عقل: الثنائي يسيطر على البلديات بـ30% من الأصوات فقط

محمد عقل
عقدت مجلة "شؤون جنوبية" و"تجمّع لبنان المدنيّ" ندوة تحت عنوان "مشاركة شهادات حيّة لشابات وشباب ضيوف شاركوا في هذه الانتخابات"، في البداية كانت كلمة الافتتاح لرئيس تحرير مجلة شؤون جنوبية محمد عقل وهذا ما جاء فيها.

في قراءة سريعة نسجلها بعد جولة ميدانية لمندوبينا في محافظتي الجنوب والنبطية وسننشرها في العدد المقبل من المجلة نختصرها بالوقائع والأرقام كالآتي:

اقرأ أيضاً: الثنائية المارونية تسقط والثنائية الشيعية تترنح

على مدى أربع محطات انتخابية (1998 – 2004 – 2010 – 2016) سجل الثنائيّ الشيعي (حزب الله – حركة أمل) فشلاً ذريعاً على المستوى الإنمائي في القرى التي تسلّم بلدياتها على مدى 18 سنة متواصلة. وتبين للناس أن الثنائيّ مارس أنعم وأقسى حالات إقصاء الصوت الآخر ومصادرة الرأي. فتمثل في الثنائيّ تحالف المحاصصة والفساد وهدر الأموال البلدية التي هي أموال عامة. وقد أبْعد الثنائيّ في اتفاق مشترك كلّ الحزبيين الذين كانوا أعضاء سابقين في المجالس البلدية من حزب الله – أمل، لتفادي السُّخط الشعبي والنّفور العام اللّذين أحدثهما وجود هؤلاء طيلة أكثر من 10 سنوات، وكانوا عجافاً مثالاً للفساد والسّمسرات.

المشاركة والتمثيل

هذا الواقع انعكس في انتخابات 2016 حالاً من التململ الشعبي وعبّر عن نفسه بندرة الإقبال على الانتخابات، وتلحظ تقارير وزارة الداخلية إن نسبة المشاركة في الاقتراع لم تصل إلى 50% إلا نادراً في بعض القرى. وهذا يعني أن نسبة المقاطعة تعدّت الـ50%.

أكثر من 20% شاركوا من المعارضات ليقولوا: (لا) كما حصل في بعلبك والبقاع الغربي وبلدات جنوبية كثيرة وفي الضاحية الجنوبية مع احتمال وجود نسبة من الأوراق البيضاء تعدّت 5%. وليس هنا قوة أو تقنيّة مراقبة تعرف أعدادها في لبنان.

وهذا يعني أن نسبة الثنائيّ الواضع يده على بلديات محافظتي الجنوب والنبطية هي أقل من 30%، ويتحكّم بأكثر من 70% من الجنوبيين.

فإذا كانت الفترة الحالية ستعكس صورة طبق الأصل عن سابقاتها، فالثنائيّ الشيعي يأخذ المجتمع الجنوبي نحو المواجهة. لأنّ شعار: اسكتوا إننا نواجه العدو الإسرائيلي لم يعد مجدِياً، بل هو غير موجود بعد أن تغيّرت وجهة حزب الله في المواجهة كلياً وصار العدو الحقيقي في مكان آخر.

كل هذا يعني أن الأحزاب اللبنانية وخصوصاً الطائفية تعيش أزمة حياة سياسية. إنه الجمود والموت يسري في شرايين هذه الأحزاب وعلى مستوى القيادات الوسطى. وتأبيد القيادات التي تعدّت في الثنائي الشيعي النصف قرن في أمل، والثلث قرن في حزب الله. وهذا انعكس فراغاً في الرئاسة وتمديداً في المجلس وتعطيلاً في الحكومة.

نتائج تدخلات الثنائيّ

دخل الثنائيّ بقوة تحت مسمّى “الوفاق والتنمية”. وتعاطى مع كل حال على حدة. فسيطر حيث يجب، وصارع حيث اختلف في الداخل والخارج، وسلّم أو عطّل حيث لاحظ ضعفه، وتراجع أمام الخدمات في بعض مناطق الخصوم. وخرج من المعركة غير المتكافئة. كالآتي:

1 – السيطرة: واعتمدها الثنائي في الحواضر وعواصم المحافظات مثل النبطية، كفررمان، حولا، جويا، فتم وضع اليد عليها بكل الأساليب المتاحة. فكانت البرامج واضحة ومظاهر الفساد والسلطة واضحة أيضاً.

2 – الصراع: برز بقوة بين جناحي الثنائيّ وبينه وبين الآخرين في بلدات عديدة، مثل جبشيت، (نموذجاً حياً). فوصل الصراع داخل حزب الله إلى تأليف لائحتين مضادتين من داخل الحزب. وإصدار بيان نفي من القيادة، قابلته انتخابات على الأرض. إضافة إلى الصراع مع “أمل” كما حصل في عدلون، عدشيت، البيسارية، حارة صيدا، المنصوري.

3 – التسليم: حاول الثنائي التعطيل، ولكنه سلّم في مناطق تناقصت فيها شعبيته خصوصاً حين كان الأمر يتعلق بالاختلاف المذهبي، أو الولاء السياسي المناقض والرافض لوجوده مثل: شبعا، وغيرها..

4 – الخدمات: هناك قوى أو فعاليات قدّمت خدمات فرضت نفسها مثل: حاريص، ديرانطار، راشيا الفخار، فنجحت تحالفات وفعاليات مؤثّرة بخدماتها فاستبعدت الثنائي علناً.

5 – الخروج: لقد خرج الثنائي نهائياً من مناطق جنوبية واسعة تختلف معه مذهبياً ولها ولاءاتها التي تمثلها حال: كفرشوبا، حاصبيا، الهبارية، كفرحمام، وقرى: كفرديس والماري، فكان مراقباً فحسب.

حصص أحزاب السلطة

أظهرت أحزاب السلطة تناغماً في تقاسم جبنة البلديات ونتائجها. فيما بقايا الأحزاب الوطنية ذابت، واستمرّ الحزب الشيوعي يفاوض ويسكت إذا أُعطيَ حصّة، ويقبل بالثنائي، أو يعارضه إذا رفضه الأخير. فيما حاولت منظمة العمل الشيوعي الترشّح بلوائح تجمع بين الحزبيين والمستقلّين، أو دعم لوائح مستقلّة، أو اختيار الأصلح من المرشّحين. أما التابعون والمستقوون بالثنائي فاعتبروا أنفسهم ملحقين وارتاحوا مثل: الحزب القومي.

شؤون جنوبية

أما المعتدلون وفي مقدمهم تيار المستقبل فتركوا هامشاً للمناورة طبقاً للمصلحة وتعاملوا مع الثنائي أو رموزه بشكل غير مباشر (كما كانت الحال في شبعا مثلاً). أما المستقلون ومسمّى: العائلات، فقد لعب الكل على شرذمتهم باعتماد ما سُمّي بـ”التوافق” وزرعَ الثنائي بينهم المرشحين – الألغام، الذين يسحبهم أو يستخدمهم وقت الحاجة، ما انعكس تشرذماً وفوضى بين العائلات وخلافات بين الفعاليات والوجاهات في المجتمع المحلّي. فانسحبوا أو سكتوا.

المطلوب

إن هذه القراءة السريعة تظهر بما لا يقبل الجدل، أن هذه المنظمات المذهبية تستولي على مقدّرات الحكم والإدارات المحليّة وتعمل بقوة للحلول مكان الدولة. فهي في تحالفاتها تصادر القانون، ولا تحترم الاتفاقات ولا المواثيق التي توقّعها ولا تراعي مبدأ “حق الاختلاف”.

وعلى الشعب اللبناني وهيئات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية أن تعرف هذه الحقائق وترفضها عبر مقاومة مدنية شاملة. وأن التلكؤ في معالجة استفحال هذه الظاهرة تعني قيام دولة ضمن دولة، لمنظمات ذات طابع أمني – عسكري، وتوظيفه في المعالجات للأوضاع السياسية الداخلية. وهو ما يهدّد مشروع الدولة المدنية. والإجهاز على ما تبقّى من النظام السياسي اللبناني برمّته.

اقرأ أيضاً: ياغي: حزب الله اضطر ان يستخدم الرشاوي في بعلبك

وبات المطلوب بإلحاح الآن، تأمين شروط وقواعد قانونيّة لضمان حريّة الناخب، وحمايته من المال السياسي، والانتخابي. لأنّ المشكلة ليست في طبيعة ومواصفات القانون الانتخابي، بقدر ما هي حماية النّاخب وتطبيق القوانين وهذا لا يُلغي المطالبة بقانون انتخابي يؤمّن صحّة التمثيل. ومطلوب أيضاً الضغط المتواصل لحصول الانتخابات النيابية في موعدها، وأن تكون خارج القيد الطائفي، لإمكانية تغيير سياسي باتجاه الدولة المدنية. وإقرار إصلاحات مهمة مثل: بطاقة الانتخابات الخاصة، وتخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، وإقرار الانتخابات البلدية بحسب الإقامة وليس بحسب الهويّة. وإلغاء النظام الأكثري وقانون الستّين. وإلا فنحن ننتج الأزمات المفتوحة. ونلغي بيدنا النظام الديموقراطي البرلماني الحر.

السابق
مزوّر صُوَر ليال عبود …في السجن‏
التالي
حوار حزب الله مع جبهة النصرة… مناورة أم تكتيك؟