قديح: السلطة غير مؤتمنة على إدارة القطاع

ناجي قديح
يبدو ان النقاش حول استكشاف والتنقيب واستخراج النفط والغاز في المياه اللبنانية آخذ بالتوسع ليطال زوايا مختلفة، بعضها معروف والبعض الآخر يطرق للمرة الأولى، وهذا ما حاول أن يشير إليه الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح لدى حواره حول الثروة النفطية في لبنان.

يسأل قديح: ما هي سمة العصر؟ لنعد إلى اتفاقية باريس للتغير المناخي، وقرارات مجموعة 7 + 1، بالإضافة إلى قرارات المجموعة (20). كلهم قالوا أن سمة القرن الواحد والعشرين، أنه قرن التخلي الكامل عن الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة. يجب أن يكون هناك تراجع منظم يؤدي لتحول دؤوب ومتسارع نحو استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة.

اقرأ أيضاً: اللقيس: تعديل القانون 132 مصلحة وطنية

نحن في أزمة
ويضيف قديح: قبل البحث في قضية النفط، نحن في أزمة، بأي معنى؟ لأنه لم يسبق لأي بلد أن واجه السؤال التالي: هل نحن في موضوع استخراج النفط في توافق مع سمة العصر أم في تعارض معها؟ إنه سؤال استراتيجي. يمكن الإجابة أننا في تعارض مع ما يترتب علينا من ضغوط وتعقيدات ومسؤوليات في ملف النفط في لبنان. هذا السؤال سيثقل كاهل الحكومة اللبنانية التي يبدو أنها ليست على هذا القدر من المسؤولية. إنه أثقل من قدرتها على التعامل معه. وهي المشهود لها بالخفة والسطحية وتمارس سلطتها بعقلية لصوصية وحتماً ليست عقلية إدارة بلد. والمثال واضح، بعد إقرار قانون النفط 132/2010 جرى تأخير إصدار المراسيم أربعة أعوام، كي يتسنى إنشاء شركات وهمية تؤمن نهب المال العام.
ويزيد قديح: كيف يمكن أن تتعامل هذه السلطة وقد اكتشفت كنزاً تتنازع قواها فيما بينها لوضع اليد عليه واستنزافه من دون النظر لاعتباره ثروة، ملك الشعب اللبناني والأجيال القادمة. يتحدثون كثيراً عن النرويج من دون التمثل بها. فهناك إدارة للإنتاج يشكل مدروس يقضي بعدم استنزاف الثروة للأجيال القادمة. فكيف تعاطت السلطة اللبنانية مع هذا الأمر حتى الآن؟

غلاف شؤون جنوبية

توزع البلوكات
يوضح قديح الأمر قائلاً: تنازعت قوى السلطة على تقاسم السيطرة على البلوكات الموجودة وتوزعها بالتناسب مع التوزع الجغرافي الموازي لسيطرة القوى من الشمال إلى الجنوب. مما نتج عن ذلك تأخير في استصدار التشريعات، وهذا ما أخّر عملية التلزيم والتنقيب والاستثمار.
يبتسم قديح قبل أن يضيف: أليست عملية تشكيل هيئة إدارة البترول نموذج عن التنازع والتقاسم بين الزعماء على أساس الطوائف والمذاهب والولاء السياسي من دون إعطاء معايير الكفاءة والخبرة ليكون موقع الحسم في الاختيار.
ويضيف: ينظر إلى الثروة النفطية في أي بلد بأنها من المشاريع العملاقة ما يستدعي وضع الدراسات الكاملة من جميع النواحي وعلى رأسها الجانب البيئي، وأثر عملية الاستخراج على الأوساط البيئية المختلفة.
ومن الضروري في كل مراحل تقدم المشروع النفطي أن توضع الدراسات البيئية المناسبة وفي مقدمتها دراسة استراتيجية بيئية ودراسة تقييم الأثر البيئي – الاجتماعي.
ويشير قديح إلى ضرورة أن تتم تحضير هذه الدراسات ضمن المعايير الموضوعية العالمية. “وهنا أشير أن لا يكون الالتزام بهذه المعايير شكلياً وإغفال المضمون” بل تفعيل المضمون، وما يترتب على ذلك من استنتاجات، وخطط للإدارة البيئية. وفي هذا الموضوع أحب أن أشير إلى نقطة أساسية، ففي كل تشريعات العالم وفي كل الممارسات على المستوى العالمي يصار إلى إشراك الجمهور المتأثر في المشروع وإشراكه في صنع القرارات المتعلقة به عبر آليات شفافية. ولكن هنا في لبنان تتجاهل الحكومات كلياً هذا الموضوع ليس في ملف النفط فحسب بل في كل الملفات.

النفط
الشفافية المطلوبة
وحول الشفافية المطلوبة، يقول قديح: النفط ثروة وملك الشعب اللبناني وهذا يفترض شفافية كاملة للتعامل مع هذا الملف، بحيث يكون هناك ثقة وتأكيد على أنه يدار بطريقة سليمة، وأن تعود فوائده على مجمل الشعب اللبناني وليس على الفئة المتحكمة بالسلطة فقط. هذا يفترض وضع الآليات المناسبة التي تؤمن الشفافية ومشاركة الناس. وتؤمن أعلى درجة من المحافظة على المصالح اللبنانية في استثمار النفط بما يعود بالفائدة على التنمية المستدامة لكل الشعب وكل المناطق اللبنانية.

اقرأ أيضاً: قانصوه: لماذا التهرب من إنشاء وزارة للنفط؟

ولكن هل تتصرف السلطة بهذه الطريقة؟ يجيب قديح: حتى الآن لم تظهر أن هذه المعايير المطروحة تلتزم بها السلطة، لذلك أرى ضرورة أن تنخرط القوى الاجتماعية الفاعلة من مجتمع مدني، إعلامي، أكاديمي، اقتصادي وقوى سياسية ذات مصلحة في عملية ضغط إيجابي، لتصويب سياسات الحكومة في هذا الملف.
ويختم د. قديح أجوبته عند السؤال: إذا كنت أنت في موقع السلطة فماذا تفعل؟ يضحك ويقول: هذه السلطة القائمة على الفساد والمحاصصة والتنازع، هي سلطة غير مؤتمنة على إدارة ملف النفط باعتباره ثروة وطنية لكل أجيال لبنان.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 164 صيف 2017)

السابق
المسيحيون نحو المقاومة!
التالي
هكذا تصل الأموال لـ«داعش»!