«دولة» ميشال عون و «دويلة» حسن نصر الله: مشروعان لا يلتقيان

التصادم بين مشروع الدولة والدويلة هو تصادم حتمي، يمكن تأجيله، بالفراغ الدستوري حيناً وبالإنقسام السياسي الطائفي الحاد أحياناَ، فهل تستقيم الحياة الدستورية والسياسية والحياة العامة، بلا دولة؟

تدرك “الثنائية الشيعية” إنّ ما روجت له خلال السنوات الماضية عن حماية المسيحيين وضرورة تمثيلهم بالأقوى مسيحياً في الرئاسة الأولى، لم يكن المقصود منه دعم المسيحية السياسية في الرئاسة الأولى أو في الحكومة، وغيرها من مواقع القرار، بل الغاية الأساسية كانت في خلق ثنائية شيعية – مسيحية في مواجهة الظاهرة الحريرية أو ما يسمى السنيّة السياسية، وتوفير غطاء مسيحي لظاهرة الدويلة التي أقامها حزب الله في الكيان اللبناني. ونجحت الثنائية الشيعيّة إلى حدّ بعيد في ترسيخ مقولة إنّ ما خسره المسيحيون من السلطة سلبه السنّة. كما ساهم ظهور تيارات الإسلام السنّي الجهادي في انتشار هذه المقولة ومرادفاتها، عبر معادلة “حلف الأقليات” وتسييس “المسيحية المشرقية”. وخرجت أصوات كثيرة راحت تروج ان الخطر التكفيري مصدره السنّة، في لعبة سياسية وإيديولوجية كان الهدف منها ولا زال حماية الاستبداد وتبرير جرائمه لا سيما في سورية. وكان الكاتب الاردني ناهض حتّر أحد ابرز المنظرين لهذا التوجه.

وصول الجنرال إلى سدّة الرئاسة الأولى بدعم من حزب الله، وتسهيل من الرئيس نبيه برّي، رافقه زخم مسيحي غير مسبوق. إذ لم يقيض لرئيس جمهورية لبناني هذا الالتفاف الماروني والمسيحي عموماً، الذي يحظى به الرئيس ميشال عون. وكما أنّ هذا الالتفاف يشكل مصدر قوة وتميّز لصاحبه فإنّه يشكل قيداً عليه، لا يتيح لرئيس الجمهورية أن يستهين به أو يقوضه بإرادته.

عون نصرالله
فالمسيحيون الذين شكل لهم الرئيس عون رمزية الرئيس القوي، حمّلوه كل أثقال الخيبات السياسية التي دفع الوجود المسيحي ثمنها منذ عقود. وأظهر الرئيس عون في المقابل أنّه المؤهل لإستعادة الدولة بشروطها الدستورية، تلك التي يشعر معظم المسيحيين بأنّ قيامها وثباتها يعني حماية الكيان الذي كان لهم كجماعة مسيحية الدور الأول في تأسيسه.

إقرأ أيضاً: كيف سيُواجه «حزب الله»تحالف عون-الحريري-جعجع؟

من هنا افتتح الرئيس عون عهده بخطاب القسم، وحدد ثوابته، التي لا تحيد عن أيّ ثوابت لدولة في هذا العالم. لم يقل ما يمكن أن يتصادم مع الدستور، ولا مع القانون، ولا مع الحياة المشتركة بين الجماعات اللبنانية على اختلافها الديني أو المذهبي. المعادلة التي يريد رئيس الجمهورية تثبيتها كما عبّر عن ذلك في خطاب القسم أو في خطاب الاستقلال، هي إعادة الزخم لمشروع الدولة، عبر الانطلاق من تطبيق الدستور والقانون. وهذا الطموح الرئاسي الذي يلاقيه الرئيس المكلف سعد الحريري، يصطدم اليوم بالسلطة الفعلية في لبنان، أي سلطة الدويلة. فالجميع يعلم أنّه منذ أحداث 7 آيار عام 2008 وما تلاها في اتفاق الدوحة، رسخ حزب الله واقعاً في المعادلة السياسية لم يزل قائماً، وهو أنّ السلطة ليست بيد من يمتلك الأكثرية النيابية، ولا تشكل نسب التمثيل في مجلس الوزراء معياراً لنفوذ ودور في السلطة، السلطة في مكان آخر لا يحددها الدستور ولا القانون بل القوة على الأرض. وهذا ما يفسر أنّ حزب الله لا يستمد نفوذه من تمثيله النيابي ولا من تمثيله الحكومي الذي لم يتجاوز في أحسن الأحوال وزيرين، لأنّه كان يدرك ان السلطة ليست في المؤسسات الدستورية ولا تقوم على قواعد الديمقراطية، ولا تقررها الأكثرية النيابية. بل تقررها إلى حدّ بعيد الدويلة التي أنشأها حزب الله.

إقرأ أيضاً: هجوم «السفير» على باسيل لسجن عون في محور إيران!

التصادم بين مشروع الدولة والدويلة هو تصادم حتمي، يمكن تأجيله، بالفراغ الدستوري حينا وبالانقسام السياسي الطائفي الحاد أحياناً، لكن في نهاية الأمر لا يمكن أن تستقيم الحياة الدستورية والسياسية والحياة العامة، بلا دولة. الأرجح أنّ المطروح على الرئيس ميشال عون من الثنائية الشيعية هو تمديد الفراغ الدستوري عملياً وإن كان تمّ ملؤه في الشكل. فالشيعية السياسية قطعت خلال السنوات الماضية خطوات بات يصعب عليها التراجع عنها. إذ بلورت مشروعها على طبقات إيديولوجية عابرة للحدود. واذا كانت المسيحية السياسية تطمح إلى تثبيت الكيانية اللبنانية كخيار وجودي يقوده اليوم الرئيس عون، فها هي الشيعية السياسية تتقدم بخطوات ملؤها الثقة نحو الاندماج بالكيانية الشيعية السياسية في المنطقة العربية، على أن تكون الدويلة التي يمثلها حزب الله في لبنان درة التاج للأممية الشيعية.
باختصار هما مشروعان لا يأتلفان: إما الدولة وإما الدويلة…

السابق
مطار بيروت يحذر من منخفض جوي وعاصفة غداً الأربعاء
التالي
النظام السوري حشد الثوار في إدلب ليستهدفهم بعد حلب