بلدية طرابلس: الصراع الناعم على وراثة إنتصار ريفي اليتيم!

بلدية طرابلس
منذ شهور ليست بالقليلة، انفجر الصراع في بلدية طرابلس التي احدثت نتائجها الانتخابية منذ ثلاث سنوات، زلزالاً هدّد عروش كل الشخصيات والتيارات السياسيه في المدينة.

يومها شكل اللواء “أشرف ريفي” الخارج من عباءة الحريرية السياسية، مفاجأةً من العيار الثقيل، عندما فازت لائحته ب 16 عضواً، بينما فاز 8 اعضاء من اللائحة المدعومة من كل اركان السلطة. ويومها قيل إن لائحه ريفي المتواضعة بإمكاناتها وميزانيتها وخبرتها الانتخابية، فازت ب 22 عضواً من اصل 24 ، ولكن السلطة التي فجعها هول الخسارة المدوية، تلاعبت بالنتائج في صناديق الاقتراع، واعطت ريفي العدد الذي كان عاجزاً عن تحصيل ما هو أكثر منه. 

اقرأ أيضاً: بلدية طرابلس بلا عنب ولا نواطير

الفوز غير المتوقع للائحة ريفي – المجتمع المدني، شغل الرأي العام اللبناني والعربي، وظلت الاقلام الصحافية تكتب وتحلل لفترة طويلة، “الظاهرة الريفية” الوليدة التي سحبت في غفلة من الزمن، البساط من تحت اقدام اهل السلطة. ولكن للأسف، لم يمضِ وقت طويل على هذا الانتصار الباهر، حتى تفشى الخلاف في أوصال البلدية التي عاقبتها السلطة المركزية، عبر إيقاف أو تأخير مشاريعها. الكيمياء فُقدت بين السلطتين التقريرية والتنفيذية، وكل طرف كان يرمي المسؤولية على الطرف الآخر. وفيما كانت الصراعات تتفاقم والمدينة تغرق اكثر وأكثر في نكباتها، ادرك ريفي ان المجلس البلدي قد أصبح كسيحاً ومعطوباً، وأنه دخل في موت سريري رغم كل محاولات إنعاشه، فأعلن تبرؤه من اعظم إنجاز حققه في حياته السياسية، طالما أن العين لا تقاوم المخرز.

الدكتورة هلا رشيد أمون

مع مرور الوقت، استفحلت الخلافات في المجلس البلدي، وانقسم الاعضاء الى فريقين يطمح كل منهما الى انتزاع اعضائه لمنصبي الرئيس ونائب الرئيس، ومنذ اشهر ينتظران انقضاء فترة ثلاث سنوات على الاستحقاق الانتخابي، كي تتاح لهما فرصة طرح الثقة برئيس البلدية، ومن ثم الإتيان برئيس افضل منه، على اعتبار انه يتحمل منفرداً أوزار كل الفشل والاخفاق والخراب الذي مُنيت به طرابلس على مدى ثلاث سنوات.

حان اليوم الموعود، وتوجه جميع الاعضاء الى سرايا طرابلس واثقين بأنفسهم، فخورين بممارستهم الاليات الديمقراطية في التغيير، متسلحين بالتفاهمات والاتفاقات التي اجروها فيما بينهم، لعزل الرئيس والبدء بمرحلة جديدة من الانجازات. ولكن ما حدث لم يكن في الحسبان: رئيس البلدية “احمد قمر الدين” الخارج للتوّ من المستشفى بعد وعكة صحية ألمّت به عشية الجلسة، فوجئ رغم كل التطمينات التي تلقاها، بخسارته لرئاسة البلديه، بعد حصوله على 13 صوتاً ” لاثقة”، و 5 أصوات “ثقة” ، و 5 أوراق بيضاء. اما نائب الرئيس “خالد الولي” الذي كان من المفترض ان يتسلم رئاسة البلديه بالوكالة الى حين الاتفاق على اسم رئيس جديد للبلدية، فقد خسر نيابته بعد تلقيه طعنة نجلاء، ونيله 12 صوتاً ” لا ثقه” و 10 أصوات “ثقة”، وورقة بيضاء.

الصدمة التي نزلت كالصاعقة، كانت اكبر من ان يتحملها تكتل الاصلاح المعارض. لذا وقع المحظور، وحصل امام عدسات عشرات الكاميرات، اشتباك لفظي بين عدد من أعضاء الفريقين: كتلة الإصلاح البلدي المعارضة التي ترشح الدكتور “رياض يمق” لمنصب الرئيس، وكتلة الدكتور “عزام عويضة” المرشح للرئاسة والمحسوب على الرئيس ميقاتي. وتخلل الاشتباك صراخ وتدافع وتبادل للاتهامات بنقض العهود ونكث الوعود والخيانه والغدر والتنصل من الالتزامات والاتفاقات المعقودة.

ثورة الغضب والهيجان والغليان التي تُعتبر سابقة خطيرة في تاريخ المجالس البلديه في طرابلس، أظهرت ان الهوّة بين الأعضاء قد اتسعت، والثقة في ما بينهم قد تزعزت، بل وانعدمت. وكان من الطبيعي ان يتمّ تعطيل النصاب القانوني للجلسة، للحؤول دون إنتخاب رئيس ونائب رئيس قبل حصول اتفاق جديد بين الفريقين، وهذا ما دفع المحافظ الى تأجيل الجلسة 48 ساعة.

كل المدينة اجمعت على أن ما حصل بعد جلسة طرح الثقة، لا يليق بأعضاء مجلس بلدية طرابلس، ولا بالمدينة. وقد اعرب الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن أسفهم وصدمتهم من مستوى الخطاب المتدني المتبادل بين الاعضاء، وطالبوا الاعضاء بالاستقالة الجماعية فوراً، لانهم أثبتوا انهم لا يمتلكون الخبره الكافية التي تؤهلهم لقيادة العمل البلدي خلال السنوات الثلاث القادمة، ويفتقدون الى الرؤية والاستراتيجية والبرنامج الواضح الذي تحدد فيه الأولويات التي تحتاج اليها المدينة كي تنهض من كبواتها.

ما قبل جلسة طرح الثقة، ليس كما بعدها. لقد تبخرت أحلام الاصلاح، وتصدع المجلس البلدي بشكل بات من الصعب إعادة ترميمه. ومعه بات مصير البلدية بمجمله على المحك. إذن الاوراق يجب ان يعاد خلطها من جديد، والمشاورات يجب ان تعود الى المربع الأول، في محاولة لرأب التصدعات والخروج من الأزمة بأسرع وقت ممكن، عبر السعي الى التوافق على رئيس ونائب رئيس للبلدية يكونان فيه قادرين على تصويب بوصلة العمل البلدي والنهوض بالمدينة من كبواتها، ومعالجة واقعها المأزوم.

الرؤوس حامية. النفوس مشحونة بالغضب. المُهل الزمنية يتمّ استنزافها. البعض لم يتخلص بعد من آثار صدمة جلسة طرح الثقة. الاتصالات والاجتماعات والمشاورات بين الاعضاء متلاحقة. القدرة على التعطيل متوافرة للمجموعتين. ورغم تخوّف الجميع من حصول فراغ في المجلس البلدي، في حال عدم التوصل الى اتفاق، إلاً أنّ كل الخيارات ما زالت مفتوحة، بما فيها الاستقالة الجماعية للاعضاء، لافساح المجال امام إجراء انتخابات بلدية مبكرة. وهو خيار يرحب به البعض، ويخشى منه بعض الاعضاء الذين لا يملكون أي ضمانة بالفوز، في حال حصول إنتخابات جديدة. وهذا ما يجعل خيار الإستقالة مستبعداً حالياً.

البلدية دخلت في عنق الزجاجة، وبدأت مرحلة عضّ الاصابع. وكل النقاشات تدور حالياً، حول توزيع المناصب (رئيس بلدية ونائب الرئيس ورئيس اتحاد الفيحاء) كي يخرج الجميع راضياً، فلا يكون هناك طرف منتصر وطرف مهزوم، الذي من شأنه الدفع باتجاه اتخاذ الخيارات الصعبة. ولكن حتى اللحظة، لا مؤشرات ايجابيه نهائية على قرب الوصول الى حل، ولا شيء يوحي بأن الأزمة قد اقتربت من نهايتها، أو ان الدخان الابيض سوف يتصاعد يوم غد الخميس من سراي طرابلس حيث تنعقد الجلسة المنتظرة التي حددها المحافظ.

اقرأ أيضاً: إشكال بين اعضاء بلدية طرابلس بعد حجب الثقة عن رئيسها ونائبه

وفي البازار الحاصل ، احترقت اسماء مرشحين، وبرزت اسماء مرشحين ، ويقال إن البحث جارٍ عن “مرشحين توافقيين”، ترضى عنهم المجموعتان العاجزتان عن تأمين النصاب المتمثل بـ 12 عضواً من اصل 23 عضواً؛ والخائفتان في نفس الوقت، من ان تؤول البلدية الى يد محافظ الشمال “رمزي نهرا”. وفي المجموعتين هناك عدد غير معلوم من الأعضاء، جاهز لتغيير تحالفاته، تحت تأثير أي ضغط سياسي أو أمني إو غير ذلك. النتيجة: أي واحدة من المجموعتين لن تستطع حسم المعركه لمصلحتها، ما يعني ان الأعضاء محكومون بالتوافق، وأن البلدية قد اصبحت في عين العاصفة ومهب ريح التجاذبات والتسويات؛ وان أيّ زلة قدمٍ في هذا الوقت، قد تكون كلفتها باهظة ، ولاسيما في ظل التدخلات السياسية المتمثلة في حصول تنافس شديد وخفي وناعم يجري وراء الكواليس بين ميقاتي والحريري اللذين يسعى كل واحد منهما ، الى وضع اليد على إنجاز الريفي اليتيم – ولو بعد عمر طويل – عبر  ايصال رئيس بلدية يدين له بالولاء الصريح ، ويضع كل مشاريع البلدية وامكاناتها ومقدراتها المالية في خدمته وخدمة جماعته.
أزمة المجلس البلدي الحالي والسابق، ليست سوى نموذج مصغّر عن أزمة مدينة تحاول الخروج من قعر الإهمال والحرمان، ولكنها تتخبط وتفشل ويتمّ التآمر عليها، لأن عشاق “القعر” لا يتوقفون عن شدها اليه، كي يصعدوا هم الى السطح.

السابق
«البيت اللبناني»: لا لتوريط لبنان في حرب إقليمية بينما إيران ذاهبة للتفاوض
التالي
من الآن فصاعداً «المنقوشة» الشهية بكبسة زر!