قضايا حقوق الإنسان والنهوض بالمؤسسات الدينية والإجتماعية:ملامح توجهات المفتي دريان

مع اتضاح الخيط الأبيض من الخيط الأسود في قضية الشيخ الدكتور بسام الطراس، شعر الجميع في لبنان بأننا أمام مشهد جديد غير مسبوق في القضايا التي اعتاد الرأي العام على مقاربتها، لدى اعتقال شخصيات أو مجموعات ذات إنتماء إسلامي، لنجد أنفسنا أمام أداء مختلف عن كل ما سبق من تجارب.

فقد تولى سماحة مفتي الجمهوررية الشيخ الدكتورعبد اللطيف دريان مواكبة قضية الشيخ الطراس بشكل يومي، بعد أن امتلك من المعطيات ما جعله واثقاً من عدم صحة ما نُسب إلى الدكتور الطراس. وقد تشكلت هذه القناعة نتيجة الفعالية القانونية المتقدمة التي أضفتها المحامية الدكتورة زينة المصري بعد توكلها عن الدكتور الطراس، وتجلّت في قرار قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا ترك مفتي راشيا السابق بسند إقامة.

ليس المقصود من هذه السطور فتح نقاش حول الواقع القانوني للملف. فهذا المسار يسلك طريقه الآمن مع المحامية المصري، ولكن القصد هو إلقاء الضوء على الإجراءات التي اتخذها مفتي الجمهورية الشيخ الدكتورعبد اللطيف دريان لمساندة قضية الدكتور الطراس.
إضافةً إلى تواصله اليومي مع الوكيلة القانونية والعائلة والتحالف المدني الإسلامي، واتصالاته مع مواقع القرار، وتمسّكه بحق الدكتور الطراس في العدالة والإنصاف، بعيداً عن حملات التشويه الإعلامية والسياسية، فإن المفتي دريان استقبل محامية الدكتور الطراس وعائلته في دار الفتوى ، ثم أعطى توجيهاته إلى المديرية العامة للأوقاف الإسلامية بمساندة قضية الشيخ الطراس، حيث أصدرت يوم الخميس بتاريخ 27 تشرين الأول 2016 تعميماً جاء فيه: “الإخوة العلماء والخطباء تدعوكم المديرية العامة للأوقاف الإسلامية لطرح قضية سماحة الشيخ بسام الطراس لجهة التعجيل بالإفراج عنه طالما لم تثبت إدانته وتسريع الإجراءات القضائية”.
كان هذا التعميم بمثابة التبنّي الرسمي للقضية، وكانت له آثار إيجابية على الرأي العام، حيث تراجع منسوب محاولات التصعيد، وأخذت القضية مساراً قانونياً مشفوعاً بمتابعة دقيقة من مفتي الجمهورية، وفق معادلة بسيطة: التمسك بالقانون والعدالة، وعدم السماح بالتجني والإفتراء، ورفض إستعمال القضاء للمماطلة والتسويف وإثارة الرأي العام.
ومع التفكيك المتقن الذي قامت به المحامية المصري للملف، واستمرار مثابرة المفتي دريان، وعائلة وطلاب الدكتور الطراس، أصدر القضاء العسكري قرار قبول طلب تخلية السبيل، وخرج الدكتور بسام الطراس من سجن شعبة المعلومات مباشرة إلى دار الفتوى.

المفتي دريان

إستقبل سماحة المفتي دريان الشيخ الطراس ووكيلته وعائلته ومحبّيه بحضور وسائل الإعلام ، وعقد خلوة معه ضمت أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي ومنسق التحالف المدني الإسلامي أحمد الأيوبي والمحامية زينة المصري، وكانت مناسبة للبحث في كل ما يتعلق بالقضية، وبأفق المرحلة الآتية، حيث أثنى الجميع على احتضان سماحة المفتي دريان للشيخ الطراس، وعلى تمسّكه بالعدالة وإحقاق الحق، وصموده في وجه كلّ محاولات حرف المسار عن الحقيقة.
بعد هذه الوقائع، وصلت إلى عموم المسلمين في لبنان رسالة واضحة حاسمة، مفادها أن مرحلة جديدة قد بدأت، من أهم مميزاتها أن قضية العدالة والحقوق باتت في صدارة أولويات دار الفتوى وأن سماحة المفتي دريان يدير بنفسه دفّتها، ويضع لها المعايير والضوابط والمسارات المناسبة.
وفي هذا السياق ، إستقبل سماحته يوم الثلاثاء 15/11/2016 النائب قاسم عبد العزيز ورئيس محكمة التمييز العسكرية القاضي طاني لطوف، كما استقبل قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا بحضور القاضي غادي مكارم، وهذا المستوى من اللقاءات إنما يأتي في سياق ترتيب معالم هذه المرحلة التي نتحدث عنها.

إقرأ أيضاً: تقرير دولي: القضاء في لبنان في أدنى سلم النزاهة عربياً وعالمياً

فليس هناك مجال بعد اليوم لوقوع الناس ضحايا الفوضى الأمنية أو السياسية التي سبق أن أدت إلى كوارث إنسانية واجتماعية، وضربت الكثير من معايير العدالة، وأهمها: تسريع المحاكمات والإبتعاد عن انتهاكات حقوق الإنسان.

زيارة عكار: عطش نخبوي وشعبي للقاء المرجعية الإسلامية

وفي أجواء الإندفاعة التي أعطاها سماحة المفتي دريان للوضع الإسلامي العام، جاءت زيارته الشعبية – التنموية الناجحة إلى عكار، حيث كانت محطات إستقباله مليئة بالرمزية والمعاني وعابقة بالتعبير عن توق الناس وتشوّقهم للقاء مفتي الجمهورية الذي يحمل قضاياهم، وينهض بمؤسساتهم الدينية ، ويعطي البعد التنموي والإجتماعي العناية اللازمة، فكانت إندفاعة الأهالي إلى استقباله بدون الحاجة إلى دعوات وتنظيم وبروتوكول.. فقد نزل بين أهله وحلّ في بيته وسط الترحيب الغامر والتلقائي من الأهالي والفعاليات على حدّ سواء.
شملت زيارة المفتي دريان إفتتاح مستشفى الحبتور ومحطات ذات طابع تنموي، في منطقة طالما عانت التهميش والحرمان والإقصاء، فاستعاد الناس الأمل بتحريك قضاياهم، وبحمل طموحاتهم الكبرى، التي حمّلوها لمفتي الجمهورية، آملين أن لا تطول المدة الزمنية التي تفصلهم عن زيارته التالية لعكار، بعد أن استردوا روح التفاؤل والتسامح والإستعداد للبناء والتعاون في كل الحقول والمجالات.

إقرأ أيضاً: المفتي دريان يتدخل للإفراج عن نجل الشيخ الطرّاس

مسارات متدرّجة متكاملة تتفاعل هذه الأيام في أروقة دار الفتوى وعملية تقييم شاملة لتراكم حركة المفتي دريان في المجالات الحقوقية والإنمائية والإصلاحية لتستشرف كيفية التعاطي مع ملفات مثل ملفات الموقوفين الإسلاميين وسبل المساندة القانونية لتحقيق أفضل معايير العدالة أو التحرك نحو تفعيل مشاريع تنموية في مختلف المناطق.
من دون ضجيج، يفتح المفتي دريان ورشة الإصلاح في دار الفتوى، حيث تتوالى ورش العمل والدراسات المركزة حول أوضاع المؤسسات المنضوية تحت قبّة الدار ، على أمل أن تشكل هذه التوجهات نقطة تحوّل يحتاجها المسلمون أكثر من أي وقت مضى في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان والمنطقة.
*منسق التحالف المدني الإسلامي في لبنان

السابق
مخابرات الجيش تحيل المتورط في تفجير الرويس إلى القضاء
التالي
جدار العار في عين الحلوة