«الجنوب في ظلّ الحرب..من يدفع الثمن»؟..حلقة نقاش مع الأسيرين المحررين إسماعيل وفرج في منتدى «جنوبية»

ندوة جنوبية

فُرض على الجنوب اللبناني أن يعيش أجواء حرب تدميرية قاسية، نشبت بين “حزب الله” وإسرائيل، فلقد عانى الجنوب اللبناني من هذه الحرب الكثير الكثير وما زال، منذ ما يربو على مدى المائتي يومٍ، إلى الآن، وهي الحرب التي نشبت في تشرين الأول/أكتوبر 2023، على أثر عملية طوفان الأقصى في مدينة غزة بين “حركة حماس” وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وظِلُّ الحرب التي ما زال الجنوب يرزح تحت أعبائها المأساوية بأثمانها الباهظة، كان حاضراً في “منتدى جنوبية”، في أمسية الثلاثين من نيسان 2024، حيث أقام المنتدى حلقة نقاشية بعنوان: “الجنوب في ظل الحرب.. من يدفع الثمن”، قدم خلالها الدكتور مجيد مطر ضيفيّ الحلقة وهما الأسيران المحرَّران الدكتور داوود فرج، والناشط أحمد إسماعيل.
وقد حضرالندوة وجوه ثقافية عديدة، إلى رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين، رئيس رابطة نوروز جمال حسن، العميد الدكتور محمد سبيتي، الشيخ حسن حمادة، الدكتور بلال علامة، الدكتور وجيه قانصو، محمد ديب عثمان، نضال أبو شاهين، روبير كنعان، حمزة خلف، عبد السلام أحمد، وسام الأمين، علي أشمر، يوسف الزين، أمين حداد، حسين عز الدين، زين الأمين، أحمد ياسين، وكريم حمدان.

وخلال هذه الحلقة كانت هناك مداخلات لكل من، قانصو وسبيتي،وخلف و كنعان والزين.

اسماعيل: حرب لا تشبه كل الحروب

الناشط السياسي إسماعيل بدأ مداخلته، باسترجاع من التاريخ، أي منذ احتلال فلسطين، تُشكِّل القضيّة الأساس. منذ ذلك الزمن إلى الآن، ثم بصفته مواطناً يعيش داخل الجنوب، فقدّم صورة عن حديث الناس (في الجنوب) ولسان حالهم لناحية هذه الحرب وجدواها. مُختتماً كلمته ببعض الأسئلة المتعلقة بالحزب والناس والمعارضة الجنوبية.

فرج متحدثاً خلال الندوة


وقال: إن “حزب الله” دخل عنق الزجاجة، ولا مفر له إلا الهروب إلى الأمام، لخلق واستحداث، أو تحديث مشاكل داخلية ضيّقة مع بقية المكونات الأخرى، لاستنهاض بيئته مجدداً، بهدف تغاضيها عن الأسئلة المستقبلية الصعبة عن الحرب، وما بعدها. حتى لجأ إلى إبراز أسماء جديدة، على أنها مقاومة، خاصة في البيئة السّنية وصولاً إلى أحزاب يسارية، تدور في فلكه أصلاً. وباتت الناس تُدرك الأمور لكنه يستطيع النجاح في ذلك، ولو مؤقتاً في هذا المجال الذي يفرضه. وهذا يساعده في المواجهة المقبلة، إن كانت داخلية، أو مفاوضاته الخارجية.

اسماعيل: “حزب الله” دخل عنق الزجاجة ولا مفر له إلا الهروب إلى الأمام لخلق واستحداث مشاكل داخلية ضيّقة مع بقية المكونات الأخرى لاستنهاض بيئته مجدداً


وأضاف: وباختصار شديد، هذه الحرب، لا تشبه كل الحروب الأخرى، ولا كل المراحل السابقة. فهذه المرة، أسئلة كثيرة، سينتج عنها، وعن آثارها المستقبلية التي تحدد الكثير من الأجوبة، ولو كانت بدرجات متفاوتة. وفي هذه المرة، الناس لا تتحدث إلا عن الهلاك ولا من أحد سيقف معهم، أو يُساعد أو يُعيد لهم، ما سيفقدونه. وتابع: ويبقى السؤال الأهمُّ، في هذه الحرب: هل هذه الحرب ستخلُق هُوّة ما بين الناس والحزب، وإلى أيّ مدى؟ وهل الحزب يستطيع إرضاء كل الناس؟ وما هو المطلوب، خاصة من المعارضين الجنوبيين، ومن بينهم خاصة، المعارضة الشيعية؟

فرج: الجنوب يرزح تحت حزام امني ناري

أما الدكتور فرج فقد قال: ما يجري على ساحة الجنوب اليوم، جعل الجنوبيين يعيشون حالة السيكولوجيا العامة، فما أحد منهم يعرف اليوم ماذا في أفق حياته، ومتى تنتهي هذه الحرب على أرض الجنوب وكيف؟ وما من أحد منهم يستطيع في ظل هذه الحرب أن يُقدّر هل يبقى على قيد الحياة أم لا؟ أيكون آمِناً أو غير آمِن؟ فكلّ التناقضات الحياتية اليومية للمواطن الجنوبي يعيشها اليوم لدرجة أنه أصبح هناك ما أسميه تعطيلاً لوجود الأمل أو الحُلُم، وهذا المشهد فعلياً هو المعيش اليومي على أرض كل الجنوب، بكل النواحي: الاقتصادية، التربوية والتعليمية، والصحية والاجتماعية والحياتية… إلخ. وأنا أقدّم هنا شهادة لما يجري على أرض الواقع.

فرج: كان هناك شعور سائد لدى الجنوبيين عموماً بأننا نعيش مناخاً مفعماً بالانتصار وبالقوة لأن ثمة سند حامي الأرض وحدودها أمنياً وأن إسرائيل لن تقدر أن تعتدي على أرضنا


وتابع: إذا ما أردتُ الحديث عن المزاج الذي كان سائداً لدى الناس في الجنوب ما قبل الحرب الأخيرة، والتي سُمّيت بـ”الحرب”، ولا نعرف ما هي هويتها، كان هناك شعور سائد لدى الجنوبيين، عموماً، بأننا نعيش مناخاً مفعماً بالانتصار، وبالقوة، لأن ثمة سند، حامي الأرض وحام حدودها أمنياً، وأن إسرائيل لن تقدر أن تعتدي على أرضنا، مجدداً. فالجنوبيون كانوا يعيشون هذا المناخ فعلياً، وبقوة، وكان هذا الشعور عند كل مواطن يعيش على أرض الجنوب، إذ هو يرتبط بـ”منظومة أيديولوجيا حزب الله”، بالدرجة الأولى”.

مطر مقدماً الضيفين خلال الندوة


وتابع “:ولا أستطيع أن أقول عن هذا الارتباط أنه وهمي لا بل هو حقيقة، بالنسبة للناس، إذ هي وجدت من يحميها ويحرر أرضها ويدافع عنها بوجه الاحتلال. وفكرة الـ”سبع دقايق ونص” والصواريخ والقوة… هذه كلها “ديباجة” عمرها سنوات طويلة، تجعل الناس يعيشون بهذا الزهو، زهو الانتصارات. وكان لدينا مشاعر حقيقية بالانتصارات، بكل المعارك التي كان يخوضها حزب الله (ضد إسرائيل)، ومنها انتصارات (ليست فقط أرضية)، إنما هناك انتصارات إلهية (نسبة إلى “النصر الإلهي” وسواه). فهذه الدّوغما، هذه الأيديولوجيا، هذه الصّورة التي يعيش الفرد فيها، تعطيه الشعور بالقوة والمكانة والزهو، إلى درجة أنه لا يعود بحاجة لأي أحد آخر.

إقرأ أيضاً: تهديدات إسرائيلية بإجتياح الجنوب تزامناً مع هجوم رفح..و«حماس» في القاهرة اليوم لحسم الهدنة!

ولفت انه “إذا ما نظرنا إلى الواقع، نرى أن في الجنوب اليوم في ظل ما يجري حالياً، فانه يرزح تحت “حزام أمني ناري”، فأيام الحزام الأمني السابق، كان يمكن للجنوبي أن يدخل إلى الجنوب بموجب “تصريح” بينما اليوم، المهجَّر الجنوبي، ربما يحالفه الحظ بالوصول إلى أرضه وربما لا، وذلك بسبب الحزام الأمني الناري”.
وتساءل فرج “بعد عدة أشهر من الحرب، هل بقي شعور الانتصار هو نفسه ؟ بالتأكيد لا، بل هناك تغيُّر حقيقي، والذي أوجد هذا التغير، هو أن (صورة الانتصارات الإلهية) بدأت تتهشّم وتتكسّر بـ”الصيد” الذي تُمارسه طائرة الـ(إم كا) من دون طيار، وهذه مسألة ليست بسيطة لأنها أفقدت الجنوبيين الأمان الذي أحسوا الآن أنه كان موهوماً، وأنا، أتكلّم الآن كمختص نفساني، بعمق، أفهم مدى تأثير الصدمات النفسية الجماعية، عندما تُوجد صدمة عنيفة جداً، كالصدمة النفسية التي يعيشها الجنوبيون حالياً”.


وعن مشهدية الصورة التي “يلعبها” حزب الله في الجنوب، شرح فرج، ” يقول حزب الله إن ما يفعله هو “نصرة لأهل غزة”. أنت تنصر أهل غزة، حسناً، لكن الواقع يثبت أن شعب غزة “عم ينتهي” يعني “غزة عم تنتهي”، وبالتالي، هناك تساؤل مفاده: “ما هذه النصرة إذن؟” أي أنها لم تعد حجة يُركنُ إليها، إلى جانب أن موقف حزب الله من دخول حرب واسعة أو من عدم دخولها، أمر غير واضح.وعندما حصلت عملية (7 تشرين)”.
وأردف”: وأنا بتقديري الشخصي، إن “حزب الله” فوجئ مثلما فوجئ الإسرائيلي، بما يحدث في (7 تشرين)، لكن ما أُشِيع عند “حزب الله” منذ أول يوم للعملية، أن عملية (7 تشرين) خُططت في الضاحية الجنوبية والذين نفذوها تدرّبوا في لبنان، درّبهم حزب الله، وخرجوا من الضاحية الجنوبية مباشرة”.

قانصو: قرارات حزب الله التي يتخذها في شن الحروب ينفرد بها الحزب باسم المقاومة ولا يستشير الشعب ولا الجيش.


وهنا طرح فرج سؤاله الاخير “لماذا “حزب الله” سَوّق هذه التّسويقة ولماذا دخل في هذه المعمعة؟ وكيف سيخرج منها؟ وإذا ما كان له علاقة (وأريد أن أفترض أنه كان له علاقة بهذه العملية)، أقول: إن مشاركته بالحرب، كانت خجولة جداً؛ وإذا لم يكن له علاقة، فلماذا دخل هذا المدخل؟ وأنا برأيي، إن حزب الله تورّط بالصورة التي هو بانيها، وهذا هو المهم، في هذه “القصة”، فإن حزب الله وإيران وهذه المنظومة هي تخلق صورة من النصر الممتد إلى الإله، فكيف يمكن لـ”قلة من الفلسطينيين” أن يطمسوا هذه الصورة، بما أقدموا عليه في (7 تشرين) في غزة؟! لذلك بدأت هذه الإشاعة: “إنهم تدرّبوا عندنا (في الضاحية). وهنا لا بد لي من القول: إن البطولات الملحمية التي صاغها الفلسطينيون في مواجهة الآلات العسكرية الكبرى في غزة (في 7 تشرين)، هي بطولات تاريخية، وهذه المسألة، أيضاً، في المشهدية غطّت على قوة حزب الله، وبالتالي سببت له أزمة، فأصبح، فيما بعد يتنصل من القضية تدريجاً لأنه تكبّد خسائر حقيقية، لأن صورة حزب الله الأسطورية تحطمت وبرأيي”. وختم”: نحن الآن أمام مشهد صورة “حزب الله” التي هي قائمة على “النصر”، فإذا لم يستطع الحفاظ عليها سوف يكون المصير مختلفاً، وإذا استطاع الرجوع إلى الحفاظ عليها، بقدرات معيّنة، فهذا الأمر سوف يجعله يحتل لبنان، وليس المنطقة التي هو فيها (أي الضاحية الجنوبية) فقط”.

قانصو: نهاية الدولة

وفي مداخلة للدكتور قانصو قال فيها: “يوجد شعور شيعي بدأ يتبدل حول سلاح “حزب الله”، وهو ان هذا السلاح هو ضمانه للطائفة ضد اسرائيل وضد الآخرين، الان اصبح يشعر الشيعي اللبناني بعبء هذا السلاح، لانه تخطى حدود امن المجتمع ، فالصورة الجديدة للسلاح تبدلت بسبب انغماسه في حرب اخذ فيها الوطن الى اماكن لا مصلحة لنا بها”.
وتابع”:اذا كان تحرير الوطن من الاحتلال الاسرائيلي قد شكل المسوّغ الاجتماعي للسكوت على تجاوزات حزب الله، فان هذه الصورة اختفت ايضا، لان الاهمية بنظر الناس اصبحت بعد التحرير، هي من اجل الحفاظ على الامن الارض وومنازل المواطنين، فتوازن الرعب لم يعد يقنع احدا بسبب الفارق بالتكنولو جيا العسكرية المدعومة علميا وعسكريا من الغرب، وهذا الفارق لصالح الجيش الاسرائيلي برز جليا في المعارك الاخيرة”.


وسأل قانصو “:كيف يحمينا سلاح “حزب الله” ونحن تهجرنا من بيوتنا في الجنوب في هذه الحرب؟ لذلك نقول انه بناء على سلوك “حزب الله”، بعد تحرير عام 2000 فان تصرفاته تجعلنا لا نحسن الظن به، فبعد طرحه لموضوع مزارع شبعا طرح بعد عام 2006 معادلة الجيش والشعب والمقاومة، فإن كل قراراته التي يتخذها في شن الحروب وغيرها، من القرارات المصيرية ينفرد بها الحزب باسم المقاومة ولا يستشير الشعب ولا الجيش”!

وخلص قانصو الى نتيجة هي ان ” انا مع الرأي الذي قال ان اعلان الحرب الأخيرة من قبل “حزب الله” هو تاريخ لنهاية الدولة ونهاية المجتمع اللبناني، هذه هي الصورة التي وصلت الى الدول الاجنبية، وهذه صورة خطرة جدا، لان الغرب نفسه اخذ يتعامل مع لبنان وفقا لهذه الصورة الجديدة ويتفاوض مع قوى الامر الواقع على الساحة اللبنانية، فالموفد الاميركي اموس هوكستاين اصبح يأتي الى لبنان ليفاوض ممثلين عن حزب الله، وهذا المسار الخطير المستجد يهدد بالتأكيد حقيقة الكيان اللبناني، وليس فقط الطائفة الشيعية، لان الكيان يقوم على دولة تحتوي على مكون اجتماعي، يكون اساس شرعية اي فعل سياسي، وعندما يتم نقض هذه الشرعية فعلى الدولة السلام.

السابق
تهديدات إسرائيلية بإجتياح الجنوب تزامناً مع هجوم رفح..و«حماس» في القاهرة اليوم لحسم الهدنة!
التالي
أسماء متعددة لـ«نصاب واحد»..توقيف منتحل صفة مسؤول أممي!