هل تعمد ايران إلى وضع منطقة الخليج في المايكروويف؟

بعد تأخير دام حوالي الشهر ونصف الشهر، تسلم وزير الخارجية الكويتية الشيخ صباح الخالد الصباح أمس رسالة، لم يُعلن عن مضمونها، من القيادة الإيرانية رداَ على رسالة، لم يُعلن عن مضمونها أيضاً، بعث بها أمير الكويت إلى مرشد الجمهورية الإسلامية.

في ردّ فعل لافت، أعلنت الكويت بلسان نائب وزير خارجيتها خالد الجارالله أن الرسالة الإيرانية “وصلت”، بينما كانت القيادة الإيرانية قد تكتمت وامتنعت عن إصدار أية إشارة عند تلقيها الرسالة الكويتية.

اقرأ أيضاً: الثورة في عيدها السادس وسوريا ..على وعد الياسمين

كان يمكن للأمر أن يمر مرور الكرام لو أن الرسالتين المتبادلتين لم تترافقا مع عدد من الإشارات والتحركات التي تدعو، ليس إلى التفكير بل، إلى القلق!.. إلى حد وضع علامات استفهام كبيرة على ما قد تشهده منطقة الخليج/ايران خلال المرحلة القريبة المقبلة.

تتوالى الإشارات وتتزاحم خلال الأشهر والأسابيع القليلة المنقضية ومعها تثار أسئلة قديمة جديدة لطالما ترددت صداها في دول الخليج العربي، لكن العلاقات السعودية الايرانية المفتوحة على الاحتمالات تستقطب اهتمام المراقبين هنا في الكويت، خصوصاً وأن ولي ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان قد نجح باستثارة إهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب العميق عبر التحدث بلغة الاستثمارات والصفقات والفرص السانحة التي يقدسها ترامب بعد نجاحه ببناء امبراطوريته المالية الصغيرة والتي منها قفز ليلتقط البيت البيضاوي ويبدأ بتغيير اميركا والعالم (!) اذا لم تشج رأسه الجدران التي يوالي نطحها.

ولأن زيارة ابن الملك السعودي تزامنت مع زيارة الملك إلى الصين حيث سيتم وضع الموافقات الأخيرة على مشاريع اقتصادية وعسكرية مشتركة عملاقة تشمل إقامة مصانع متنوعة في المملكة ومحطة تكرير في الصين ومشاريع سياحية وعسكرية ضخمة مشتركة في جزر المالديف، صارت واضحة معالم السياسة الاستراتيجية السعودية الجديدة في السعي لبناء تحالفاتها العالمية على أسس اقتصادية و”عسكرية” تؤمن مصالح الأطراف كلها بعيداً عن سياسة “الكرم الزائد” مع الأصدقاء والحلفاء و..غير الأصدقاء والحلفاء.

وتتراءى هذا التحالفات التي تبنيها السعودية على أسس من المصالح المشتركة والوضوح، خصوصاً مع الولايات المتحدة والصين، قادرة على تعيين “لين” لمواقع الدول الكبرى وحدود مصالحها وأدوارها كمظلة ضامنة للإستقرارخلال مرحلة

المتغيرات الجيوسياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وما بعدها، وكذلك على رسم حدود الحقول الحيوية ومصالح كل القوى الإقليمية وأدوارها ووقف طموحات اي دولة منها سواء كانت ايديولوجية و/أو عسكرية-نووية، أو سياسية – اقتصادية عبر سعيها الساخن لتكون هي الدولة الكبرى في المنطقة، وتنظيم اصطفافاتها – تحالفاً أو تناقضاً – تحت مظلة التوافقات الدولية التي لم تنته صياغتها بين الدول الكبرى في/على الإقليم حتى الآن.

لذلك لم تعد تصح المقارنة بين التحالفات الجاري توطيدها بين المملكة العربية السعودية من جهة وكل من الصين وأميركا من جهة أخرى، وبين “التحالف” الروسي الإيراني الذي لم ينجح ولوغ الدولتين المشترك في حمام الدم السوري بمدّه بأساس يحميه من الهبات الساخنة المتبوعة بأخرى باردة!
لم تكن زيارتا المسؤولين السعوديين الكبيرين إلى الصين والولايات المتحدة قد حدثتا عندما بعث – من شهر ونصف الشهر – أمير الكويت برسالته إلى الرئيس الإيراني، لكن يبدو ان ..”باعتبار ما سيكون ويحصل”.. كان ماثلاً في الأجندة السعودية- الخليجية التي خرجت منها الرسالة المغفلة المضمون الى ايران.

ملابسات الرسالة

من هذه النقطة بالذات يجب العودة إلى معاودة قراءة الإشارات التي ترافقت معها وظلت فترة تتردد في صحف الخليج.. فهنا في الكويت كانت “المصادر” غير الرسمية ولا المخولة بالنطق قد “سربت” أن الرسالة إلى ايران “ليست كويتية” بل هي خليجية – أي سعودية – بامتياز وقد تمّ الإتفاق على أن يسلمها أمير الكويت الشيخ صباح إلى الإيرانيين.

هذا اولا، أما ثانياً.. فقد أكد لنا واحد موثوق من هذه “المصادر” أن الرسالة الخليجية شكلت سابقة في تاريخ العلاقات مع ايران من حيث مضمونها الحاسم بالطلب من ايران وقف تدخلاتها “فورا” في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك من حيث شكلها و”لغتها” القاطعة.

لم تنبس ايران ببنت شفة تعليقاً على هذا “التطور” في تعاطي الخليجيين معها، لكنها انتظرت وصول لحظة بدت وكأنها منتظرة تمثلت بزيارة المسؤولين السعوديين الكبيرين إلى الصين وأميركا وهما يحملان أسس انطلاق ورشة المشاريع الاقتصادية والعسكرية معهما. واللافت أكثر أن الردّ الإيراني لم ينتظر انتهاء الزيارتين المتزامنتين ولا إعلان نتائجهما..فماذا يمكن أن تكون رسالة الرد الإيراني قد تضمنت؟

القمة الخليجية الأمريكية

“مصدر”نا لفتنا اليوم بشدة إلى وجوب التوقف طويلا أمام تصريح نائب وزير الخارجية الكويتية خالد الجارالله الذي أعلن أن رسالة ايران التي لم يكشف

مضمونها “وصلت” لكنه اقتنص فرصة أتاحها سؤال أحد الصحافيين قائلاً بالحرف: “إن الكويت تؤكد أن التدخلات الإيرانية في الشأن الخليجي يجب أن تتوقف لأنها تؤثر على مجريات الحوار والأمن والاستقرار في المنطقة. لذلك نرجو أن نصل إلى اليوم الذي لا نرى فيه أي نوع من التدخل في شؤون دول المنطقة…”.

وقال المصدر: يجب ملاحظة أن تصريح الجارالله جاء بعيد تسلم الرسالة الإيرانية مباشرة..يعني قبل ان يتاح للملوك والشيوخ تدارسها واتخاذ موقف مشترك بشأنها، وهذا يدفع إلى الجزم بوجود معرفة وتوقع خليجي عام بطبيعة الرد الايراني، ومن هنا رأى نائب وزير الخارجية الكويتية أن بإمكانه التصويب مجددا على “التدخلات” الايرانية بشؤون مجلس التعاون الخليجي من دون حرج أو انتظار مساءلة ما.

إذن كانت الرسالة الخليجية قوية وقاطعة وغير معتادة وجاء الرد عليها ضمن حدود المنتظر والمتوقع..لكن توقيت هذا الرد هو وحده فقط الذي يشرع باب الاحتمالات من جديد!

هل يعجز الصوت الهادر الإيراني الذي شيطن أميركا وأزال اسرائيل من الوجود عدة مرات وأطلق تحذيرات علنية من احتلال البحرين… عن الإعلان الساخر بالمطلب الخليجي بوقف التدخل بشؤونه؟ أم أن هناك شعوراً و”معلومات” ايرانية متزايدة ومتتالية و..مؤكدة عن اقتراب لحظة لجمها نهائيا وكسر حلمها بأن تكون هي “الدولة الكبرى” في الشرق الأوسط؟ وفي هذه الحال هل ينتظر الصبر الإيراني المتمرن والمتمرس وصول هذه اللحظة أم يعمد إلى خطوة “تكركب” المنطقة بأسرها؟

اقرأ أيضاً: وثائق تكشف تورط «حزب الله» لضرب الخليج بأمر من ايران

الكل يعرف علم الحساب والكل يعرف حدود مصالحه وحدود قوته..لكن كم أن هناك من الأحلام الأمبراطورية قد أطاحت بأصحابها المتعجلين رغم إصرار الرئيس فؤاد السنيورة على رأيه بأن الإيراني صبور الى درجة تمكنه من ذبحك بالقطنة!

مراسل “جنوبية” في الكويت عيد سعد

السابق
برنامج تحركات المجتمع المدني رفضاً لإقرار الضرائب
التالي
«نقزة سعودية» من عون تتقاطع مع تلويح بعقوبات أميركية على لبنان