جولات حرب الجبل – التبانة، فصلت طرابلس عن الحاضنة اللبنانية، فإرتدت هذه المدينة المنكوبة ثوب الموت والحداد لما يزيد عن عشرين جولة من حرب الشوارع بين الأشقاء..
طرابلس، الرصاص، الفقر، التطرف، وإعلام يتسابق ليعكس ظلامية المشهد فيحيط هذه المدنية بكمّ من المخاوف لا تحجب عنها السوّاح وإنّما ترهب جيرانها من زيارتها خوفًا من خطف أو نشل أو رصاصة طائشة.
طرابلس المعزولة عن لبنان أولاً والعرب ثانيًا، وعن الاهتمام العالمي ثالثًا، أصبحت حدثًا في الاونة الأخيرة، ففي حين كان لبنان يتوقف عند الذكرى الواحدة الأربعين للحرب الأهلية، كانت طرابلس في مناخها الفني تحضر لمهرجان الأفلام في دورته الثالثة.
قصة “الفيحاء” والسينما تعيد أهلها لخمسينات القرن الماضي، لصالات السينما التي كانت تعكس حضارة طرابلس الفنية، هذه الصالات التي لا يعلم بأغلبها جيل الألفية الثالثة، فمنها ما تحوّل إلى خرابة، ومنها ما بيع وما أغلق وما تمّ تهديمه.
بمهرجان الأفلام، تجددت الشاشة العملاقة، وأضاءت شخصيات وأفكارًا، في مواجهة ثقافة التطرّف التي يحاول بعض الإعلام والسياسة حصرها في طرابلس، إلا أنّ المخزي في هذه البيئة التي تتلهف للحياة هو الإهمال من الفعاليات ففي حين تحوّل مهرجان الأفلام لحدث بارز يرّد على كل مغرض للمدينة، كانت سينما ريفولي اليتيمة قيد التهديم.
إقرأ أيضًا: حملة الممانعة تتجدد لـ«شيطنة» طرابلس وعرسال
مع انتهاء ثقافة الموت، وانتهاء الجولات، ومع الخطة الأمنية، كانت الدورة الأولى لمهرجان الأفلام (2014)، هذا الالتقاء بين الفن والثقافة، وبين واقع مدينة تنفض عن أبنائها وأبنيتها غبار الحرب، حوّل المهرجان إلى تحدٍّ، الحياة في مقابل الموت، الفن ضد الرصاص.
وهذا ما صرّحت به المنسقة الإعلامية للمهرجان مطيعة حلاق لموقع “جنوبية”، ناقلة لنا الجهود الجبارة التي تتكرر كل عام بإشراف المدير إلياس خلاط، وبعزم المتطوعين من كافة أطياف المجتمع ومهنه، الذين وجدوا في الصوت والصورة بعضًا من تاريخ المدينة الذي لا بدّ من استعادته، بهمّة هؤلاء الذين وضعوا نشاطهم بتصرف المهرجان لا لغاية إلا لأجل حضارة الفيحاء، وبحنكة المنظمين وتطلعاتهم، اخترق مهرجان الأفلام دورته الثالثة بعبور عربي ودولي وبصبغة التعايش والإبداع.
إقرأ أيضًا: حملة الممانعة تتجدد لـ«شيطنة» طرابلس وعرسال
حلاق، التي تؤكد أنّ العام الأوّل كان عام التحدي ففي ظلّ المناخ الأمني بدأ المهرجان حاملاً شعار “مقاومة ثقافية: صروح ثقافية تقاوم”، لتتنوع العروض بين بيت الفن ومركز الصفدي تفاديًا للمركزية وللإتاحة لكل الراغبين الحضور والمشاركة.
وفي الدورة الثانية حقق المهرجان مزيدًا من النجاح، وصولاً لهذه الدورة والتي أصبحت حديث الصحافة والنقاد.
المهرجان رئيسه الفخري هو المخرج الطرابلسي اللبناني العالمي جورج نصر، وأعضاء لجنة التحكيم بخ يتميزون بأنّهم النخبة في مجالاتهم وهم “: السينمائي والناقد الفرنسي فيليب جالادو، المخرج المصري أمير رمسيس، الروائية اللبنانية ــ الفرنسية ياسمين خلاط، الصحافي والناقد نديم جرجورة، المنتج محمود القرق، والمخرجة ميشال تيان.”
إقرأ أيضًا: مهرجان طرابلس للأفلام: وجهٌ حضاري للفيحاء
53 فيلمًا يشارك في المهرجان من أصل 227 تقدّموا، عدد تتوقف عنده “الحلاق” بكثير من الفخر والتفاؤل، يضاف إليهم 4 أفلام من خارج إطار المنافسة منهم فيلم “موج 98” للمخرج اللبناني ايلي داغر، وهو فيلم تحريك نال جائزة “السعفة الذهبية” في مهرجان كان السينمائي.
تضيف الحلاق، أنّ العروض المشاركة تتنوع بين الروائي الطويل والروائي القصير، والوثائقي الطويل الوثائقي القصير، والتحريك، وتشدد على عروض “الهواء الطلق” والتي تجري بين جبل محسن وباب التبانة، لأنّ السينما ليست حكرًا لأحد ولذلك هم يحملونها زيأخذونها لمن لا تسمح لهم الظروف متابعة العروض.
ولكن العتب هو على الجامعات والمدارس، التي لا تدرج هذا المهرجان بين أولوياتها فيمرّ دون التفاتة جدية منهم، ودون تثقيف الطلاب بهذا الفن وبتاريخ طرابلس السينمائي..