المقاطعة أشد وقعاً من التصويت .. ولكن!

الاستحقاقات الانتخابية المحلية في أي بلد يشهد أزمة ما يكون هدفها كما هو مفترض مساعدة المجتمعات المحلية على إعادة تشكيل مجالسها لتسيير أمورها الخدمية واليومية وعزلها عن تداعيات الأزمات الوطنية، لكن هذه الاستحقاقات تشكل محطة هامة لقراءة مزاج المواطن وما إذا كان راضياً عن آداء الدولة ومؤسساتها.

مع انتهاء الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية في لبنان، يمكن القول إن الصورة العامة لدى هذا المواطن اكتملت لتعبّر عن الصورة الأكثر قرباً لواقعه المزري من نتائج الصناديق البلاستيكية المهترئة.

من الطبيعي أن تكون نسبة الإقبال في القرى والبلدات مرتفعة عما هي عليه في المدن الكبرى نظراً لما يلعبه العنصر المحلي وبالتحديد العائلي في حثّ المواطن على التوجه إلى مراكز الاقتراع، لكن نسبة الإقبال في القرى والبلدات لا يمكن أن تعطي نتيجة سياسية صافية، وهذا ليس استخفافاً بطبيعة الحال بصوت الناخب في المناطق البعيدة نسبياً عن المدن الكبرى.

الانتخابات البلدية

وعليه، لا يمكن الخروج بخلاصة سياسية للاستحقاق البلدي في لبنان إذاً لم يُؤخذ في عين الاعتبار مستوى الإقبال في المدن، كالعاصمة بيروت وعاصمة الشمال طرابلس، حيث أن العامل السياسي هنا يكاد يكون الحاسم في دفع الناس من عدمها على المشاركة في العملية الانتخابية.

من الواضح أن أغلبية لا يمكن الاستهان بها مطلقاً من عامة الناس في بيروت وطرابلس قررت المقاطعة وفضّلت البقاء في بيوتها صامتة لا حول لها ولا قوة، وإن كانت أسباب الإقبال المعدوم مختلفة بين المدينتين نظراً لطبيعة الأزمات فيهما واختالافها رغم وجود أزمات مشتركة ليس فقط في هاتين المدينتين، بل على مستوى البلد ككل.

إقرأ أيضًا: أربع لوائح في طرابلس: وريفي «لجرب المجرب عقلو مخرب»

المقاطعة الكاسحة في بيروت وطرابلس هي أشد وقعاً من التصويت، لا بل إنها تصويت على رفض الواقع السياسي في البلاد، حيث نجحت “لائحة المقاطعة” بالفوز من دون الحاجة إلى المهرجانات الانتخابية المكلفة الثمن، ولا إلى المال السياسي لشراء أصوات الناحبين، ولا إلى المندوبين لإجبار الناخب على تنزيل اللائحة كاملة في الصندوق، ولا إلى إنفاق المال على طبع الصور واللافتات وتعليقها على الحيطان ومن ثم نزعها في اليوم الثاني لبعد الانتخابات.

الانطباع الذي يمكن الخروج به من نتائج الإقبال وليس التصويت هي أن اللبناني مصاب بالغثيان من وضع البلد وأحزابه السياسية التي لا همّ لها سوى الإبقاء على هذا الوضع لما يمثّله لها من الحفاظ على مصالحها ووضعها في الدولة.

لم تُقلح مع المواطن حقن التبعئة السياسية والطائفية في حثّه على المشاركة في العزاء الانتخابي، وليس العرس كما تحرص الأحزاب السياسية التقليدية على تصويره. ولتحمد هذه الأحزاب ربها أن اللبناني الذي قاطع الانتخابات لم ينزل إلى الصناديق للاقتراع بكيس زبالة تكدّس أمام منزله من دون أن تفلح “دولة” في القرن الحادي والعشرين في رفع النفايات دون التوصل إلى “تسوية سياسية”.

إقرأ أيضًا: علوش: لهذا تنازل المستقبل في بلدية طرابلس للحلفاء‏

قد يصح الاستنتاج أن الأحزاب السياسية اللبنانية ليست مضطرة بعد الانتخابات البلدية إلى إنهاك نفسها في التحضير للانتخابات البرلمانية في حال حصلت تسوية تقضي بإجرائها في بلد التسويات.

مقاطعة انتخابات بلدية لا يختلف كثيراً عن مقاطعة انتخابات نيابية، واللبناني عندما يقاطع استحقاقات النظام اللبناني فهو يخطو خطوة إلى الأمام، لكنّه عندما يكتفي بالمقاطعة فذلك يعني أنه خطى خطوة للوراء، والنتيجة هي استمرار الوضع على ما هو عليه. يعني صفر!

السابق
إقفال صناديق الاقتراع محافظتي الشمال وعكار
التالي
مصادر لائحة قرار طرابلس: ريفي يتقدم