الخلاف بين المراجع الدينية: صراع على الأموال!

يختلفون مع بعضهم البعض ويحاربون بعضهم البعض بأساليب قطعية فتاوائية، مع أن الدين واحد، والمذهب واحد، والمنهج واحد.. فما هو سرّ خلافهم، إنه الصراع المادي.

أثار ارتفاع نسبة الفقر في لبنان في السنوات الأخيرة القلق الكبير لدى المراقبين والمختصين لما لهذه النسبة من تبعات سلبيّة على المجتمع اللبناني، الأمر الذي يوجد مشاكل عديدة ويساهم بشكل مباشر وغير مباشر بتفسّخ الروابط الإجتماعية وارتفاع نسبة الطلاق والقتل، إضافة إلى انتشار السرقة والمخدرات.فآفة الفقر لا تضاهيها آفة، لدرجة قال معها الإمام علي بن أبي طالب “لو كان الفقر رجلا لقتلته”.

المشكلة ليست هنا، المشكلة موجودة في أن المال متوفر في أماكن كثيرة بين أيدي الناس، ولكنه محبوس عن المحتاجين له. فالوزارات تنفق على مؤتمرات تبحث في كيفية معالجة آفة الفقر المليارات، لكنها لا تتقدم خطوة واحدة في هذا المجال.

اضافة الى الجمعيات والمؤسسات واللجان التي تتحدث باسم الفقير والمُعدم والمُحتاج والمُعوز وهؤلاء كثر، بل أكثر من أن يُعدوا.

فنرى العوائل الفقيرة المستورة تقف في أروقة المؤسسات الخيرية، باذلة ماء وجهها لأجل حفنة من الليرات التي لا تُغني ولا تُسمن.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين اجتهاد السيد فضل الله، واجتهاد باقي المراجع؟

وغالبا ما تكون الأموال المنفقة على الفقراء والمحتاجين من أموال الصدقات والخمس والزكاة التي تجمعها المرجعيات الدينية الإسلامية، وبالأخص الشيعية، من صناديق الصدقات التي باتت كالفطر تنتشر على الطرقات وفي المحال التجارية.

إلا أن المفارقة العجيبة الغريبة أن المال الذي تجمعه الجمعيات والمؤسسات واللجان هي من الناس وللناس، ولكن المسؤولين عن هذه الصناديق يحولونها إلى مصدر استنفاع لهم والترويج لأنفسهم باعتبار أنهم هم المتبرعون علما أنه خلف هذه الصناديق والغرف الزجاجيّة الموسميّة مراجع كبيرة في النجف وقم وبيروت والضاحية.

فهم بذلك يأخذون من الناس ليوزعوها على الناس بإسلوب فيه الذل والإهانة دون أي رادع أو وازع.

فلما لا يعمد المستطيع اللبناني، المسلم، المقتنع بمبدأ التكفل والتكافل إلى إيصال صدقاته إلى المُكلّف، كما كان قد أفتى السيد علي السيستاني؟

ولما لا يُصار الى صرف أموال الصدقات والزكاة بطريقة تحفظ ماء وجه هذه العوائل والإبتعاد عن الإذلال والإنتظار على الأبواب كمثل من يشحذ.

مع العلم أن المتبرعين الكبار يقصدون مكتب هذه المرجعية أو تلك ويبذلون من المال الكثير لأجل مساعدة الناس ودفع الخمس والزكاة الشرعي، وغيره من الأعمال الإنسانية.

فالمراجع الدينية الشيعية، وكما هو معروف للمطلعين مؤسساتها غنية بسبب ما يتم تحصيله من حقوق شرعية، وتحوم شبهات فساد حولهم، فهم يورثون اموال التبرعات والزكاة لأولادهم بعد موتهم رغم انهم لم يتعبوا بتحصيل قرش واحد منها، خصوصا ان الفقه الشيعي سمح بجباية “الخمس”، اي ان على المؤمن الشيعي ان يدفع فريضة خمس ما يملك من أموال للحاكم للمرجع الديني الذي يقلده.

ويردد الشيعة احاديث الإمام عليّ التي تحث على الزهد، الا ان مراجعهم يبررون رفاهية عيشهم بأن عليّا هو وليّ أمر المسلمين، ويجب عليه أن يعيش كأفقر مُسلم في العالم. أما هم فليسوا بأولياء أمور المسلمين في هذه النقطة بالذات. أما في إدارة الأمور السياسيّة والإجتماعية والحياتية فهم يبسطون سلطتهم على الناس في مأكلهم ومشربهم وزواجهم وطلاقهم.

فالحياة الرغيدة التي يعيشها معظمهم، والتي تبعد كل البعد عن صفة (طالب علم أو عالم) تتناقض كليّا مع سيرة الإئمة وأهل البيت.

واللافت أن الصراع بين المراجع الشيعية الخفيّ هو صراع ماليّ، فبعد وفاة كل مرجع يختلف الباقون من المتصديّن للمرجعية على التوريث الديني لأن أموال المرجع الراحل ستؤول إليه.

ولأن المرجعيّة هي من أغنى المؤسسات في العالم البعيدة عن أية رقابة أو ضريبة أو محاسبة، فهي تحكم بسلطة الدين وتأخذ من المكلف أمواله بسلطة الفتوى والخمس والزكاة والصدقات والوصايا وكل ما يتبعها من عالم المؤسسات.

فلو نظرنا إلى المراقد في النجف وقم ومواقع أخرى في العالم الدينيّ الحوزويّ الشيعي لوجدنا أن هذه المراقد من أفخم المواقع والأماكن تزدان بالذهب الخالص في حين أن جيران المراقد المقدسة هم من أفقر الناس، وطرقاتهم هي من أردأ الطرقات، وبيوتهم هي من أسوأ البيوت، بلا مدارس ولا وسائل نقل، ولا حداثة. والمضحك المبكي أن هؤلاء السكان وجيران المراقد يعمدون الى التبرع لصندوق المقام والنذورات، وهم أصلا محتاجون لها. وهذا كله بسبب الخطاب الديني والتعبئة المتعصبة.

فمتى يعمد المراجع إلى التوقف عن تسيير الناس باتجاه واحد: بذل النذورات والتبرعات للمقام رغم فقرهم المُدقع، والترويج للسكوت عن وضعهم المزريّ. إضافة إلى توجيه الفقراء نحو الإعتقاد أن المساعدات هي من المرجع الفلاني، وليست من الناس والمواطنين الآخرين.

إنهم يديرون لعبة خطيرة لا يمكن فهمها على الإطلاق.. فمن أموال الناس يسيطرون على الناس، وباسم الدين يفرضون سلاح الطاعة للولي الفقيه وللمرجعية.

السابق
نتانياهو: نحو مليار دولار من إيران لحزب الله سنويا
التالي
إطالة أزمة الكهرباء في لبنان حوّلت صاحب المولِّد إلى «شركة كهرباء»