مهندس كهربائي: وزارة الاقتصاد رفضت اعتماد العدّادات عام 2015 بحجّة أن ذلك يشرّع عمل أصحاب المولِّدات

حملة لإزالة التعديات على الكهرباء في عين الرمانة
رشف قليلاً من فنجان القهوة، وقال: المشكلة في سياسة الحكومة وكل الحكومات المتعاقبة، وبالتالي في سياسة وزارة الطاقة منذ تسعينيات القرن الماضي. هكذا بدأ أحد الأصدقاء وهو مهندس كهربائي حديثه حول ازمة الكهرباء في لبنان. كنا نجلس في زاوية من زوايا مقهى صيداوي، زبائنه قليلو العدد ما يسمح لنا الحديث بصوت عالٍ.

أضاف الصديق: حتى لو استطاعت الوزارة وعبر مختلف الوسائل إنتاج كهرباء حاجة البلد 24/24 فإن خطوط النقل وشبكات الوزيع غير قادرتين على إيصال التيار الكهربائي لجميع المواطنين. الكثافة السكانية تزيد، هناك دراسة أجريت عام 2009، وما أشطرنا بإنجاز دراسات تبقى في الأدراج، أعد صندوق النقد الدولي الدراسة وتقول أن كل مواطن بحاجة إلى 3.1 كيلو وات يومياً بالمعدل الوسطي. وهذا يعني أننا بحاجة إلى نحو 3000 ميغاوات وأعتقد أن هناك شركات إنتاج كهرباء قادرة على تأمين ذلك خلال عام ونصف ولكن كيف يمكن نقلها وتوزيعها على جميع المناطق اللبنانية.

مشكلة في جميع الاتجاهات

المشكلة في جميع الاتجاهات، صمت لحظات وأردف: سأعطيك مثلاً: في صيدا محولان في طلعة المحافظ يؤمنان 60 و20 ميغاوات. ونحن بحاجة إلى 110 ميغاوات خلال ساعات الذروة، أي أن 30% من حاجة المدينة لا يمكن تأمينها، والآن المحطة الجديدة تؤمن 120 ميغاوات، أيضاً لم تؤخذ بعين الاعتبار زيادة الطلب 2% سنوياً، يعني أن المشكلة، حتى لو استطعنا الإنتاج، تكمن في شبكات النقل من معمل الإنتاج إلى محطة التوزيع، هل هي قادرة على تأمين التيار الكهربائي خلال ساعات الذروة ما بين 2 بعد الظهر والتاسعة مساء. إذن المشكلة عند السلطة التي لا تملك خطة متكاملة تبدأ من نقطة الإنتاج ثم وصول التيار إلى المستفيدين.

اقرأ أيضاً: موسى كريم: وزارة الاقتصاد تلزم أصحاب المولّدات بـ«العدّادات» وبالتسعيرة الرسمية

وماذا عن أصحاب المولدات وسياستهم بالتسعير والجباية. ضحك قليلاً وقال: سابقاً كان أصحاب المولدات يرضون بربح قليل يؤمن معيشتهم، وذلك قبل تولي جبران باسيل وزارة الطاقة. أيامه وضعت أسس لتسعيرة الكيلووات وسمحت الوزارة للبلديات بتخطي السعر 20% بسبب عدم ثبات سعر المازوت مع مصاريف زيوت وفلاتر بلغت 10%، هدر شبكة ما بين 5% و10% بالإضافة إلى 5 دولارات أرباح عن كل مشترك، والمبرر لسماحهم للبلديات برفع التسعيرة لأن المولدات التي لا تعمل بكامل طاقتها تزيد كلفة الوقود فيها. وكانت الكلفة تتراوح ما بين 19 وات ليتر لكل كيلو وات/ ساعة و0.23 وات ليتر لكل كيلو وات/ ساعة.

وماذا كانت سياسة بلدية صيدا مثلاً؟ أجاب الصديق: اعتمدت البلدية التسعير على كلفة 23 واط ليتر لكل كيلو وات/ ساعة لأن المولدات كانت تعمل ما بين 50 و70% من طاقتها. وأضيفت إليهاالمصاريف ونسبة أرباح وصلت إلى 15%.

حججج رسميّة وعائق قانوني

وكأنه تذكر شيئاً، صمت قليلاً وقال: أذكر أن البلدية طلبت من القوى السياسية في صيدا المشاركة في التسعير، كما طالبت بتركيب العدادات، القوى السياسية رفضت تحت حجة أنها ليست بديلاً من الدولة. ووزارة الاقتصاد رفضت اعتماد العدادات عام 2015 تحت حجة أن ذلك يشرع عمل أصحاب المولدات. وخصوصاً أنه كان هناك مشروع تأمين محطة لصيدا وضواحيها بقدرة 120 ميغاوات. كما أذكر ان بلدية صيدا حضرت مشروعاً لبناء محطة توليد كهرباء حاجة صيدا ومنطقتها وتواصلت مع عدد من أصحاب الأموال لتوظيفها في هذا المجال، لكن أصحاب الأموال طالبوا بضمانات لاستمرار العمل في محطة الإنتاج لأنهم رأوا أنهم بحاجة إلى عشر سنوات كي يستعيدوا رأسمالهم، كما واجهت بلدية صيدا عائقاً قانونياً آخر؛ وهو احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لإنتاج الكهرباء وترافق ذلك مع الحملة الدعائية التي روّج لها باسيل آنذاك تحت عنوان “نورت” والتي قالت أن الكهرباء ستكون 24/24 في نهاية عام 2015.

وأضاف: حتى ذلك الوقت كان أصحاب المولدات يكتفون بأرباح معقولة لا تتجاوز 2000 دولار لكل منهم شهرياً، ولكن وبسبب آلية التسعير التي اتبعتها وزارة الطاقة والبلديات بدأ بعض أصحاب المولدات يتلاعب بحركة التذبذب الكهرباء وتحول الديجنتير من 5 أمبير إلى 3.5 أمبير فعلياً.

وبالتالي كان المواطن يحصل على 3.5 أمبير في حين أنه يسدد ثمن 5 أمبير من جهة أخرى فإن التباين في آراء المسؤولين الحكوميين ما بين وزارة الاقتصاد ووزارة الطاقة والبلديات ساهم في فوضى التسعير وكلفة الاشتراكات.

شؤون جنوبية171

بعدها وافقت وزارة الاقتصاد على تركيب العدادات للمشتركين بعد أن كانت قد رفضتها تحت حجة تشريع إنتاج الكهرباء وبيعها. وصارت وزارة الطاقة تسعر الكيلو وات 410 ل.ل. على أساس سعر تنكة المازوت 27 ألف ل.ل. وفي عام 2017 رفع سيزار أبو خليل تسعيرة الكيلو وات إلى 420 ل.ل. في حين أن سعر تنكة المازوت وصل يومها إلى 15 ألف ل.ل. أي الفارق كان 12 ألف ل.ل. عن كل تنكة مازوت. أجريت اتصالات أدت إلى خفض التسعيرة إلى 338 ل.ل. لكل كيلو وات.

طلبت من الصديق أعطاني مثلاً حياً عن عمل مولد بقدره KVA 500، أوضح قائلاً: إذا عمل المولد بكامل قدرته فإنه يعطي 2100 أمبير أي يوزع على 210 مشترك لكل منهم 10 أمبير أو 420 مشترك لكل منهم 5 أمبير. وكانوا يعطون إنتاج 420 مشترك إلى 500 مشترك من خلال التلاعب بالذبذبة.

وبعد أن شرعت السلطة التسعيرة الأخيرة ارتفعت أرباح أصحاب المولدات كما أعتقد، أسأله: ولكن يقول بعض أصحاب المولدات أنهم بتركيب العدادات باتوا يخسرون؟ أجاب: كيف ذلك فإن التسعيرة ويضاف إليها 10% تغطي كل المصاريف بالإضافة إلى ربح قليل وإذا أضيف إليهم الاشتراك الشهري وهو ربح خالص. أي مولد بقدرة 500 KVA يزود 210 مشترك بقدرة 10 أمبير وعلى كل مشترك دفع 15 دولار بدل اشتراك وهذا يعني 3150 دولاراً أميركياً ربح صاف فأين الخسارة؟ وحول حاجة صيدا، قال: نحن بحاجة إلى 110 ميغاوات لتغطية احتياجات صيدا الكبرى، وأن عدد أصحاب المولدات قد وصل إلى 38 صاحب مولد.

وماذا عن حل مشكلة الكهرباء؟ ضحك طويلاً وقال: الحل بسيط وسهل جداً أن يكون هناك قرار بإنتاج الكهرباء وترميم وإعادة نظر بشبكات التوزيع. وهذا يتطلب سلطة تهتم بقضايا الناس وليست سلطة همها محاصصة في شركات مقدمي الخدمات واستيراد الوقود والحصول على نسب من أرباح أصحاب المولدات تحت حجة حمايتهم.

مَثَلٌ.. وحادثة

أقبل صديق آخر متدخلاً وقال: المنافسة هي سيد الموقف بين أصحاب المولدات ومن يستطيع الدفع أكثر للحماية قادر عن المنافسة. وأعطي مثلاً عندما حاول بظاظو العمل في حي الزهور قدم العكاوي عرضاً للمشتركين بتزويدهم بالتيار الكهربائي مجاناً لفترة من الزمن، وعندما حصلت مشكلة في السوق التجاري وأعطت البلدية ترخيصاً لشخص من آل الددا كي يلتزم بتقديم الخدمات وفق العدادات، أحد أصحاب المولدات القدامى قدم له مبلغاً من المال وألغى الددا المشروع برمته. عام 2015 بدأت البلدية بإعطاء التصاريح لأصحاب المولدات شرط الالتزام بتسعيرة الوزارة. وكل صاحب مولد، تعهد حسب معرفتي بالالتزام. بعض أصحاب المولدات حصلوا على تراخيص من قبل المحافظ مثل صالح شحادة. حتماً هناك حمايات من قبل قوى مختلفة من السلطات. هل يذكر أحد حادثة مولّد حسن العدلوني؟

اقرأ أيضاً: إطالة أزمة الكهرباء في لبنان حوّلت صاحب المولِّد إلى «شركة كهرباء»

أسأله ما هي الحادثة؟ أجاب: غريب أمرك ألم تسمع بها؟ كان العدلوني قد استأجر أرضاً في قرية كفريا لوضع مولدين. لكن أحد المولدات اختفى خلال نقله إلى الأرض المذكورة وتعرض سائق السيارة إلى الضرب، وقد تقدم بشكوى ضد الخاطفين المعروفين الذين لم يتم استدعائهم للتحقيق أصلاً. وبعد أن قدم العدلوني شكوى قضائية، اتصل به أحدهم وهو من أصحاب رؤوس الأموال وتعهد بتأمين كامل المصاريف التي دفعها شرط الخروج من سوق المولدات، وهكذا كان وكل شيء على ما يرام وهذا ما يحصل في معظم الأماكن. وهذا نموذج عن المنافسة المحمية.

(هذا المقال نشر في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 171 ربيع 2019)

السابق
مساحة العقل في الأديان
التالي
السفير الخوري تفقد اللبنانيين في كازاخستان واجتمع مع حاكم ولاية أتيراو وطلب تأمين سلامتهم والقيام بالتحقيقات اللازمة