من القذافي إلى ترامب…عدوى جنون العظمة!

لقد عرف العالم عبر التاريخ رؤساءاً وحكاماً وزعماءاً، مصابين بجنون العظمة، مستبدين ومهووسين بالسلطة . عُرفوا بنزواتهم وتمسكهم بالحكم وبتصرفاتهم الغريبة وقراراتهم المخبولة وفق ما يروه مناسباً دون النظر إلى عواقب ما يسعون إليه.

كانوا يفضلون تدمير أي أداة للمجتمع المدني على ابقاء أي مؤسسة تدعم حقوق الإنسان فتذكر الشعب بما فقده. يقول ديفيد بروكس الكاتب في جريدة نيورك تايمز : ” المصابون بجنون العظمة يرومون السيطرة على أبناء شعوبهم… ويخصخصون كلّ مؤسسة فتغدو أداة لخدمة قداستهم وليس خدمة البلاد كلها. ولا تبعث فيهم آراء الآخرين الريبة ذلك أنهم يملكون الحقيقة المطلقة دافعهم في ذلك القيام بدورهم في تاريخ العالم دون التفكير بالتقاعد بسلام.”

هذه الشخصيات تستخدم قوة شخصيتها واللعب على وتر بناء الأحلام الكبيرة وتُحدِّثْ عن احياء البلاد حتى يصل الأمربها إلى اعلانها العنف من أجل حماية الدولة. تتصيد الجانب الضعيف من شخصيات الشعوب فتلعب على مشاعر الخوف والأمن.

من هؤلاء الحكام الذين عرفوا باستبدادهم وجنونهم: ماوتسي تونغ موجد وقائد جمهورية الصين، شارل السادس ملك فرنسا،السلطان العثماني ابراهيم الأول. كما عرفت الدول العربية هذا النوع من حكام وأنظمة… فحُكْم معمر القذافي مثلاَ بقي 42 عاماً على الرغم من أسلوبه ومن كونه طاغية نرجسي، ومع ذلك لم يثر شعبه إلا مؤخراً!

ولأن لكل زمن مجانينه وطغاته  نراهم في كل مكان وكل زمان. من بين طغاة عالم اليوم رئيس كوريا الشمالية كيم يونغ أون الّذي أعدم  وزير دفاعه بعد انتهاء العرض العسكرى بتهمة الخيانة، وذلك لأن النوم غلبه أثناء العرض العسكري، ما جعل زعيم كوريا يعزله من منصبه ويعدمه رميًا بطلقات مدفع مضاد للطائرات.

أضف أن لكل عصر علاماته ففي المنافسة على الرئاسة الجمهورية الأميركية بدعة ظهرت في المعركة الحالية التي تعتبر الأكثر بذاءة  بين  شخص منفر الخطاب وامرأة شغلت مواقع ومناصب في العمل السياسي لم تبلغه امرأة قبلها. “انتهازي السياسة” أو “الجاهل الاستثنائي” كما وصفوه يعتبر نفسه البطل الوحيد أو المنقذ الّذي سيخرج أميركا من أزماتها ويجعل منها أسطورة العالم غير آبه بالانتقادات كونه يرى نفسه مثالياً وبطلاً، ينطلق من ثقة هوجاء بالنفس وتعصب وعنصرية.

استفاد ترامب من تفكك البنية السياسية التقليدية وضعف الحزب الجمهوري والديمقراطي وعدم قدرتهم على مواجهة الأزمة الاقتصادية ومن حلول كانت مخيبة للآمال.  فعرف مزاج الشعب الأميركي الذي بات مستعداُ لانتخاب أي كان رئيساً ومن المناخ العام في غياب القضايا الكبرى وغياب النخبويين.. لعب على أوتار الخواء البشري الذي يتخبط به العالم. وعلى أن الجماهير لها ذاكرة ضعيفة  ففي امكانه أن يقول أي شيء اليوم وعكسه في اليوم التالي، يهاجم الأقليات ويعاود استرضاءها.

لم يستفد ترامب من كل ذلك- بذكاءه طبعاً- بل ان وجود هذه الفجوات تؤدي لظهور أمثلة شاذة مثل ترامب يصفق لها مناصرين ومعجبين. يقول هتلر:” اذا أردت السيطرة على الناس، أخبرهم أنهم معرضون للخطر ثمّ حذرهم أن أمنهم تحت التهديد ثمّ خوّن معارضيك وشكك في ولائهم ووطنيتهم.” هي لعبة السيطرة. وبما أنه لا يمكن تحريك الجماهير والتأثير عليها الا بواسطة العواطف المتطرفة.. فإن الخطيب ينبغي أن يستخدم الشعارات العنيفة كما يقول غوستاف لوبان.

إقرأ أيضاً: عن العرب ودونالد ترامب

مقتبساً شعاره من خطاب سابق لرئيس اليمين المتطرف رونالد ريغان: فلنجعل أميركا دولة عظمى مجددا، مقدما الوعود والحلول ناشرا الرعب عبر الذريعة التي تقدمها الولايات المتحدة في ما تسميه حربا ضد الارهاب عازفا على وتر خوف الأميركيين من المدّ الإرهابي ،مستخدما قاموسه المحدود، مؤكدا أنه الوحيد القادر على تقديم المعجزة، يدير ترامب معركته..وكل ما يؤثر في مخيلة الجماهير يقدم نفسه على هيئة صورة مؤثرة أو غير مصحوبة الا من قبل بعض الوقائع العجيبة كمعجزة كبيرة، أمل كبير أو نصر كبير!! ولذلك المظهر قد لعب دائما في التاريخ دورا أكثر أهمية من الواقع.

دونالد ترامب بعنصريته ومحافظته هم النتائج التي ستظهر عاجلاً ام آجلاً! والكارثة عندما تجتمع الشهوة الجامحة بالطبع الرديء.وعندما لا يحول شيء بين نزوات زعيم وأوهامه وبين تحقيقها لتصبح كل النتائج الغريبة محتملة. ان فوز الرجل المتوتر” الجاهل الاستثنائي” كما يرى المحللون “سوف يفسد الذوق السياسي وسيصاب العالم بلغة أخرى من الخواء الثقافي والتعابير الشارعية فأمثاله يتجاوز تأثيرهم حدود بلادهم فينقلون على مهل أو عجل تيار العنف الذي يتسببون به في بلدهم ليغرقوا السياسة الدولية بأكملها. والشعوب لا تستفيق الا متأخرة وبعد فوات الآوان.”

إقرأ أيضاً: «ويكيليكس» تعلن عن 10 ملايين وثيقة ستهز الانتخابات الأميركية.. ونائب ترامب ينقذه!

والجدير بالذكر أنه سواء فاز ترامب أو هيلاري فالرئاسة الأميركية لا تتأثر فهما ليسا إلا وجهان لعملة واحدة. وهناك خطة استراتيجية لكل من يقطن البيت الأبيض أو “الامبريالية الجديدة” كما سمّاها جون بيلجر الكاتب والصحافي الأسترالي “تستخدم التكنولوجيا والشركات العابرة للقوميات وشعارات معولمة.”  مؤشرات الفارق بين رئيس وآخر تتوقف على الإبداع في تنفيذ الخطة وأيضأً على من يعتبر نفسه خليفة الله.

اذن الجنون أبعث على النجاح وبين رئيس عندنا ورئيس عندهم، و”حفلة المجانين” في زحفها على الرئاسة سيتغير الكثير! وإن السلطة قد تفسد العقل أكثر مما قد تفعل الأمراض العقلية.

فماذا ينتظرنا نحن هنا، وماذا ينتظر العالم من هناك إلى هنا في الثامن من تشرين الثاني؟َ!

السابق
بالفيديو: سجينان في سجن القبة يهددان بشنق أنفسهما
التالي
الرئيس الكولومبي نال نوبل للسلام …والخوذ البيضاء السورية نالت التهنئة