ما بين مضايا وكربلاء: مقاومة الموت جوعاً وعطشاً

هنا مضايا، حيث غاب الإعلام وغابت المنظمات الدولية، وغاب الضمير وسقطت العروبة. هنا مدينة من أشباح، سكانها وجوه شاحبة بأجساد عظمية. هنا حيث اتفق النظام السوري وحزب الله على حرب سلاحها لقمة العيش وتجويع البطون، اتفقا على مشاهدة أهاليها يأكلون البقايا والحيوانات، وعلى مشاهدتهم يتساقطون أجساداً خاوية!

نعم هذه هي مأساة مضايا …

مضايا التي صرخت من المظلمة التي حلّت بها “اقتلونا بالبراميل لا نريد الموت جوعاً”، والتي أصبح بها أكل الميتة حلالاً، ولحم القطط وحتى الكلاب “ضرورياً” لمحاربة حصار المجاعة الذي فرض عليها.

اقرأ أيضاً: «الزبدانيون» يخوضون معركة الأمعاء الخاوية و«الجوع» في مضايا

ولأن الصور لم تعد تكفي، والتضامن الإلكتروني أصبح أضعف الإيمان، شهدت الأيام القليلة الماضية حملة إنسانية واسعة لإسعاف المحاصرين في مضايا عبر جمع التبرعات المالية التي سوف يتم إيصالها إليهم

هذه الحملات التي ما كانت لتثير ضجّة لولا خروج الواقع المأساوي لأهل مضايا من التهميش والتغييب الإعلامي إلى الإنفجار بما يحمله من مناحي كارثية على ساحات مواقع التواصل الإجتماعي.

مضايا

إلا أنّه ومع التشكيك في الحملة التي أطلقت مؤخراً وفتح لها حساب مصرفي تحت عنوان “الحملة المدنية لإنقاذ مضايا والزبداني من واقع الموت جوعاً” والتساؤلات العديدة التي طرحت حول كيفية إيصال التبرعات تحت وقع الحصار المشدد، إضافة إلى الإنتقاد الواسع الذي رافق الحملات تحت حجّة أنّ شبيحة النظام ومن معه من حلفاء سوف يستفيدون أيضاً من هذه الأموال.

الناشط “علي ابراهيم” وفي حوار معه عن الحصار الذي يفرضه كل من النظام السوري وحزب الله على مضايا منذ ستة أشهر، وصّف الأوضاع هناك بالكارثية، حيث يوجد أربعون ألف نسمة من أهالي الزبداني وأهالي مضايا تحت الحصار ويحاربون المجاعة ، ومن يسكنون مضايا هم هياكل عظمية.

هذه المجاعة والتي حصدت منذ ان بدأ الحصار حتى اليوم ما يقارب ال 62 شهيداً سقطوا من حرب الجوع، من بينهم عشرين طفلاً، هذا دون إحصاء من يستهدفهم رصاص القنص الذي لا يرحم حتى النسوة والأطفال، إضافة إلى الذين تغتالهم الألغام .

كفر الجوع وعهر الأنظمة أفضى بأهل مضايا ان يأكلوا لحوم الكلاب، فحسبما اختصر لنا الناشط علي ابراهيم حربهم للبقاء وإيجاد القوت، بأنّهم يأكلون كل ما يتاح من أعشاب وحتى لحوم قطط، بل ذهب بهم الأمر إلى حد إقدام أحدهم على ذبح كلب وإطعامه لحمه لأولاده .

وفيما يتعلق بالغلاء المعيشي الفاحش، أخبرنا أن كيلو الأرز أو البرغل يتراوح بين ال 200 دولار وال 300 دولار فيما أصبح الحليب أغلى من الذهب إذ وصل لـ 500 $.

ومن يمكنه الشراء في ظل الواقع المفروض والأسعار المتصاعدة؟

كانت الإجابة لا أحد، غير أنّ من يملك مجوهرات من النساء يبيعه مقابل نصف كيلو أرز على سبيل المثال، وأيضاً قد يعمد أحدهم إلى بيع سيارته أو دراجته لحواجز النظام وحزب الله مقابل بعض الحليب .

اقرأ أيضاً: لماذا لم ننتبه أن عبد الناصر سنّي والشّاه شيعي؟

وعن الأمم والمنظمات الإنسانية ودورها في إنقاذ مضايا، كانت الإجابة سلبية، إذ أكد أيضا الناشط السياسي والإعلامي علي ابراهيم أنه خلال ستة أشهر حصار لم يكن هناك اي تحرك، حتى اتفاقية جنيف لم تشمل مضايا، مشيراً أنّ الأمم المتحدة أدخلت المساعدات مرة واحدة خلال اتفاقية الفوعة – كفريا غير أنّها كانت بكميات قليلة و 25% منها فاسد.

مضايا

وفيما يتعلق عن ما يتردد أن فكّ الحصار عن مضايا مقابل فكّ الحصار عن الفوعة، أجاب بأنّهم يطالبون بتحييد مضايا وبلدة الزبداني عن حالة الحرب وآليتها وعن اتفاقية “الفوعة – وكفريا”، والتي هي في واقعها اتفاقية حرب.

وأما عن الحملة التي أطلقت مؤخراً تحت عنوان “الحملة المدنية لإنقاذ مضايا والزبداني من واقع الموت جوعاً”، وفي سؤاله عن أصل فكرتها، فقد أوضح لنا أنّها تمت بفكرة عفوية جماعية يتمّ بها التنسيق مع الناس المتواجدة داخل مضايا، مضيفاً أنّها ليست الحملة الوحيدة بل هناك أيضاً عدة حملات أخرى غير أنّ ما يوحدّها جميعاً هو الهدف الإنساني الذي يتمثل بإنقاذ أهالي مضايا .

وعن سبب تأخر الحملات كل هذه المدة بعد أن تحوّلت مضايا لمدينة أشباح يتساقط أهلها جوعاً، أشار لنا أنّ واقع مضايا كان في السابق عرضة للتغييب والتعتيم نوعاً ما، غير أنّ الضغط الإعلامي مؤخراً والذي ساهم في نشر واقعها المأساوي في هذه المرحلة، هو الذي دفع الناس إلى التحرك والإندفاع بهذه الحملات والتجاوب معها من منطلق عاطفي وإنساني .

أما عن كيفية إيصال المساعدات، وهو السؤال الذي يراود الكثيرين ويضع الحملات موضع انتقاد، فأكد لنا أولاً أنّ المساعدات مالية وليست عينية، وسيتم توثيق طرق توزيعها بالأسماء والتي سترسل بالتالي للأشخاص الذين قاموا بالتبرع .

مشيراً إلى أنّ الأموال ستصل عبر الوسيط والذي هو من مجموعة المتاجرين المتعاملين مع المجموعة المحاصرة أي النظام وحزب الله، والجدير بالذكر إلى أنّ هذه الأموال لا يتم إيصالها بشكل علني، إلاّ أنّ الهدف الأساسي من كل هذا هو إنقاذ أهالي مضايا من موت محتم قبل كل شيء.

مضايا

وعن ثقة الناس بهذه الحملات ومدى تجاوبها، أجابنا أن هناك حملات كبيرة ولها اسم واستراتيجية مثل حملة ملهم التطوعي، وأن الناس بطبيعة الجال ليس متخوّفة مضيفاً أنّه هو مثلاً يتعامل بهذه الحملات بإسمه الشخصي ممّا يساهم في كسب الثقة والمصداقية .

كما هناك أيضاً الهيئة الإغاثية الموحدة، وكذلك هناك حملات مصغرة، والجميع يثق بآلية العمل لأن الجميع يعمل بإسمه لإعطاء الثقة، ويوجد كذلك حملات موجود موثوقة للناس وتمّ التعامل معها مسبقاً وتؤدي واجبها، لذلك تجاوب الناس مع هذه الحملات بشكل عام هو إيجابي.

اقرأ أيضاً: عملية الثأر للقنطار خجولة… وحزب الله «غير جاهز»

كما ولفت أخيرا الناشط علي ابراهيم إلى أنّه ورفاقه يعملون على الشق الإنساني والسياسي في آن واحد، فهم وإن كان هدفهم اليوم هو إنقاذ أهالي مضايا من هذا الواقع، غير أنّهم يسعون أيضاً إلى الضغط على المجتمعات الدولية لرفع الحصار عنها.

 

السابق
مكارم شيرازي: الدول التي قطعت علاقاتها مع ايران ستتوسل لاعادتها
التالي
مِيلود يَبْرير راويًا حرب الجزائر