إطالة أزمة الكهرباء في لبنان حوّلت صاحب المولِّد إلى «شركة كهرباء»

محمد السيد
نظمت شؤون جنوبية حلقة نقاش حول أزمة الكهرباء المستفحلة في لبنان تحت عنوان: "المولدات الكهربائية حل مؤقت أم سياسة مستدامة. شارك فيها المهندس بلال شعبان وهو ناشط ترأس لائحة صوت الناس في الإنتخابات البلدية الأخيرة عام 2016 في مدينة صيدا، والمهندس محمد السيد وهو مستشار رئيس البلدية وكان يتابع العلاقة ما بين بلدية صيدا و أصحاب المولدات الكهربائية في منطقة صيدا، ومنسق أصحاب المولدات الكهربائية في منطقة صيدا علي بوجي، وذلك عند الساعة السادسة بعد ظهر السبت 27 نيسان 2019 في قاعة اشبيليا في صيدا. ادار النقاش الزميل وفيق الهواري.

تحدث المهندس محمد السيد و مستشار رئيس بلدية صيدا فقال:

المولدات الكهربائية حل مؤقت أم سياسة مستدامة، اعتقد للإنطلاق بحلقة النقاش هذه لا بد من تصويب العنوان لأن المولدات الكهربائية هي نتيجة لسياسة عامة لادارة قطاع من أهم القطاعات ومن خلاله نستطيع تطوير عجلة الإنتاج ووضع البلد على طريق التطور والتقدم. لذلك أرى أن العنوان افضل أن يكون: الكهرباء في لبنان أزمة سياسة عامة وليست أزمة مولدات وعدادات.

واقع الكهرباء:

و أضاف السيد: عشية الحرب الأهلية كان هناك فائض في الإنتاج، لكن بعد انتهاء الحرب والوصول الى اتفاق الطائف و نتيجة الأعمال الحربية و عدم صيانة المحطات و الزيادة الطبيعية لاستخدام الطاقة جراء الزيادة السكانية. كل ذلك أدى الى تقنين في التيار الكهربائي بمعدل 2-4 ساعات يوميا. لكن قطاع الكهرباء شهد تدهورا واسعا حتى وصل عام 1996 الى تقنين ما بين 8-10 ساعات يوميا على الرغم من الحديث الدائم عن محاولات لوضع خطة وطنية شاملة لقطاع الكهرباء. إلا أن هذه المحاولات فشلت لتضارب مصالح السياسيين المستثمرين. لكن عام 1998 اقتصر التقنين على 3-4 ساعات يوميا بعد بدء عمل محطتي دير عمار والزهراني. و يبدو ان الاسباب السياسية منعت من اكمال تنفيذ الخطة على الرغم من تعاقب اغلب الاحزاب السياسية على وزارة الطاقة، من الرئيس نبيه بري الى محمد يوسف بيضون، محمد عبد الحميد بيضون، جورج افرام، ايلي حبيقة، سليمان طرابلسي، ايوب حميد، موريس صحناوي، محمد فنيش، الان طابوريان، جبران باسيل، ارتور نظريان، سيزار ابو خليل وندى بستاني.

اقرأ أيضاً: أصحاب «المولدات الكهربائية»: لسنا «قرطة حراميّة» ولا مافيا استغلاليّة!

وهنا برز سؤال جديد: هل سننجح اليوم بالانطلاق في تنفيذ الخطة الجديدة التي هي صورة طبق الاصل عن خطة 2010 وتشبه خطة 1996 التي كانت بدون بواخر.

وأوضح السيد: أعتقد ان اللوبي المؤثر على القرار السياسي يجمع شركات بيع المشتقات النفطية مع شبكة اصحاب المولدات الذين يحظون بدعم سياسي بالاضافة الى اصحاب البواخر المنتجة للطاقة لن يسمح بإزالة العوائق و تنفيذ خطط لمعالجة جديدة لأزمة الكهرباء. و من هذا الوضع نستطيع الاطلالة على ظاهرة المولدات الكهربائية نشأتها، دورها و تأثيرها:

اشتراكات المولدات الكهربائية:

شرح السيد قائلا: الاشتراكات في المولدات الكهربائية نعمة و نقمة في الوقت نفسه، انها نشأت في اوائل التسعينيات نتيجة الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي و ازدياد ساعات التقنين و تخلي كهرباء لبنان و وزارة الطاقة عن مسؤولياتهما تجاه المواطنين. بعض الناس يوجه نعوتاً سيئة لاصحاب المولدات وقد فاته ان المسؤولية تقع على عاتق الدولة و اجهزتها و اداراتها بالكامل الى جانب الهيئات الرقابية. ولا بد من الاشارة الى أن موزعي اشتراكات التيار الكهربائي كانوا الحل المؤقت في البداية ما بين عامي 1992-1996 لتأمين الحد الأدنى من شروط و متطلبات الحياة لتخفيف المشكلات بين المواطنين بسبب تشغيل المولدات الخاصة الى ساعات متأخرة الى جانب تزايد التلوث البيئي و الكلفة العالية للمولدات العاملة على البنزين و لانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من اربع ساعات يوميا و ارتفاعها الى أكثر من 10 ساعات يوميا بسبب الاعتداءات على المنشآت و محطات التحويل في اكثر من مكان. و كانت البدايات لاصحاب مؤسسات تمتلك اجهزة تبريد بحاجة الى طاقة 24/24، و التي شارك فيها عدد من المقيمين بجانبها. بعد ذلك برز “ديك الحي” او القبضاي الذي تعهد بتأمين الحماية للمولدات الموضوعة في الشوارع مقابل بدل مقبول يضاف الى ارباح معقولة حتى عام 1998 عندما تم تشغيل محطة الانتاج في دير عمار و الزهراني كل بقوة 270-320 ميغاوات و لكن بغياب التوربين العكسي التجاري و شغلت بالديزل و الفيول أويل لغياب شبكة الغاز التي كان من الممكن ان تجعل المحطة تنتج 400 ميغاوات و التوربين العكسي 200 ميغاوات و عندها تكون انتاجية كل محطة 600 ميغاوات و هذا لم يحصل.

نعود الى موضوعنا، عام 1998 عاد التقنين الى 2-4 ساعات يوميا ما دفع العديد من المواطنين للتخلي عن الاشتراك بالمولدات و العودة الى البطاريات و لكن في اواسط عام 1999 عاد التقنين الى 8-10 ساعات يوميا نتيجة توقف التوربينات القديمة في معمل الجية والذوق وعدم تركيب توربين تجاري معاكس في الزهراني حتى عام 2000 و دير عمار حتى عام 2002. هنا عادت حاجة الناس الى المولدات و كانت الكلفة معقولة حتى عام 2006 حين شهد لبنان اعتداء اسرائيليا واسعا طال محطات التوليد و التمويل و خطوط النقل و صارت المولدات الكهربائية تؤمن التيارالكهربائي من 16 الى 22 ساعة يوميا في بعض الأماكن. وبالتالي تحول صاحب المولد الكهربائي الى شركة كهرباء وبعد صيانة محطات الانتاج و التحويل بقي التقنين على حاله.

شؤون جنوبية171

وبقيت أسعار الاشتراكات في صيدا مقبولة و أقل من غيرها في المناطق الأخرى حتى عام 2010 حيث تدخلت وزارة الطاقة لوضع حد لفلتان التسعير في معظم المناطق اللبنانية عبر لجنة علمية وضعت الأسس السليمة للتسعير من خلال جدول يتناول عمل المولدات يستند الى قدرة المولد وكمية الاستهلاك مع احتساب المصاريف الثابتة بمجموعها 5$ تقريبا عن كل مشترك. واعتمد نسبة المحروقات لعمل المولد بطاقته القصوى. وأقر الجدول بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء ما أضفى صفة الشرعية على انتاج الطاقة للمولدات والتي تؤمن 33% من حاجة لبنان الى الطاقة والتي تزيد نحو 1,6 مليار دولار كفاتورة استيراد المواد النفطية مما يزيد من أعباء المواطن بالاضافة الى التلوث البيئي الذي يزيد من الفاتورة الطبية. ويزيد في الوقت نفسه على المؤسسات الصناعية مبلغ 400 مليون دولار كأعباء اضافية على كلفة الإنتاج.

واضاف السيد: سياسة التسعير والتشريع فتحاً شهية الكثير للدخول الى هذا السوق الرائج واوجد منافسات بين المستفيدين أدت الى صراعات مسلحة ودامية بينهم وكلنا نذكر اشتباك حي الزهور و نزلة صيدون و ما تبعه عن حوادث مؤسفة بالاضافة الى السطو المسلح على مولد العدلوني. وكل ذلك تحت سيادة حماية سياسية و امنية تصل الى حد الشراكة مما تدره من ارباح ليست قليلة. وهذا نموذج لمنطقة مثل صيدا فيها أكثر من قوة سياسية. أما في المناطق ذات اللون السياسي الواحد فالأرباح كثيرة ومحمية. وفي كل الحالات المواطن هو الضحية.

غياب الهيئات الرقابية

وعن دور الهيئات الرقابية، قال السيد: لا بد من التوقف عند غياب الهيئات الرقابية في وزارة الاقتصاد ويقولون ان غياب العنصر البشري وأهل الاختصاص يمنعهم عن القيام بدورهم وعلى سبيل المثال، في محافظة الجنوب هناك مدير لمصلحة حماية المستهلك و عدد المراقبين لا يزيد عن خمسة او ستة أشخاص ما دفع وزارتي الاقتصاد و الطاقة الى رمي الكرة في ملعب وزارة الداخلية والبلديات وتحميل الاخيرة مسؤولية متابعة هذا الملف و البلديات ايضا لا تمتلك الفريق المناسب لمتابعة الموضوع بشكل حيثياته.

هذا الوضع دفع بعض البلديات لتكون شريكا، و البعض الآخر بتغطية سياسية للصراع والمناقشة مع اصحاب المولدات. و من جهة أخرى بدأت وزارة الطاقة بالإتجاه بعيدا عن القاعدة العلمية بتسعير الطاقة.

و لنا في بلدية صيدا تجربة مع الوزارات إذ كنا من الأوائل طرحنا فكرة العدادات إلا أن وزارة الاقتصاد عام 2015 وقفت ضد ذلك و أخذت قرارا بمنع اصحاب المولدات من تركيب العدادات و هذا يعطي صورة عن العشوائية لعمل الوزارات من سياسة التسعير الى سياسة العدادات.

اقرأ أيضاً: ندوة «شؤون جنوبية» عن قطاع المولدات الكهربائية… شعبان: لا للحلول المؤقتة والعشوائية!

خوف أصحاب المولدات من تركيب العدادات

و اخيرا يمكن ان نشير الى ان العدادات تخفض فاتورة المولد ما بين 25% و 65% و هذا ما يمنع عدداً من اصحاب المولدات من تركيبها خوفا على الارباح الخيالية التي يجنونها حالياً.

و اختم ان المواطن يدفع جراء ذلك ستة فواتير:

1- فاتورة كهرباء لبنان التي اكثر من نصفها رسوم وضرائب.

2- فاتورة المولد الكهربائي.

3- فاتورة صيانة الادوات الكهربائية بسبب عمل المولد.

4- الفاتورة البيئية جراء التلوث.

5- الفاتورة الصحية التي ترتفع يومياً.

6- فاتورة الدين العام المتزايد بسبب عجز كهرباء لبنان.

من كل ما اتقدم أرى أن المولدات سياسة مستدامة نتيجة فشل تطبيق الخطط الاستراتيجية. كل ازمة قطاع الكهرباء من خطة 1996 الى خطة 2010 وما رافقها من حملات اعلامية واعلانية الى الورقة الأخيرة المتعلقة بقطاع الكهرباء عام 2019 التي أقرها مجلس الوزراء مؤخرا والتي تفتقر الى الشفافية من خلال الارقام المقدمة وغياب الرقابة من خلال إقرار قوانين ومراسيم وإلغاء أخرى وغياب معايير الانتاج والكلفة.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 171 ربيع 2019)

السابق
الخلاف بين المراجع الدينية: صراع على الأموال!
التالي
ردّا على استفزازات باسيل.. النائب الحجار: «المستقبل» قرّر المواجهة