارادي، بل بفعل من خارج هذه الذات ومن نسق آخر، يناقضه اي من ارادة المجتمع وقوة القانون وتنفيذه، اي لا يمكن مواجهة الرذيلة الا بالفضيلة، ولا يمكن مواجهة الظلم الا بالعدل، ولا التسيب والفوضى الا بالنظام والقانون، كل ذلك النظام والقانون والعدل لا يتحقق بغير الدولة، ولن يستطيع بيت من بيوتنا، او عائلة لبنانية ان تطمئن الى اطفالها، من دون دولة وهيبة دولة وقانون، لن يحصنها حرصها واهتمامها ورعايتها، اذا كان ما هو خارج المنزل او العائلة منفلت ومتفلت، من اي رقابة او سلطة او هيبة.

إقرأ أيضاً: مصادر «عين التينة» لـ«جنوبية»: هذه نصيحة بري لـ«حزب الله»!

القصة ليست بيتا او حارة او بلدة او مدينة، هي اكبر من ذلك، فانهيار الدولة وتلاشيها هو بكل معنى الكلمة انهيار للمجتمع، ليس هذا فحسب، للعائلة ايضا، مهما اشتدت عصبيتها او تقوقعت وانعزلت.

السابق
العدوان يدخل يومه الـ211 على غزة..غارات اسرائيلية ومجازر بالجملة!
التالي
تهديدات إسرائيلية بإجتياح الجنوب تزامناً مع هجوم رفح..و«حماس» في القاهرة اليوم لحسم الهدنة!