لا نساء في ماراثون الضاحية: أهو عنف رياضي؟

ماراتون الضاحية الجنوبية
كانت البيئة اللبنانية سابقا أكثر مُحافظة، وعلى الرغم من ذلك كان الرجال والنساء مع بعضهما البعض في كل تفاصيل الحياة، فلماذا نتجه اليوم الى الفصل بينهما في العمل والمدارس والمجالس العامة والرياضة ايضًا. ما السبب وهل ان الإلتزام الديني هو السبب؟

 

كانت جدتي تسبق جديّ الى الحقل لزرع شتول البندورة ولقطف البازيلاء وللـ”حصيدة” وللـ”حليشة”. كانت تسير مشيا مسافات ومسافات، في حين يحافظ جدي، الذي أحبّه جدا، على هيبته، راكبا حماره، ضاربا إياه بعصا غليظة. وكنت أرافقهما أحيانا للمساعدة في قطف الزيتون. كل ذلك مشيا من البيت في ساحة الضيعة إلى أطرافها، مع طلوع الشمس ربما نسبقها أحيانا. كانت جدتي تهرول كما تهرول النساء اليوم في الماراثون، ولم يكن جدي يمنعها من ذلك. لماذا؟

يجب افساح المجال للنساء من اجل المشاركة والمناصفة ولو رياضيا فقط

ربما لأنها كانت توفر عليه ايجار عاملة تساعده في جني المحصول. فما الذي يمنع اليوم النساء من الهرولة في الضاحية؟ لعله بسبب عدم حاجة الرجل اليها لتساعده في “الحليشة” و”الحصيدة”، حيث باتت النساء أقل مشاركة رغم تقدّمنا زمنيا.

من هنا لم يكن ينقصنا في الضاحية إلا أن نصبح صورة عن الدول الخليجية الاسلامية التي تعتبر المرأة عورة، فتمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية.

فصباح يوم الأحد في 31 آيار خرجتُ من الضاحية باكرا حيث كانت معظم مداخلها مقفلة بالشرائط الصفراء مع انتشار كبير للدرك على المفترقات، ولم يُسمح لنا بالمرور إلا فوق جسر المشرفية- مارمخايل للخروج من بيروت باتجاه البقاع بسبب ماراثون يقيمه إتحاد بلديات الضاحية. وكنت أتمنى أن أشهد هذه المناسبة المهمة التي أعلن عنها منذ فترة بعيدة.

لكن لم يخطر ببالي أن تكون الرياضة حكرا على الرجال. كما هو حال النساء المستبعدات من حضور أية مباريات في كلتا الدولتين اللدودتين اللتان تحكمان باسم الاسلام، وهما طبعا إيران والسعودية، وكل منهما تختلف مع الاخرى في كل شيء، إلا أنهما تتفقان على إسبتعاد المرأة عن الرياضة وعن الملاعب، رغم ان الرياضة في إيران لا تزال تنال حيّزا خاصا بها في الصالات الخاصة، وفي بعض المباريات العالمية، رغم الفصل الجنسي في الملاعب. وكانت احدى النساء قد حوكمت كونها شاركت في التشجيع داخل احد الملاعب مؤخرا.

لم يكن ينقصنا في الضاحية إلا أن نصبح صورة عن الدول الخليجية الاسلامية التي تعتبر المرأة عورة

إلا أن المستغرب أن تنتقل جرثومة منع المرأة من المشاركة في الأنشطة الرياضية الى لبنان، وهو الأمر الاكثر غرابة، وفي مكان يجمع من كل الأهواء والأنواع. فهل بدأنا عصر الاستنساخ الجندري؟

من هنا، أعتقد أن السبب ليس مرتبطا بالخوف من الاختلاط بين الذكور والاناث، لأن الاختلاط موجود في كل مكان في الضاحية، وليس خوفا من إلتقاء “الساكنين”، بل أعتقد أن المنع هو بسبب الخوف من المشاركة النسائية بألبسة غير محتشمة حتى لا يُفسد المنظر العام صورة منطقة رُسمت فيها نساؤها على شكل محدد، علما أن الرياضة لها ناسها وجمهورها، ولها لباسها، ولها طابعها الجديّ البعيد عن التلهيّ بقضايا غير محمودة بالنسبة للمنظمين والمشاركين والمشاركات أيضا.

فكيف يمكن لاتحاد بلديات ان يُعطي رخصة لرياضة رجالية فقط في لبنان؟ ففي حال كان التبرير الاجواء المحافظة نقول: كان بمقدوره الطلب من المشاركات الالتزام بلباس رياضي مناسب. علما إنهن غير مُجبرات على ذلك. ثانيا هل سبق وحصلت أية حادثة لاأخلاقية خلال اطلاق بعض الماراثونات، مثلا، لنحاول تفادي الأمر؟

ومهما حصل خارجا، فإن هذا لا يعني اعادة حصوله مجددا في بيئة محافظة ولو شكليا، كما نعرف جميعنا.

فالرياضة حصانة أخلاقية تبعد العصبية، وتجعل المرء خلوقا في تعاطيه، لذا، كان يجب افساح المجال للنساء من اجل المشاركة والمناصفة ولو رياضيا فقط. لان نساء لبنان والضاحية القويات قادرات على العطاء اكثر من غيرهن في هذا النطاق.

ونقول للمنظمين، كما قالت جمعية “كفى” “للصبر حدود”، لان استبعاد النساء نوع من عنف بإسلوب جديد.. ومن الضروري ممارسة المرأة للرياضة لتستطع على الاقل الدفاع عن نفسها في ظل العنف اللفظيّ والماديّ والمعنويّ الذي تتعرض له من الرجل. ولنكن شركاء وشريكات معا في كل شيء ايضا.

السابق
ملف حزب الله (6): الحزب في صيدا.. الشيخ ماهر حمود وتيار الفجر
التالي
اللائحة الـ41 للعينات المطابقة وغير المطابقة في حملة «سلامة الغذاء»