التطرف السعودي المتهور

جواد ظريف

يحتفل العالم قريباً بتنفيذ الاتفاق التاريخي لحل الأزمة التي لم يكن لها داع ولكن الخطيرة حول البرنامج النووي الإيراني. كل الأطراف أملت ولا زالت تعتقد بأن حل القضية النووية سيمكننا من التركيز على تحدي التطرف الجدي الذي يجتاح منطقتنا والعالم.
لقد أعلن الرئيس روحاني مراراً أن الأولوية في السياسة الخارجية الإيرانية هي إرساء الصداقة مع جيراننا، والسلام والاستقرار في المنطقة والتعاون العالمي خصوصاً في محاربة التطرف.
في أيلول سبتمبر 2013، أي بعد شهر على وصوله للرئاسة، اقترح مبادرة تحت عنوان “العالم ضد العنف والتطرف” تمت الموافقة عليها بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة بما اعطى الأمل بحملة عالمية بعيدة النظر ضد الإرهاب.
ولكن للأسف بعض الدول وقفت في وجه المشاركة البناءة.
في أعقاب توقيع الاتفاق المبدئي النووي في تشرين الثاني نوفمبر 2013 بدأت السعودية تكرس مقدراتها من أجل القضاء على هذا الاتفاق، يدفعها إلى ذلك الخوف من تداعي الايرانوفوبيا التي اخترعتها.
اليوم البعض في الرياض لا يستمر فقط بعرقلة التطبيع بل يبدو مصراً على جر كل المنطقة إلى المواجهة.

إقرأ أيضاً: إيران تتصرف كما لو أنها وصية دولية على الشيعة
تبدو السعودية خائفة من أن اتضاح الصورة حول المسألة النووية من شأنه أن يكشف التهديد العالمي الحقيقي الذي تمثله رعايتها الفاعلة للتطرف العنيف. الهمجية واضحة. في الداخل جلادو الدولة يقطعون الرؤوس بالسيوف كما حصل في الإعدامات الأخيرة لسبعة وأربعين سجيناً من بينهم الشيخ نمر النمر، رجل الدين الذي يحظى بالاحترام والذي كرس حياته من أجل الحقوق المدنية والسلمية. وفي الخارج رجال ملثمون يقطعون الرؤوس بالسكاكين. دون أن ننسى أن منفذي الكثير من الهجمات الإرهابية من أحداث 11 سبتمبر المرعبة إلى إطلاق النار في سان برناردينو مروراً بحلقات المذبحة المتطرفة بالإضافة إلى غالبية عناصر الجماعات الإرهابية كالقاعدة وجبهة النصرة، كانوا إما سعوديين أو أشخاص تعرضوا لغسيل أدمغة من قبل الديماغوجيين الذين يمولهم البترودولار والذين روجوا على مدى عقود لرسائل معادية للاسلام قائمة على الطائفية والكراهية.

ايران والسعودية
إن الاستراتيجية السعودية لعرقلة الاتفاق النووي وإدامة أو حتى زيادة التوتر في المنطقة تقوم على ثلاثة عناصر: الضغط على الغرب، تكريس حالة عدم الاستقرار الاقليمي من خلال شن حرب في اليمن ورعاية التطرف، واستفزاز إيران بشكل مباشر.
حملة الرياض العسكرية في اليمن ودعمها للمتطرفين كلاهما معروفان جيداً. أما التحريض ضد إيران فلم يكن يتصدر الاخبار العالمية، بالدرجة الاولى بفضل سياسة ضبط النفس الحكيمة التي اعتمدناها.
إن الحكومة الايرانية وعلى اعلى المستويات دانت بشكل لا لبس فيه الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران يوم الثاني من كانون الثاني يناير، كما أعلنت ضمان سلامة الدبلوماسيين السعوديين.
اتخذنا تدابير فورية لإعادة الامن والنظام الى المجمع الدبلوماسي السعودي واعلنا تصميمنا على سوق الجناة للعدالة. كذلك اتخذنا اجراءات تأديبية بحق المقصرين في حماية السفارة وفتحنا تحقيقاً داخلياً لتفادي تكرار ما حدث.

إقرأ أيضاً: هكذا تحيا إيران… ويموت أتباعها من الشيعة العرب…
وعلى عكس ذلك، فإن الحكومة السعودية أو أتباعها استهدفوا على مدى السنوات الثلاث الماضية بشكل مباشر المقرات الدبلوماسية في اليمن ولبنان وباكستان، وقتلوا دبلوماسيين ايرانيين ومحليين. كما كانت هناك استفزازات أخرى أيضاً. فقد تعرض الحجاج الإيرانيون في السعودية لمضايقات ممنهجة، إحداها أججت الغضب الشعبي حين أقدم ضباط سعوديون في المطار على ضرب فتيين إيرانيين في جدة.

إقرأ أيضاً: هل يساهم رفع العقوبات عن ايران باستقرار المنطقة…أم بتصعيد النزاعات فيها؟
كذلك فإن الاهمال السعودي تسبب بالتدافع خلال موسم الحج الأخير والذي أدى إلى وفاة 464 حاجاً إيرانياً. علاوة على ذلك امتنعت السلطات السعودية لأيام عن الاستجابة لطلبات العائلات المفجوعة والحكومة الإيرانية باسترداد الجثامين.
هذا ناهيك عن خطاب الكراهية الروتيني ليس فقط ضد إيران بل ضد كل المسلمين الشيعة من قبل الدعاة الذين عينتهم الحكومة السعودية.
إن الإعدام الهمجي الأخير للشيخ نمر النمر كان سبقته مباشرة خطبة كراهية ضد الشيعة ألقاها خطيب احد المساجد الكبار في مكة الذي قال السنة الماضية إن “خلافنا مع الشيعة لن ينتهي كما لن تنتهي العمليات الانتحارية لمحاربتهم” طالما بقي هناك شيعة على الأرض.
خلال هذه المحطات إيران، الواثقة من قوتها، رفضت الرد وقطع أو حتى تقليص العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. حتى الآن كان رددنا بضبط النفس لكن الحكمة لا يمكنها أن تستمر من جانب واحد.
لا رغبة لدى إيران بتصعيد التوتر في المنطقة. نحتاج إلى الوحدة لمواجهة التهديدات التي يمثلها المتطرفون.
منذ الايام الأولى بعد انتخابه أعلن الرئيس وكذلك أنا سراً وعلانية استعدادنا للدخول في حوار، وتعزيز الاستقرار ومكافحة التطرف الذي يزعزعه. لكن ذلك قوبل بآذان صماء في السعودية.
إن على القيادة السعودية أن تختار بين الاستمرار في دعم المتطرفين وتعزيز الكراهية الطائفية، أو لعب دور بناء في استقرار المنطقة. نأمل أن يغلّب العقل.

 

السفير نقلاً عن (نيويورك تايمز)

السابق
هل ستتغير إيران؟
التالي
في ست نقاط هذا ما لم تنقله عدسات المصوّرين عن ترشيح جعجع لعون