دون مبالغة، ولا شعارات طنانة، مبلغ 150 ألف يورو نعثر عليه بالصدفة في أثاث مستعمل اقتنيناه ولا صاحب له، كان كفيلاً أن يغريَ نفوسنا، فنستحوذ عليه، ولمَ لا، ونحن لم نسرقه ولم نسلبه ولم نختلسه وإنّما كان جزءاً ممّا ابتعناه لذا فهو منطقياً حقٌّ لنا.
هذا التصرف هو الطبيعي بالنسبة للسواد الأعظم من المجتمعات العربية والغربية على حد سواء، والتي تنظر لأيّ مكسب حققته بالصدفة على أنّه كنز مستحق.
مهند الموسى، النازح من سوريا لألمانيا، والذي حمّل روحه على كفّه بين العبارة المثقلة بالنازحين، وأمواج بحر ايجه، وبين وطن يحترق خلفه، ودولة أوروبية سوف يغامر إليها وبها، لم يفكّر بهذه المنطق.
ابن الخامسة والعشرين عاماً، نزح من بلاده لبلاد “اليورو” منذ تسعة أشهر، ليجد منذ أيام قليلة الكنز الدفين، مهند وفي اتصال مع “جنوبية”، يوضح عمّا يلاقيه النازح في المانيا فيقول “ببساطة ما من عنصرية، بل هناك احترام لنا كلاجئين“.
ويروي ما جرى معه، فيقول ” استأجرت منزلاً، وكنت أجهزه بالأثاث ثم ذهبت لأبتاع خزانة مستعملة رخيصة وأثناء توضيبها لاحظت أنّ أحد الرفوف مركباً بطريقة عكسية لأجد ظرفاً يحوي 150 ألف يورو موزعة بين 50 ألف يورو “كاش” و5 دفاتر توفير قيمة كل واحد منها 20 ألف يورو”.
يضيف “في بادئ الأمر حسبتها مزورة ففتشت عبر الانترنت عن العملة وكيفية معرفة الاصلية منها ثم تأكدت أنّها نقود حقيقية، في حينها جلّ ما خطر لي عائلتي وأن آتي بهم إلى ألمانيا وأساعدهم ولم أفكر بنفسي للحظة، إلا أنني حينما أخبرت صديقي المقرب أشار لي أنّه بحسب معلوماته هذه الأموال محرّمة علي”.
إقرأ أيضاً: حلّوا عن سما اللاجئ السوري… يا عنصريين!
مهند لم يسقط بإغراء المال والنقود الذي كانت سوف تجمعه بعائلته، ليتابع “سألت وبحثت وحينما تأكدت أنّ هذه الأموال لن تكون من حقي، بأيّ حال ولو كان صاحبها قد توفي أو مفقود قررت أن أسلمها”.
وعن موقف الشرطة الألمانية، يشير “نظروا إليّ بصدمة فما قمت به كان مفاجأة لهم، إذ أنّ الشعب الألماني يعتبر أنّ كل ما يجده هو حقٌ له”.
ولفت مهند إلى أنّه “بالرغم من الاستحسان الذي تلقيته إلا أنّ كثيرين قاموا بتكذيبي ومنهم من كفروني إذ اعتبروا أنّ هذه أموال الكفرة وكان عليّ أن لا أعيدها”.
وعن موقف عائلته يوضح “لم أخبرهم بالأمر وإنّما علموا من وسائل الإعلام وافتخروا بما قمت به”.
إقرأ أيضاً: عنصريتنا تطغى… وأبطالها ناشطون مدنيون!
الشاب السوري يؤكد أيضاً لـ”جنوبية” أنّه لم يندم للحظة على قراره، ويعلق “ولو تكرر الأمر لقمت بتسليمها مجدداً فجلّ ما يهمني هو رضا ربي، كذلك فإنّ ما حدث قد انعكس بطريقة ايجابية على النظرة إلينا لا سيما بعد الفكرة السلبية التي رسمت لدى جزء من المجتمع الألماني عن اللاجئين إثر حادثة التحرش التي ضجت ليلة رأس السنة الماضية”.
وعن موضوع المنحة التي تلقاها الذي تداولته بعض المواقع، يلفت مهند “بعدما عُرضت تقارير اعلامية حول الحادثة قدمت لي جامعة ألمانية منحة لمواصلة الدراسة في هندسة الاتصالات”.