اللبنانيون ينطقون بشهادتي النشيد والعَلَمْ!

اعتصام

ظُهور الحشود المليونية التي مثّلت الشعب اللبناني بفئاته كافة، في كل الشوارع الرئيسية/المفصلية، للمناطق اللبنانية، وهي الحشود التي جسّدت وبشكل قاطع الوحدة الوطنية للبنانيين، من خلال اجتماع اللبنانيين برمّتهم تحت راية وطنية واحدة، وموحدة، هي العَلَم اللبناني، ونُطقهم بشهادة الإنتماء الوحيدة والتي هي النشيد الوطني اللبناني.

نقول: إن هذا الظهور الذي عبروا من خلاله أو بواسطته عن رفضهم المطلق لسلطاتهم الاستبدادية، وبتحويلهم مواطئ أقدامهم – وبعفوية مطلقة – (أي الأرض/ الفضاء لاجتماعهم الإنساني والوطني العام) إلى ساحات حرية تاريخية، لهُوَ ظهور يشي بتفتُّح وعي اللبنانيين، على واقعهم المرير الذي هو أشدّ مرارة من العلقم، إذ هو ظهور يُظَاهِرُ بـ”أريحيته” المذهلة، تفتُّح وريقات الورود اليانعة في عز نوّارها. فتوحُّد اللبنانيين، تحت رايتهم الوطنية الأصيلة (العلم اللبناني) ونُطقهم بشهادتهم الإنتمائية (النشيد الوطني)، قد شكَّلا ذُرْوَة إنتمائهم الصافي، أو بالأحرى ذروة الإنتماء المحض، الذي هو السبيل النادر، وخصوصاً في لبنان، إلى بناء وطن حقيقي بالفعل لا بالقول، يفخر به اللبنانيون على مستوى العالم. فلا أروع ولا أبهى من أن يكون الشارع اللبناني، وعلى الدوام، وطنياً بامتياز، كما شهدنا ولا نزال نشهد، منذ عدة أيام بلياليها.

اقرأ أيضاً: يطعمهم «العسكر».. والناس راجعة!

فهذا الشارع الذي أعلن على ألسنة من غصّ بهم، أنه ها هو في صدد دفن الطائفية والمذهبية، والجهوية والفئوية والحزبية، أي هو في صدد دفن التفرقة “العنصرية” في جميع مستوياتها وأشكالها ومظاهرها كافة، من خلال مطالبته الملحة بأن يتولى مسؤوليته الوطنية، مسؤولون سياسيون يتحلّون بكفاءات عالية على المستوى الإنسانيّ قبل وبعد تحلِّيهم بكفاءات مطلوبة على المستوى الوطني. إذ ربما شعر هذا الشعب اللبناني، – وهذا ما نتمناه فعلاً – أنه ليس قطعاناً بشرية (كالقطعان الحيوانية)، كل قطيع منها على حدة يعود بـ”بيعته” لزعيم هو في الحقيقة، ليس طائفياً. إذ هو لو كان كذلك، فعلاً، لما أضرَّ بطائفته، قبل غيرها، هو الذي يدّعي، زوراً وبهتاناً، أنه يضرب بسيفها، في مواجهة الطوائف الأخرى، والمذاهب الأخرى… إلخ… بل إنه زعيم شخصانيّ ليس إلاّ، يضرب بسيف شهواته التسلطية مستنداً إلى بطانته الخاصة التي يعمل وإياها، وبإصرار منقطع النظير، على حرمان طائفته ومذهبه من كل الحقوق الإنسانية.

ونقول: إن جماهير الشعب اللبناني، هي حقيقة الجماهير الغفيرة، التي ترفض العيش إلاّ بعز وكرامة، كقيمتان لا تُؤاخذان إلا انتزاعاً وعنوة من كل من يعمل على مصادرتها لصالح مصالحه الشخصية والذاتية. وهذا أمر يعود إلى امتلاك الجماهير ثقافة تُولّد العز والكرامة وتحافظ عليهما معاً. وهذا ما ظهر واضحاً كسيماء خاصة بهذه الجماهير اللبنانية التي احتشدت وما تزال في الساحات العامة في هذه الأيام المشهودة لها، وهي سيماء تشرح الصدر، وتُثلج الفؤاد، لأنها سيماء تمحو الصورة التي أُلحقت بهذه الجماهير تلك الصورة التي عبّر عنها – وبشكل هو أعظم ما يكون من السخرية المرة (الكوميديا السوداء) الفنان الكوميدي العظيم الراحل فيلمون وهبي، في  عبارته المرحة التي تصوّر الجماهير اللبنانية الغفيرة بأنها “الجماهير الغفورة”، أي هي التي تغفر – ودائماً أبداً – ذنوب حكامها جميعاً.

اقرأ أيضاً: مقترحات عملانية حفاظاً على ديمومة الإحتجاجات

لكن عندما يتمادى الحكام في غِيِّهم وساديّتهم، لا ينطبق عليهم سوى قول المتنبّي:

إن أنت أكرمت الكريم ملكتهوإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

وهذه هي ثقافة المفارقة التي دفعت الشعب اللبناني بقضّه وقضيضه إلى الصّدوع بالثورة التي نشهدها حالياً على ظالميه والمستبدين به، وهي الثقافة التي يجب ان يستبدلها الشعب اللبناني بثقافة الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية وأن يستمر على الدوام، بالحفاظ على صورة الجماهير الغفيرة الحُرَّة ماحياً إلى الأبد صورة “الجماهير الغفورة” كقطعان يتناهشها كل من يستطيع أن يقبض وبقبضة من فولاذ، على زمام مصيرها الذي هو ليس من حق أحد في الكون سواها.

وهنا نعود إلى قول المتنبي أيضاً:

وما نيلُ المطالب بالتمنيولكن تُؤخذ الدنيا غِلابا

فسلام لك وسلام عليك في الأوقات كافة يا وطني الحبيب والأغلى في الدنيا قاطبة.

السابق
ردا على قرار شهيب.. الأساتذة سيفتحون غداً الصفوف في ساحة الشهداء
التالي
في اليوم السادس للتظاهر.. هذا ما دعت اليه الخارجية الفرنسية