تحت أنظار الدولة: 400 الف دونم في البقاع تزرع بالحشيشة وتباع بحماية سياسية وحزبية

حشيشة
زار فريق من مجلة "شؤون جنوبية" البقاع متقصياً عن زراعة المخدرات وواقع هذه الزراعة فالتقى في قرية بقاعية احد "العارفين" بخفايا هذه الزراعة التي تمتد على 400 الف دونما تزرع بحشيشة الكيف بالتمام والكمال وعلى مرأى ومسمع الاجهزة الامنية وبتعطية حزبية وسياسية وسلطوية تجعل من هذه الزراعة والتجارة والتوزيع تجارة مربحة و"شرعية" يقتات منها كل اهل هذه السلطة.

يروي احد اعضاء فريق “شؤون جنوبية” ما حدث معه في ذلك اليوم الصيفي الحار. فيقول: وصلنا إلى إحدى بلدات البقاع قبل موعدنا بربع ساعة استقبلتنا ابنة صاحب المنزل، وأجلستنا في شرفة تطل على الحديقة الخلفية للمنزل. إنها حديقة واسعة لكن الناظر إليها لا يرى زهوراً ووروداً مثل باقي الحدائق، بل يلحظ شتلات القنب الهندي تتمايل مع هواء البقاع الحار.
قدمت لنا الصبية أكواباً من الشاي. سألتها ممازحاً: هل هذا شايا عاديا أم أخضر؟ ضحكت وأجابت: اطمئن إنه شاي عادي بالأمس غليت بعض الشتل وشربت ماءها المغلي وطابت السهرة.
عند الوقت المحدد، حضر صاحب المنزل مرحباً بفريق شؤون جنوبية وبادر قائلاً: سأخبركم ببعض ما يمكن أن أخبركم إياه، وكونوا على ثقة أن الخافي أعظم.

اقرأ أيضاً: ندوة شؤون جنوبية عن واقع المخدرات وضحاياها من اللبنانيين والفلسطينيين

نقص عديد
وبدأ حديثه: عندما نتحدث عن المخدرات زراعة وتجارة، نعني منطقة البقاع أي أنها المنطقة الأساس التي يجب أن تفعل فيها السلطة العجائب في نطاق المكافحة. ولكن للأسف مكتب المكافحة في عام 2000 كان يضم 73 عنصراً يراقبون ويوقفون ويتابعون، أما اليوم وفي العام 2017 فالمكتب يضم 41 عنصراً فقط عليهم متابعة المتعاطين ولا قرار لديهم بتوقيف المروجين والتجار.

مراقبة فقط!
وأضاف: تستطيعون التواصل معهم والتأكد من هذه المعلومة. والسؤال هل يمكن لهذا العديد أن يكافح الزراعة والتجارة على طول الحدود اللبنانية السورية؟ عليهم متابعة المتعاطين فحسب، ولكن هل يجرؤون على توقيف تاجر، وهم بحاجة إلى قرار مركزي بذلك! لا أحاول تحميل العناصر المسؤولية – أعرف أنهم يرفعون تقارير للقيادة ولكن للقيادة سياسة عامة قوامها: استمرار المراقبة، عدم مكافحة الترويج وعدم إلقاء القبض على التجار.
حماية سياية
وعند السؤال عن أسباب ذلك، قال: هناك تغطية سياسية وحزبية للتجار الكبار، تريد صورة أوضح. من يحمي تجارة المخدرات في منطقة دير الأحمر وعيناتا أليس هناك طرف سياسي مهيمن هناك؟
ومن يحمي تجار المخدرات في بوداي وبريتال والمنطقة، أمثال علي نصري شمص وعلي منذر زعيتر، وعلي زيد إسماعيل أليس هناك طرف سياسي أساسي في المنطقة، وفي منطقة حورتعلا حيث مملكة آل المصري، من يقدم لهم الحماية؟
إنها أطراف سياسية تسيطر على السلطة وتبسط سيطرتها الفعلية على كل المؤسسات. وأضاف: عندما نقول تجارة المخدرات فإن الأساس فيها الحشيشة والكوكايين وغيرها من الأنواع. في البقاع هناك 400 ألف دونم تزرع حشيشة الكيف ما بين البقاع الأوسط والشمالي، لكن لا تسألني من يملك الدونمات، لأن المسح يحسب إجمالياً، وإذا أردت المعرفة بدقة تستطيع الاتصال بالعميد عادل مشموشي فهو الأعلم. نسأله، لماذا لا تحدد ملكية الأراضي حتى يحاسب مالكيها؟ أجاب: إذا حددوا يعني إصدار بيان بحث وتحر وتوقيف لكل مالك أرض إذا كان يزرع دونماً واحداً أو ألف دونم وسياسة السلطة هي عدم مكافحة زراعة الحشيشة لذلك تلجأ السلطة إلى أرقام إجمالية.

مجلة شؤون جنوبية 165
تمثيليات التلف!
وعن توقف عمليات التلف، أجاب: هل تصدقون هذه التمثيلية؟ تزرع البذور في شهر آذار من كل عام وينتهي الموسم في أواخر أيلول. تستطيع مراجعة مكتب المكافحة إذا كانوا صادقين يخبروك أنهم يرفعون طلب التلف في آب وتأتي الموافقة في أواسط أيلول، ويبدأ التلف بعد إنهاء الموسم. السلطة تدفع أجرة الجرار لتنظيف أرض المزارعين تحت عدسات المصورين. لذلك المزارعون والتجار لا يخافون من التلف لأن التغطية جاهزة ولا أحد من السلطة يستطيع منعهم.
وعند السؤال عن أسواق التصريف، أجاب: حالياً السوق العراقي والسوق التركي. وأنت أدرى من يستطيع إيصال الإنتاج اللبناني إلى العراق ومن ثم تهريبه إلى تركيا. وإنتاجنا فاخر وهناك نوعان الأول يحمل ختم الأرزة: والثاني يحمل ختم التاج.
وعن الزراعات البديلة التي يفترض أن تقوم مقام حشيشة الكيف: شرح قائلاً: الزراعة البديلة مثل الخيار، بطاطا، قمح، شعير، كل هذه الأنواع جيدة لكن يقع المزارع بمشكلة التسويق وعدم وجود حماية للإنتاج الزراعي. في حين أن زراعة الحشيشة تؤمن للمزارع ربحاً أكيداً ولو كان قليلاً إذا باعه لتاجر آخر.
تهريب “شرعي”
وعند سؤاله عن الهيرويين، رفع حاجبيه معرباً عن قرفه وقال أنه قليل جداً ولا سوق له هنا. أما الكوكايين، فقد سألنا برأيكم من أين يأتي الكوكايين؟ أجبناه كما نعرف من كولومبيا ضحك وقال: يتم تهريبه أحياناً عبر إقدام أحدهم على بلع كمية من مظاريف الكوكايين لكن الكمية الأساسية تصل عبر حقائب تعبر المطار بدون تفتيش. هل تعرفون صفتها؟ اتركها لمخيلتكم.
وتسمعون عن سيلفيا؟ بادره أحدنا وقال نعم تأتي من أميركا اللاتينية وهي كالملوخية. ضحك وقال: صارت تصنع هنا في البقاع والوكلاء الحصريون هم علي منذر زعيتر، علي نصري شمص وجلال شريف وكلهم بحماية طرف سياسي قوي ومسيطر.
رشف من فنجان قهوته وقال: سأروي لكم هذه الخبرية: مرة ذهب علي منذر زعيتر مع عائلته إلى اليمونة للغداء. تلقى مكتب المكافحة هذا الخبر من تاجر مخدرات منافس له. سارع ثلاثة عناصر إلى اليمونة وألقوا القبض عليه وعند سوقه صرخ مستنجداً بأهل اليمونة الذين فكوا أسره واعتقلوا عناصر قوى الأمن مما اضطر ضابطهم للاتصال بحسين الغبي الذي سارع للتدخل والإفراج عن العناصر الأمنية. وتستطيع التأكد من هذه الخبرية من الضابط الموجود حالياً في البقاع.
زميلتي بادرته بالقول: لكن هؤلاء العناصر شجعان ويستحقون الدعم، ضحك طويلاً وتابع قائلاً: أنهم قيد التوقيف حالياً لتورطهم لقبض رشى من حسين الغبي الذي اعترف على 48 ضابطاً وعسكرياً يتلقون أموالاً غير قانونية، وأن توقيفه يعود بسبب نزاع بين ضباط كبار في المؤسسة الأمنية.

تغطية سياسية
وعند سؤاله عن الحمودية ما يجري فيها، قال: ربما سمعتم بالحادثة التي حصلت منذ فترة. عندما أقدمت مجموعة من مكتب مكافحة المخدرات مركزياً أي من عند العميد شمس الدين وبرفقة تلفزيون الـmtv على مداهمة الحمودية واعتقال غالب إسماعيل وذلك من دون علم المكتب الإقليمي في البقاع وعلم حاجز الجيش القريب من الحمودية. لكن هذه المجموعة تعرضت لهجوم معاكس من أتباع علي زيد إسماعيل وأوقعت قتيلاً من قوى الأمن وثلاثة جرحى. تحرك الجيش وحضرت عناصر من مكافحة المخدرات وطوقوا المكان وكانت فرصة للتخلص من تجار المخدرات لكن الأوامر المركزية للجيش وقوى الأمن قضت بالانسحاب وترك المكان. هل تريدون أن تسمعوا خبرية أخرى؟ مرة كان أحد التجار الكبار ينوي الذهاب إلى بيروت، كيف انتقل؟ السيارة معروفة ومواصفاتها معروفة لكن سائقها كان ملازم أول في قوى الأمن الداخلي وبجانبه والد ثلاثة عسكريين برتب مختلفة والتاجر يجلس في المقعد الخلفي ولم يوقفه أحد مع أن المعلومات عن انتقاله كانت معروفة.

اقرأ أيضاً: 48% من طلاب الجامعات اللبنانية يحصلون على المخدرات

“إسألوا مشموشي”!
وجّه الرجل كلامه لي وقال: هل تستطيع الوصول إلى العميد عادل مشموشي؟ اسأله عن الضابط الذي نقل إلى الجنوب ومصادرة مبلغ كبير من حسابه المصرفي وأوقفت ترقيته وهو من آل ع.خ. العميد يعرف كل شيء عنه.
صمت برهة وطلب لنا فنجان قهوة قبل أن يعاود رواياته: السياسيون مشغولون بنقاش تشريع حشيشة الكيف أم عدم تشريعها؟ ولا أحد يتحدث عن الأنواع الأخرى من المخدرات. وأعتقد أن لا أحد له مصلحة بتشريعها، لأنها عندئذ تتحول إلى سلعة عادية لا يستطيع كبار التجار الاستفادة منها ولا تستطيع القوى السياسية تحصيل الأموال الطائلة من وراء هذه التجارة.
وأريد أن أسألكم: من ينقل الحشيشة إلى المناطق الأخرى؟ أجبته: شبكة من سائقي الفانات، أجاب بالنفي، فقالت زميلتي: ربما شبكة من النساء، ضحك وأجاب بالنفي أيضاً. ثم قال: للأسف الشديد عناصر عسكرية من قوى أمنية مختلفة.
وأريد أن أختم لأخبركم أن السفارة الكندية استأجرت أرضاً في “إيعات” لزراعتها قنبزاً هندياً لاستخدامه في المواد الطبية بعد تصديره وإلى كندا لأنهم على قناعة أن حشيشة الكيف اللبنانية هي الأفضل في العالم.

(هذه المادة نشرت في مجلة شؤون جنوبية العدد 165 خريف 2017)

السابق
«حركة المبادرة الوطنية»: لمواجهة الهيمنة الايرانية على لبنان
التالي
الرئيس الإيراني يتباهى بالهيمنة على لبنان والرئيس اللبناني مطالب بالردّ