تعيينات حزب الله في المناطق (1): بين التبرّم الخارجيّ والضغط الداخليّ

حزب الله

تناقل الإعلام اللبناني خبر إجراء حزب الله تغييرات قياديّة، ضمن هرمه التنظيميّ، بناءً على قرارات أعلى سلطة حزبيّة متمثّلة بمجلس شورى الحزب، كان من أهمّها تسمية النائب السابق محمد ياغي (أبو سليم) معاوناً تنفيذيّاً للأمين العام، وتسمية السيد حسين النمر مسؤولاً لمنطقة البقاع، والسيد حسين ناصر مسؤولاً لمنطقة الجنوب، ثّم الشيخ محمد عمرو مسؤولاً للمنطقة الحزبية الخامسة، في مقابل تعيين المسؤولين “المعزولين” معاونين لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيّد هاشم صفيّ الدين.

وقد ربط عددٌ من “المحلّلين” بين الخطوة الحزبيّة وموجة محاربة الفساد، وربّما غالوا في “التحليل”، وفي ادّعاء دلالاتٍ ليست واقعيّة، لا تقوم إلا على خلفيّات شخصيّة و”سناريوهات” تحريريّة، إذ ذهب البعض إلى وضع الأمور في سياق تنافس الأجنحة ومراكز النفوذ في داخل التنظيم الحزبيّ فيما ذهب البعضُ إلى اعتبار التّسميات ضعفاً في قبضة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على القرار الحزبيّ؛ وكلّ ذلك من دون التدقيق في التّسميات وعددها، وهي التي لم تكن شاملة وعامّة، بل موضعيّة ومحدودة. وفي المقابل، رأى البعض أنّ التّسميات ليست سوى “مناقلات” بين عددٍ من القيادات، ولا تُشكّل الأسماء المعلنة تطوّراً نوعيّاً في ميدان محاربة الفساد، كما لا تستجيب لنبض الجسم الحزبيّ، ولا لمزاج الجمهور العريض الذي لم يجد الأسماء أهلاً للقيام بأعباء خدمته.

هل تعيينات حزب الله تناغم مع الجمهور أم استحقاق حزبيّ داخليّ؟

إذا أغضينا عن الاعتبارات الصحيّة التي أشارت إليها بعض الأنباء في ما يتعلّق بالنائب السابق محمد ياغي (أبو سليم)، فإنّ ما يسترعي الانتباه في التعيينات أنّ عدد الأشخاص المعيّنين – وَفق ما أُعلن – في رتبة المعاونيّة قد جرت إقالتهم من القيادة التنفيذيّة في المناطق، وأحيلوا إلى العمل البيروقراطي، ما يُعدُّ بنحو من الأنحاء، تحجيماً للدور التنفيذيّ للشخص المعنيّ وفريقه المساعد، في ظلّ حرص التّسميات على إبقاء الذين استُبدلوا في صفوف المقدّمة الحزبيّة، بالإضافة إلى حفظ تقدير الحزب لتاريخهم وجهودهم المختلفة – وهي عادة لديه –  خصوصاً أنّهم من الأسماء المعدودة ضمن الرّعيل الأول من كوادر ومسؤولي الحزب.

ومن الطبيعي أنّ جسماً حزبيّاً كبيراً كحزب الله يتطلّب تغييرات في مواقع المسؤوليّة وصفوف عديده، بل إلى تطوير هيكليّ يواكب امتداده وخبراته ووظائفه، وهو ما لم يحصل منذ فترة طويلة كما هي حال بعض مسؤوليه الذي ما يزالون في مواقعهم منذ أكثر من “ولاية” حزبيّة، ومن دون أن يجترحوا المعجزات أو أن يُحقّقوا إنجازات تُحسب لهم؛ والفضل في ذلك يعود أساساً للحرب السوريّة ومضاعفاتها.

في ظلّ الوضع السابق، لم يجرِ حزب الله تعديلات معلنة أو ظاهرة، بالرّغم من تعالي صرخات الشكوى في بيئته الحاضنة، جرّاء كثيرٍ من الممارسات، التي منها الفساد المالي والعقاري والأداء السياسي. سيقول البعض إنّ الظروف الوطنيّة والإقليميّة كانت مبرّراً لتثبيت الحزب قواعد عمله واشتباكه، خصوصاً الحرب الضروس في سوريا، التي أرخت بثقلها على الجمهوريّة اللبنانية بأجمعها، وأدخلت الحزب في سلسلة من الاستحقاقات العسكرية والسياسيّة التي أجهدته، فتفرّغ لجبه أخطارها الداهمة، بناءً على القاعدة الأثيرة في فضاءات الثنائيّة، ومفادها “إبقاء القديم على حاله”، سواء على مستوى القاعدة أم القيادة، ما أسعد الكثيرين من المسؤولين، الذين اطمأنوا إلى “صلابة الأرض من تحتهم”، ولم يُعيروا “التبرّم” الشعبيّ كثيرَ اهتمام، وكثيرةٌ هي مواضعه ومواضيعه؛ وهو “تبرّم” تجلّى واضحاً في التصويت الانتخابي المتزلزل في الاستحقاقات التي مرّت، حين لم يكن بالإمكان تلافيه لولا الالتزام الحزبيّ والدينيّ الصّارم؛ والقصد أنّ تصويت جمهور الحزب لم يكن صمّاً كما في استحقاقات سبقت، بل ذهب إلى إعلان السّخط، في الوقت الذي ذهب مَن لم يُعارض إلى جعل صوته عسيرَ المنال انتخابيّاً، بل صمد في عالم “الممانعة” حتى الهزيع الأخير من الانتخابات، ولم يكن بإمكان عتاة الدوغمائيين الحزبيين إلا الانحناء أمام صوت “العامّة” من النّاس اعترافاً بالانحرافات.

وفي خضم ذلك الاستحقاق، لجأ الحزب إلى استثمار مكانة الأمين العام وهالته، فسارع إلى تعديل المزاج عاطفياً بـ “تهديد” السيد نصر الله بالخروج إلى ميادين البقاع تحديداً، وإلى كلّ منطقة أخرى، كما وجّه كلمات أثناء المهرجانات الانتخابيّة، لشدّ عصب الحزب وجمهوره، ولوصل ما انقطع بين القيادات المحلّية ومركز الحزب، مع إشارته إلى المخاطر الجدّيّة والحيثيات الأمنية والتهديدات، فَلَانَ الجمهورُ وقرّ على “بيعةٍ” مزمنةٍ.

لكنّ السّاحة كانت تعجّ بالكثير من التطوّرات، بل بالكثير من النقمة على الأوضاع المزرية عامّة، باعتبار أنّ المسؤولية التمثيليّة للمناطق المحرومة تقع على عاتق حزب الله وفريقه السياسيّ والقوى التي يُشكّلُ الحزبُ رافعتَها، بعد أن فشلت الجهودُ في التقليل من معاناة الناس.

اقرأ أيضاً: مرشح «البارشوت» عن «حزب الله» يثير النقمة في جبيل: من يهمّشنا هم الثنائية الشيعية

كانت الانتقادات تطاول الأداء السياسي، والإداري، والاقتصادي، والمالي، والاجتماعي… وَفق ما ظهر في الاستحقاق النيابيّ والبلديّ قبله، حين لم تحظَ معايير “الابتداع” الحزبيّة برضى العامّة من النّاس، لأنّها انساقت وفق رغبات “الخاصّة” من الناس، فيما الجمهور الحزبيّ والمذهبيّ كان قد أُتخم تثقيفاً يكاد يكون يسارياً، ودستوره “عهد الأشتر” الأثير لدى الإسلاميين الشيعة، وفيه توجيه الإمام علي بن أبي طالب للأشتر واليه على مصر، إلى حُسن التعامل مع عامة الناس، وفق القاعدة القائلة: “وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمّها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فإنّ سخط العامة  يجحف برضى الخاصة، وأن سخط الخاصّة يُغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤنة في الرخاء، وأقلّ مؤنة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكرًا عند الإعطاء، وأبطأ عذرًا عند المنع، وأضعف صبرًا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة. وإنّما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدة للأعداء، العامّة من الأمّة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم”.

قد يوحي السّرد الآنف بفاعليّة الاحتجاج الشعبي وانعكاسه على التسميّات الحزبيّة الأخيرة، لكنّه سيكون مخطئاً، لأنّ الحزب بما يُعرف عنه هو “حزب التكليف” الذي يُشخّصه أهل الخبرة، وَفق المعايير الشرعيّة، بغض النّظر عن جموع النّاس التي قد تكون في جانب الباطل، وفق منطق الأكثرية الجاحدة والأقليّة الشاكرة الثابتة على الحق! فالتسميات إذاً هي حاجة حزبيّة داخليّة، تتطلّبها حالة التراجع في الأداء الحزبيّ لا التراجع الكمّيّ والنوعي في خدمة المجتمع، من دون أن يعني ذلك إدانة للحزب أو غيره في هذا السياق، لأنّ المسؤوليّات تتحدّد بناءً على معايير للمحاسبة تشمل جميع القوى وإمكانياتها.

وبناءً على ما تقدّم، ووفق المعيار المشار إليه في التسميات الحزبيّة ودوافعها، تظهر منطقة البقاع الحزبية، بالإضافة إلى المنطقة الخامسة الشماليّة، هما المنطقتان المستهدفتان بالتغييرات الحزبيّة الأخيرة. وإذا استعدنا تجربة الانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة لوجدنا أنّ المنطقتين كانتا قد شهدتا تراجعاً في النتائج التي سجّلتها لوائح الحزب، بغضّ النّظر عن العدد الكلّيّ للمقاعد والرئاسات البلدية التي رسا عليها حصاد الحزب الانتخابيّ.

السابق
إسمع يا دولة الرئيس: المقال الختامي
التالي
بولا يعقوبيان: باسيل أداؤه سيء والكهرباء أكبر فضيحة