المقاومة قيمة، لا تجعلوا منها شماعة هنا، ورافعة هناك!

قبل الإنتخابات وبعدها، كانت المقاومة وتبقى أرقى وأنقى ظاهرة عرفها التاريخ كوسيلة يعتمدها أصحاب الأرض لتحرير أرضهم من الإحتلال وبناء دولتهم الوطنية القوية والعادلة، لكن المقاومة أصبحت على أيدي الطائفيين والمذهبيين هدفاً بحد ذاته، وشماعةً يعلقون عليها كل فشلهم وفسادهم وعجزهم عن بناء دولة تليق بتضحيات المقاومين.

حتى بات إسم المقاومة يطلق على مجموعات مسلحة تعيث في الأرض فساداً وعلى تنظيمات مذهبية تقاتل خارج أرضها وتغزو بلداناً وتحتل أراضٍ وتساند طغاة وتقتل شعوباً وتحمي فساداً وترشّح فاسدين، وكل هذه الموبقات تحصل تحت عنوان وعباءة مسمّى “المقاومة”، وبات هذا الإسم مخرجاً للهروب من المحاسبة والمساءلة، حيث أصبحت المعارك الإنتخابية على أنواعها البلدية والنيابية والرئاسية وحتى الطلابية تخاض تحت عنوان واحد قائم على التجييش والتحريض والتخويف والتخوين والتعمية هو “سلاح المقاومة” ومفاده بأن من ينافس قوائم حزب الله هدفه الوحيد هو نزع سلاح المقاومة خدمةً للعدو الإسرائيلي وليس له أي هدف آخر، عندها يصبح جمهور هذا الفريق أسير هذا الخطاب، فيتخطى حالة الغضب والإعتراض على واقعه المأساوي، وينسى إنقطاع الماء والكهرباء وتلوث البحر والأنهر وحالات التسمم والسرطان والغلاء والفساد، ويندفع للتصويت تحت تأثير موجة التجييش الطائفي والمذهبي.
فالمقاومة هي حق وواجب لكل شعب إحتُلّت أرضه، وهي من البديهيات التي يتفق عليها الأكثرية الساحقة من الشعب المحتلة أرضه، بإستثناء حفنة من العملاء ضعفاء النفوس الذين يبيعون كرامتهم وأهلهم وأنفسهم للعدو، لكن السؤال المطروح اليوم في زمن الإنتخابات: كيف يمكن لمن يحمل إسم المقاومة أن يجعل منها غطاءً للفاسدين والمفسدين ورافعة للصوص والسارقين والعابثين بثروات البلاد واللاهثين وراء مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الناس وحاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم؟
لماذا إستخدام المقاومة كعنوان وحيد للإنتخابات، بدل إستخدام البرامج الإنتخابية ومبدأ الحساب والعقاب؟!

لماذا يمنع على المواطنين محاسبة النواب والمرشحين على أفعالهم وأدائهم دون أن يتم تخوينهم؟

ما دخل الماء والكهرباء والدواء والتلوث والنفايات والكسارات والسرطان بمقاومة المحتل؟ ماذا يستفيد العدو الإسرائيلي إذا تمت معالجة كل هذه الأزمات، المزمن منها والمستجد؟

إقرأ أيضاً: مقاومة المقاومة

كيف يمكن إقناع المواطنين بأن عليهم إنتخاب النائب نقولا فتوش على سبيل المثال لا الحصر دون مساءلته ومحاسبته على أدائه ودوره في الإعتداء على البيئة وتشويه سلسلة جبال لبنان الغربية وتلويث المياه الجوفية؟  لماذا الطلب من الجمهور التصويت دون تفكير أو إعتراض تحت عنوان صوتوا كما نقول لكم ولا تبالوا؟
الفساد الذي ينهش في مؤسسات الدولة والتلوث الذي أصاب البحر والنهر والمياه الجوفية والنفايات التي ترمى في البحر وفي مصبات الأنهر وفي مكبات عشوائية وحرقها في الهواء الطلق. كل هذه الموبقات هي أشدّ خطراً على لبنان من كل أعداء الخارج، لأن الأعداء الذين يأتون من الخارج، يمكن التصدي له وهزيمتهم لأنهم أجسام غريبة يسهل رفضها ومقاومتها، أما الفساد المعشعش والمتفشي في الدولة ومؤسياتها وكل الموبقات الآنفة الذكر المتفرعة عنه، فإنها تضرب المجتمع اللبناني من الداخل وتجهز على جهاز المناعة الوطنية وتدمّر كل ما تم إنجازه ببطء ودون ضجيج.

إقرأ أيضاً: المرشح الجنوبي علي عيد: نحن مقاومة أكثر من المقاومة.. والحزب الشيوعي عليه أن يتواضع!

لذا، وبناءً على كل ما تقدم، إرحموا الناس ودعوهم يحاسبون وينتخبون كما يجب دون تهويل أو تهديد أو تخوين، لأن الخلاص من الفساد وبناء دولة قوية عادلة متنوعة خالية من الفساد والمفسدين يخيف العدو الصهيوني ويقلق راحته أكثر من كل أنواع الأسلحة، على الرغم من أهمية السلاح في مواجهة العدو وكل الطامعين والمتربصين بلبنان.

السابق
13 ألف ناخب شيعي في جزين دون تمثيل.. والشحن «البرتقالي» مستمر
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 28 شباط 2018