جنبلاط.. واستحقاق الوسطية الصعب

زعيم المختارة لمزيد من الانفتاح و"الصهر" إلى التقوقع

بعد مرور “القطوع” القبرشموني وانكفاء أطرافه كلٌّ إلى عرينه لجوجلة الأرباح والخسائر مما حدث وتقييم نتائج مصالحة بعبدا، وخصوصاً في ظل “استفراس” الولايات المتحدة في العقوبات الاقتصادية على إيران و”حزب الله” والكباش الأميركي- الإيراني الذي أنتج وقوفًا أميركياً واضحاً وجازماً في وجه محاولة “حزب الله” اللعب بالساحة الدرزية وتطويق زعيمها وليد جنبلاط، ما دفع الحزب إلى التراجع بعد تلمُّسه جدية التحرك الأميركي، وتسهيله الامور عبر حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، يستعد زعيم المختارة لاستثمار ما ناله من دعم عبر زيارة إلى موسكو تنتظر تحديد موعدها روسياً، وهي زيارة شديدة الأهمية، إذ إن ختامها بضوء أحمر روسي تجاه سلامة القائد الدرزي الأقوى حتى الآن سوف يجنِّبه خيارات مُرّة لا يريدها، أولها إجباره على العودة إلى التموضع ضمن فريق 14 آذار بعد ان ثبّت نفسه لفترة طويلة في موضع الوسط بين فريقي النزاع الآذاري والانفتاح على الجميع، وحتى على “حزب الله”، إلا أن حادثة قبرشمون قرّبته أكثر إلى هذا الخيار وقطعت شعرة معاوية بينه وبين وبين الحزب وهيأت الظروف لفرض واقع أن يكون شريكه المسيحي الطبيعي في الشوف والجبل هو جعجع وليس التيار الوطني الحر، نظراً للانحياز القوي للأول إليه خلال أزمة البساتين وما تلاها، وثاني الخيارات هو أن يكون الدعم الخارجي له محصوراً بالمحور الأميركي الخليجي، وهو ما يحاول جنبلاط تجنبه، نظراً إلى ما لتعدد العلاقات من تسهيل اتخاذ القرار عند المحطات المصيرية. وعلى رغم مرور العلاقة بين الزعيم الدرزي وموسكو خلال الازمة السورية بفترة من الفتور، لكنه لا يزال مُرحَّباً به في موسكو، التي ستحاول في هذه الزيارة إعادته الى الحضن الروسي لتزيد من أوراقها في المنطقة، لعلمها أن منفذها إلى البحر الأبيض المتوسط مهدد في حال اندلاع النزاع –وإن يك مستبعداً في المرحلة الراهية- بين تحالف دولي تقوده أميركا وبين إيران وسقوط نظام الأسد، وهو نزاع تنبأت بوقوعه صحيفة “غازييتا” الروسية. ولقد بات اكتمال بناء هذا التحالف وشيكاً بعد أن بدئ بوضع خططه إثر احتجاز إيران السفينة البريطانية في مضيق هرمز، والهدف منه ليس تغيير النظام في إيران بل إنزال ضربة ساحقة بالقطعات الإيرانية للوصول إلى تفاهم تتعهد إيران عبره بعدم التعرض لأي سفينة وتأمين حرية الملاحة. لكن التخوّف الحقيقي هو من انزلاق الصراع إلى جميع دول الشرق الأوسط بمن فيها لبنان، الذي أعلن “حزب الله” أنه مستعد له.

وعلى العكس تماماً، يغيب في المقلب الآخر، وفي ما يشبه العزلة، النشاط الخارجي للطرف الثاني الأساسي في أزمة قبرشمون، رئيس الديبلوماسية اللبنانية وزير الخارجية جبران باسيل، إلى درجة أنه لم يكن في عداد الوفد المرافق لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري خلال زيارته واشنطن التي يلتقي فيها وزير الخارجية مايك بومبيو وعدد من المسؤولين الذين لم يكشف مستواهم وهوياتهم، ويبحث فيها ما يتعلق بسبل حصول لبنان على دعم خارجي، من قروض ومساعدات اقتصادية، وكذلك الضغوطات والمخاطر التي يتعرّض لها لبنان نتيجة أوضاعه الاقتصادية المتدهورة وتصنيفه من مؤسّسات التقييم، كما سيشرح للإدارة الأميركية وجهة نظر لبنان من كيفية التعامل  مع مزيد من الاجراءات المتشددة ضد “حزب الله”، وخصوصاً إذا صحت التسريبات بأن ما ينتظر الحريري ليس بالأمر المفرح، وهو تهديد أميركي صريح بوضع الحكومة اللبنانية أمام ضرورة اتخاذ قرار مفصلي في ما يتعلق بـ”حزب الله”، وبالتالي من الطبيعي والمتوقع ألا يقبل الحريري بأن يكون في مواجهة مع طهران وحزب الله في وقت لم تفعل أميركا نفسها ذلك، ما سيُغضب فريق المتشددين في إدارة ترامب بشدّة، الذين يعتبرون أن تحاشي الحريري المستمر المواجهة مع الحزب هو بالذات السبب في تمكّن حزب الله من السيطرة على الحياة السياسية ومفاصل الدولة.

ويبدو أن عدم مشاركة باسيل الحريري زيارته هو امتداد لعزل بدأته الإدارة الأميركية ضده منذ العام الفائت، حين سمع خلال مشاركته في المؤتمر الوزاري من أجل تعزيز الحرية الدينية بواشنطن كلاماً غير مريح من نواب ووزراء أميركيين وحوى رسائل وتحذيرات من سياسة باسيل المتماهية مع حزب الله، لكنّ ما صدمه هو رفض صاحب الدعوة بومبيو لقاءه رغم تكرار طلب اللقاء مرتين، وإرسال شخصيات من المستوى الثالث للقائه، كنائبه جون سوليفان ونائب وزير الخزانة مارشال بيلنغسليا ومساعد وزير الخارجية للشرق الأوسط جول رايبرن، ومساعد وزير الخارجية لشؤون اللاجئين والهجرة والسكان سيمون هانسشوي، وغيرهم، الذين نقلوا أجوبته إلى إدارتهم، التي لم تتلقها بارتياح، إذ أشار إلى أن سلاح حزب الله مسألة داخلية، ومسألة وجوده في سوريا تُحَلّ بحوار وطني.

فهل سيبادر العهد إلى تحرك ما يوقف به عجلة انحداره السريع بعد أن ربط نفسه بـ”الصهر” في كل شيء، إلى درجة أن يتحول طرفاً في أزمة البساتين وهو الحريّ بأن يكون حَكَماً؟ سؤال لقابل الأيام، وإن غداً لناظره قريب.

السابق
محمد بن زايد يدعو من الرياض إلى الحوار لتسوية الخلافات في عدن
التالي
روسيا تحذر مواطنيها من إشعاع نووي