تعيينات حزب الله في المناطق (2): قطوع البقاع الانتخابي كان رسالة تغيير!

نواب حزب الله
في بعلبك والهرمل، لم تكن الانتخابات البلدية والنيابية نزهة، ويُحسب لماكينة حزب الله الانتخابية جهوداً مكثّفة لاستثارة النّاس، حيث لم تألُ جهداً في اللجوء إلى وسائل وأساليب مختلفة لتحقيق نتائج مرضية. فكيف الحال في غيرها من المناطق، وهي التي تُعدّ معقلاً للحزب والمقاومة وحصناً؟

في أسباب تراجع الجذب الحزبيّ، يُمكن ذكر الأداء المترهّل للقطاعات الحزبية، التي خيّبت في أحيان كثيرة حَرَاك أبناء المنطقة التوّاقين إلى تحقيق إنجازات تليق بمنطقة غنيّة كمنطقة البقاع وبعلبك. ولا شكّ في أنّ حديث حزب الله في المناسبة بخصوص الجيوش الإلكترونيّة قد استفزّ النّاس حينها، إذ لم ينظر إلى معاناتهم، فاضطُرّ في وقت لاحق إلى تعديل الخطاب واللهجة مسايرةً للمزاج الشعبي، خصوصاً أنّ المنطقة كانت تتلقّى ضخّاً مركّزاً من الأطراف المناوئة للحزب، سواء من داخل البيئة الشيعية أو من بيئة القوات اللبنانية وتيار المستقبل، حين تحالف الجمعان على قاعدة عشائرية صلبة، شكّل ركنيها النائب السابق يحيى شمص وزميله رفعت المصري، مع إمكانيات مالية ضخمة؛ وما كان لهما هذا الوقع لولا التجربة المتعثّرة لنواب المنطقة ووُزرائها الذين كانوا يجدون سلوتهم في الخطاب السياسي، ويُهملون أولويات الناس اليوميّة، وما كان لواحدٍ منهم أو اثنين أن يقوما بكلّ الواجبات ويُسقطا عن بقية الفريق تكليفه الشرعيّ والدستوريّ.

اقرأ أيضاً: تعيينات حزب الله في المناطق (1): بين التبرّم الخارجيّ والضغط الداخليّ

يُمكن في هذا الإطار ذِكر السَّلبيات التي التصقت بسنواتٍ من العمل السياسيّ مثل انفلات الأمن في المنطقة، وارتفاع عدد الملاحقين أمنيّاً، في مقابل فشل جهود أبناء المنطقة في استصدار عفوٍ عامٍ عن المطلوبين الذين يتعدّى عددهم عشرات الآلاف، بالإضافة إلى قلّة التوظيفات في الملاكات الرسميّة، وتأخر بناء سدّ العاصي، وفشل مشروع مراكز جمع الحليب والزراعات البديلة وتصدير المحاصيل الزراعية والرزنامة الزراعية في منطقة هي الأغنى تربةً ومياهاً ومحاصيل. وليس مهمّاً بعد ذلك أن يكون المسبّب هو الفريق السياسي الحالي أو السابق، بل الأهمّ هو فشل الفريق الحالي في تقديم حلول ناجعة، لولاها لما كان هناك من سبب لوجوده في السلطة، بعد إزاحته من كان قبله فيها؛ وفي ذلك تطبيق لمنهج الحزب الذي يأخذ بسيرة الإمام علي حيث يقول في ذكر مصر: “… بِلَاد قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ”.

سيُورد نوّاب الحزب ووزراؤه الكثير من الحجج والذرائع والتبريرات الكثير، وهيهات يُقنعون موجوعاً أو طَموحاً فيما مبرّر تسنّمهم مركبَ السلطةِ هو ادّعاؤهم القدرة على تقديم حلول ناجعة. فهل يُقنعون البقاعيين بإنشاء محافظة لم يصحبها شيءٌ من المرافق الحيوية والإنتاجية والاستراتيجية التي تُثبّت الناس في أرضها، وتبعث في حقولها النماء، وتستكمل دورة الإنتاج والاقتصاد المحليّ؟

المنطقة الحزبية الخامسة تدخل عصر القيادة المحليّة

وبالانتقال إلى المنطقة الخامسة، التي تتضمّن جبل لبنان الشمالي وصولاً إلى عكار، فهي ليست أحسن حالاً من أختها البقاعيّة، بل تعاني ضعف ذلك، وقد جرى للمرّة الأولى تعيين فرد من أبنائها في موقع المسؤولية الأولى، بعد أن كانت تجري الاستعانة بمسؤولين من الجنوب والبقاع لتولّي القيادة هناك. والملاحظ أنّ تلك المنطقة لم تستطع تحقيق إنجازات في العهود المختلفة، لا على صعيد الإطارات الحزبية، ولا على الصعيد الشعبي، إذ ظلّ الوجود الحزبي برّانياً، ولم يجد بيئته في المجتمعات المحليّة، خصوصاً على مستوى الكوادر، وبقي الولاء قوياً للانتماءات القديمة، وعابراً للمذهب. وكشفت الانتخابات المختلفة ضعف المستويين المشار إليهما، وفق الأسباب التي رآها مسؤول المنطقة السابق الشيخ حسين زعيتر حين تحدّث عن ضعف شامل. ثم جاءت عهدة المسؤول المعزول، فكرّست تراجعاً في العلاقة بين الحزب والجمهور بسبب المعايير الشخصيّة والعائلية والنفعيّة التي طبعت أداء الدائرة ذات المسؤوليّة في الإبعاد والتقريب، في الوقت الذي كان الجمهور دائم الشكوى من تلك الممارسات، ويزداد ضعفاً في مساندة الحزب.

هذا الواقع، وما بنت عليه قيادة المنطقة قرارها بترشيح مسؤولها في دائرة جبيل – كسروان، وهو من خارج المنطقة، وضع الحزب في مواجهة مع جمهوره ومع حليفه التيار الوطنيّ الحرّ، وإن تباين الجمهور والتيّار – ولا نزكّي موقف التيّار – الذي فضّل الاستثمار في المرشّح الشيعي المحلّي ربيع عوّاد؛ وبذلك خسر الحزب مرشّحاً كنائبه السّابق الذي أتقن رقص التانغو، باتّساقه مع الخطّ السياسيّ للحزب، وحصوله على رضى التيّار الوطنيّ الحرّ. لكنّ المرشّح زعيتر لم يستطع الدخول في اللعبة المحليّة أو أيّ لائحة من اللوائح القويّة المتنافِسة، ما ألجأه إلى تشكيل لائحة كيفما اتّفق، من قدامى الأحزاب المسيحية، وكان أهمّ وجه فيها هو الوزير الأسبق جان لوي قرداحي، الذي لم يستطع المنافسة على بلدية جبيل بعد غروب عهد الرئيس الأسبق إميل لحّود! وذلك رتّب على الحزب أعباء حملة انتخابية ومرشّحين شديدي الضّعف، في ظلّ توقّعات مخالفة لمعطيات الواقع التي كانت تؤكّد لعامة الناس والمراقبين أن لا حاصل انتخابياً يُمكن أن يناله المرشّح زعيتر وصحبه، في وقت كانت مفردات الحملة الانتخابية كلّها ذات عائدات سلبيّة، نتيجة العقليّة الجبليّة غير المرنة، والتي لم تتقبّل ما يُخالف بُنيتها الذهنيّة المستقرّة! ولم تصل تلك الدلالات إلى المرشّح وفريقه إلا في الوقت القاتل.

وقد سبقت تلك الانتخاباتِ انتخاباتٌ بلديةٌ أسّست للافتراق الحزبي إزاء القوى المحليّة في المنطقة، بعد أن أولت المنطقة الحزبيّة في الانتخابات المحليّة البلدية أولويّتها للعنصر الحزبيّ على حساب التمثيل العائلي والوازن لأبناء البلدات، فجاءت المجالس البلدية هزيلة على مستوى العناصر ورؤساء المجالس البلدية. فمن أصل 12 مجلساً بلدياً في القرى ذات الأغلبية الشيعية في جبيل وكسروان، يحمل اثنان من الرؤساء إجازة علميّة فيما الرؤساء الآخرون من غير المتعلّمين أو من حملة الشهادات المتوسطة أو الثانوية، مع افتقادهم للخبرة المؤسساتية. وقد أثبتت التجربة خلال الفترة المنصرمة ضعف الأداء في انسجام طبيعي مع المقدّمات العلميّة المتواضعة. وما زاد الطين بلّة أنّ التمثيل البائس أدّى إلى إهدار عشرات الملايين من الليرات دون نتائج مقبولة؛ ومثال ذلك بلدية استلمتها الثنائية بحوالى مليار ليرة لبنانية وبدّدها الإسراف المستتر أمام مبادئ الشفافية والإدارة الجيّدة والفاعلية. وبفريق ضعيف الإعداد والتخطيط والحيلة لم يستطع المرشّح الحزبيّ الاستجابة للتحدّي المذهبي المواجه، بل ساهم في تأجيج المزاج المناوئ، وفشل في تجاوز عتبة البلدات الشيعية، بل دخل المرشّحون الآخرون عليه من أقطارها، ونالوا في رحابها أصواتاً!

اقرأ أيضاً: مكافحة الفساد: هل قرر حزب الله أن ينزل عن سقف القانون؟

واليوم يخطو الحزب بناءً على محاكمة المرحلة المنصرمة، ويستجيب لجسمه الراغب في الاستيقاظ من سبات مزمن، عزّزه مهندس المنطقة وقائدها والفريق المحيط، الذين كانوا يرتأون ويُباشرون بغضّ النظر عن النتائج المتحصّلة، وهو ما لم ينل رضى الحزب في نهاية المطاف.

فمن نقطة البؤس الحالية يبدو الرّهان الحزبيّ اليوم على ابن المنطقة الشيخ محمد عمرو لاعتبارات مختلفة، ليس مهمّاً سردها، بل الأهمّ هو إثباته فاعليةً في تجاوز الممارسات السابقة، وإعادته التوازن إلى عمل منطقته الحزبيّة، واعتماد معايير تتمتّع بالقدرة على توسيع قاعدته التمثيلية في منطقة ذات حساسيّة، وتجربة تاريخية، وإمكانيات مستقبليّة، ولا ينقصها نافخ في بوق الفتنة والتحريض، وقد فعل!

السابق
داعش تتبنى اعتداءات سريلانكا
التالي
كبارة: السفارة في الرياض ستبدأ تقديم خدماتها القنصلية لأبناء الجالية اللبنانية في الشرقية