نصرالله يطمئن اسرائيل ويحاول مهادنة السعودية

يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون: "أن ما يقوله الزعماء للجماهير يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً وما يوحى به إليها ترفعه إلى مصاف المثل"

من كلام غوستاف لوبون قد تتضح لنا معالم الكيفية التي يتعامل بها السيد نصر الله مع “جمهوره” المأسور دائماً بهالته وطلته “الكاريزماتية” ونبرة صوته التي تعلو وتنخفض حسب معطيات الحدث.

بالأمس كانت المقابلة المتلفزة للسيد نصر الله محاولة يائسة لإعادة حزب الله إلى وجدان الجماهير العربية والإسلامية من بوابة العداء لإسرائيل وديباجة المقاومة والدفاع عن الأرض والعرض والقيم والكرامة التي حولتها ممارسات الحزب إلى تطبيق يحتاج إلى التحديث كل فترة وفق أهواء ومصالح مشروع إيران في المنطقة.

السيد نصر الله يعرف تماماً أنه ما عاد “الزعيم” الذي تُرفع صورته في أصقاع الأرض من المغرب إلى أندونيسيا مروراً بشوارع باكستان، فقد تغيرت النظرة يا سماحة السيد بعد تدخلكم إلى جانب رئيس النظام القمعي في سوريا بشار الأسد في مواجهة شعب كل “ذنبه” أنه طالب بحريته وكرامته فتآمرت عليه كل الدنيا من الصديق قبل العدو حتى يطفئوا جذوة الثورة من صدره وبالطبع فشلوا فما من شعب يُهزم وهذه حتمية أثبتتها التجارب عبر التاريخ.

الانسحاب الروسي الجزئي من الأراضي السورية، وقبلها اتفاق الهدنة الذي صبغ أميركياً وروسياً بعيد عن رغبة إيران التواقة إلى استكمال “تقدمها” الملحوظ في بعض المناطق السورية مستفيدة من الغطاء الجوّي الروسي، أرخيا بظلالهما على حديث السيد بالأمس ليعيد تذكيرنا أنه “مقاومة”!! هذه المفردة التي جيّرها حزب الله رصيداً تعبوياً يصرفه في عقول جمهوره كلما أراد إعادة شد عصبهم بعدما أدرك السيّد ولو في قرارة نفسه دون الإفصاح على طريقة “لو كنت أعلم” أن وجوده وتدخله في سوريا صار العبء الذي يثقل كاهل الحزب على خلفية خسائره المادية والبشرية، والأهم معرفته أن أي تسوية قادمة لن يكون للأسد أي دور فيها مما يعني خسارة رأس النظام الذي أرسل سماحته آلاف الشباب للدفاع عنه بطلب إيراني ممهور بختم المرشد الأعلى علي خامنئي.

السيد حسن وغسان بن جدو

“إسرائيل” صارت قوة إقليمية يحق لروسيا الدولة العظمى أن تقيم علاقات ومصالح سياسية معها. إلى هنا الكلام سليم إذا أرجعناه إلى معادلات العلاقات الدولية، أمّا المفارقة فهي تصريح السيد نصر الله عن تلك العلاقة واعتبار “إسرائيل قوة إقليمية” بعدما كانت لسنين الكيان الغاصب الذي ينوي الحزب إزالتها ورميها في البحر.

أما المفارقة الثانية فقد تجلت في اعتبار السيد أن المعركة مع إسرائيل دفاعية بحتة، وكأنه يوجه رسالة “تطمين” أننا لسنا بوارد افتعال أي مغامرة مع “إسرائيل” على غرار حرب تموز.

إقرأ أيضاً: الى السيّد نصرالله: لا تهاجم الليلة العرب

نتوجه إلى المفارقة الثالثة والأخيرة في حديث السيد نصر الله وهي الأهم نظراً لاحتراف الحزب في استبدال الأعداء وفق ما تقضيه المصلحة الإيرانية لينطلق الحزب في هجومه على المملكة العربية السعودية على خلفية عاصفة الحزم التي ضربت وكسرت المحاولة الإيرانية لخلق حزب الله آخر في اليمن وعلى حدود المملكة التي بدا واضحاً التبدل في منهجيتها في مواجهة إيران من الاستكانة إلى المواجهة العسكرية التي فاجئت إيران خاصة بعد أن ترددت كثيراً السعودية في مواجهة تمدد طهران في العراق والذي تدفع المنطقة ثمنه إلى اللحظة التي استفاقت السعودية لقدراتها بعد أن صارت مصالحها وحدودها في خطر، مما يحتم على السيد استبدال شعار الموت لإسرائيل إلى الموت لآل سعود، وقد حاول سماحته البارحة أن يلطف الأجواء إذا صح التعبير بالتفريق بين العائلة الحاكمة والسعودية التي أقر السيد أن لها قدرات وقوة إقليمية يحسب لها حساب، وهذا ما كان ليتم لولا النتائج الميدانية على الأراضي اليمنية وحصار الحوثيين في صنعاء إلى أن تضيق بهم السبل ويقرّروا تسليم سلاحهم الإيراني والرضوخ إلى الحل السياسي.

إقرأ أيضاً: جنيف٣ … بين لحية علوش المرخصة وسكسوكة الجعفري!!

خطاب الأمس ذات المفارقات الثلاث لن يغير شيء في رؤية جماهير وبيئة الحزب المزهوة في قدرات السيد الذي يجلب لها الكرامة وكأنها سلعة يمننهم بها، أما في مقلب الآخر ما كانت المقابلة مقنعة بل تكللها التناقض والتبدل ولو الجزئي في المواقف، في حين يدرك السيد أن مشروع إيران لن يكون له أي بريق أمل في النجاح طالما هو قائم على المذهبية واستعداء الجيران فقط لبنانياً بينما طهران تسعى لتلقف أي فرصة لتفتح علاقات مع العالم على حساب شيعة العرب ولبنان.

السابق
قوات البيشمركة الكردية تحتفل بالسنة الفارسية الجديدة «عيد النوروز»
التالي
نديم قطيش خارج موقع «المدن»: هل دفع ثمن التباين القطري – السعودي؟