لبنان العالق بين ميليشيا الحكومة وحكومة الميليشيا!

اشتباكات

على رغم خصومتهما في السياسة حتى النخاع، هاجمت مجموعتان بمطلب واحد ودوافع مختلفة القوى الأمنية في وسط بيروت كلٌّ من جهتها. أما المطلب فكان موجَّهًا إلى جلسة الاستشارات الملزمة الإثنين (والتي ساهمت الأحداث الساخنة وهزالة التسمية المنتظرة في تأجيلها إلى الخميس “تجاوبًا من الرئيس عون مع تمني الرئيس الحريري تأجيلها لمزيد من التشاور في موضوع التشكيل” كما ورد في بيان عن القصر الجمهوري) التي تتجه إلى تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وأما الجهتان فالأولى خندق الغميق وتمثل الثنائي الشيعي، والثانية ساحة الشهداء وتمثل ثوار 17 تشرين، وأما دافعا الفريقين فتوجيه رسالة “مفرقعاتية” من خندق الغميق عبر الاعتداء على القوى الأمنية إلى الحريري بأنك سُمِّيت بنا ولن تشكل حكومة إلّا بشروطنا، فيما دُمغت رسالة ساحة الشهداء بالحجارة على هذه القوى برفض هذا التكليف جملةً وبالتفصيل.

اقرأ أيضاً: لماذا يفضل حزب الله الحكومة «العميلة» على الحكومة المستقلة؟

تسمية الحريري ستضعه في درب التأليف الوعرة التي ستواجَه بحائط صد يسمى البرلمان، الذي بات شبه فاقد للشرعية بعد أن تحولت شرطته ميليشيا تعتدي على الناس وتحرق الخيام وتنسق مع بعض الشبيحة ضد المتظاهرين، وهو لن يسمح للرئيس المكلف بتشكيل حكومة مستقلين صافية، فإما أن يذعن الحريري لحكومة تكنوقراط أو يرفض فتتجه الأمور إلى تكليف آخر يسميه، وهو أمر لا يحبذه “حزب الله” الذي تخنقه العقوبات الأميركية ويرى في الحريري متراسًا يتلطى خلفه لتخفيفها، وقد كان جديدَها من وزارة الخزانة الأمير كية في حق صالح عاصي (لتعاونه مع أحمد طباجة تاجر الماس المتهم بدعم حزب الله) وللمرّة الأولى رجلِ أعمال من خارج بيئة حزب الله، وهو رئيس قسم المحاسبة في شركة “إنتر أليمنت” التابعة لعاصي والبتروني المقرّب جداً من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، طوني بطرس صعب (لمشاركته في تحويل ملايين الدولارات لشركتي “مينوكونغو” و”إنتر أليمنت” وتسهيل مدفوعات عاصي إلى طباجة)، الذي نُشر بيانٌ غير مؤكد على وسائل التواصل ونفاه وكيل الوزير باسيل القانوني المحامي ماجد بويز، الذي تقدّم إلى النيابة العامة بشكوى في حق ناشرة الخبر الناشطة كندا الخطيب إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، بأن هناك حسابات مصرفية وشركات تجارية عائدة إلى الوزير باسمه، ما يعطي المصداقية لتصريح شينكر لـ”العربية” بأن “كل من يتورط في تمويل منظمة حزب الله الإرهابية من كافة المذاهب والأديان معرّض للعقوبات”، وهو إجراء يضع باسيل نفسه في دائرة العقوبات في مرحلة مقبلة. يُذكر أن عاصي نفى في بيان ما نُسب إليه وأن يكون صعب يملك أسهمًا في شركاته، وقدم طعنًا قانونياً في الاتهامات الأميركية.

كما يتوجس حزب الله شرًّا من الزيارة المرتقبة لمعاون وزير الخارجية الأميركية دايفيد هيل إلى بيروت، التي سيتوجه بعدها إلى بغداد للقاء المسؤولين العراقيين، ما يولّد انطباعات بأن جولته هي لاستطلاع الوضع في العاصمتين الأشد تعرضًا للنفوذ الإيراني واللتين تشهدان حركات احتجاجية واسعة معادية لهذا النفوذ، بعد التحذير من انهيار اقتصادي في لبنان إثر فشل سياسييه في اجتذاب دعم مالي من المجتمع الدولي، وخصوصًا مع تأكيد الممثل الأميركي في اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان في باريس الأسبوع الفائت، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، لوكالة “أسوشييتد برس” اتفاق فرقاء الاجتماع على عدم توفير أي حزمة إنقاذ مالية من دون إصلاحات جدية، فهل ستكون زيارة هيل لإيصال الرسالة ذاتها إلى المسؤولين اللبنانيين، في متابعة لأهداف الولايات المتحدة الجيوسياسية بالضغط على حلفاء إيران، بمن فيهم “التيار الوطني الحر”، أم أن الأكمة تخفي وراءها تحسنًا في العلاقات مع طهران إثر تبادلها سجناء مع أميركا بوساطة يابانية مستمرة وتنتظر تفعيلها مع زيارة قريبة للرئيس الإيراني حسن روحاني  إلى طوكيو لتحقيق المقترح الذي قدمه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بتبادل السجناء كافة، والذي كان سبقه بعث طهران رسالة دبلوماسية عبر السفارة السويسرية إلى الولايات المتحدة تنفي أي دور لها في الهجمات على منشأتي نفط  أرامكو بالسعودية وقواعد عسكرية أميركية في السعودية، والأهم من كل ذلك التصريح اللافت جدًّا للمبعوث الأميركي الخاص بالشؤون الإيرانية براين هوك في لقاء خاص لقناة “الجزيرة”، أن الولايات المتحدة “مستعدة لرفع العقوبات عن إيران وإعادة العلاقات الدبلوماسية إذا أوقفت أعمالها العدائية”، بمعنى وقف برنامجها النووي، متابعاً القول إن “العقوبات ليست لمعاقبة إيران بل لضمان الأمن القومي الأميركي”؟

ومع إعلان المكونين المسيحيين الأقوى في لبنان، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، عدم الاشتراك في الحكومة المقبلة كل من وجهة نظره المختلفة، وموقف “الكتائب” المعروف برفض الحريري رئيسًا والاستعداد للسير بنواف سلام، هل سيُدق المسمار الأول في نعش الحكومة المقبلة واعتبارها غير ميثاقية نظرًا لغياب المكون المسيحي عنها ويعود ملف تشكيل الحكومة إلى نقطة الصفر؟

اقرأ أيضاً: في «الجدلية» لتسكير الطرق في الثورة اللاعنفية

لا شك في أن الرئيس الحريري، الذي لم يكلّ لسانه عن ترداد رغبته في حكومة مستقلين كاملة، أمام مشكلة حقيقية، إن لم نقل مهمة شبه مستحيلة، إذ إن نواب الثنائي الشيعي (29 نائبًا) و”التيار الوطني الحر” (27) والسنة المستقلين (10) و”المردة” (3) والقومي (3) الذين يشكلون أكثرية في البرلمان لن يمنحوا الثقة أي حكومة لا تحوي سياسيين حزبيين، وفي حال وافق الحريري على تمثيل بعض الوزراء السياسيين في الحكومة فإن “القوات” لن يمنحها وبالتالي لن تمر.

وفي انتظار نتائج الاستشارات النيابية يتسابق غضب الشارع مع تمسك السياسيين بمناصبهم مع التدهور الاقتصادي المخيف مع العقوبات الأميركية لتشكل رقصة التانغو القاتلة لبلد ما عرف راحة في تاريخه المثقل بالتناقضات، فهل ينجو هذه المرة أم سيتحول دولة فاشلة أمنيًّا بعد أن فشل اقتصاديًّا؟ حفظ الله لبناننا من كل شر. 

السابق
داليا البحيري تعود للقاء «الزعيم» في هذا المسلسل!
التالي
كوبيتش يعلّق بقساوة على تأجيل الاستشارات.. ويحذّر!