يوميات معتقل 6: الشيوعيون كانوا «فشّة خلق» للجميع…

سجن
تعذيب نفسي جسدي، إتهام زور كلَها أحداث يومية عشناها أثناء إعتقالنا من قبل العدو الصهيوني، أمّا الصعب أن تكون شيوعياً فلا يقتصر الظلم والتعذيب على العدو، كذلك كنّا «فشّة خلق» رفاق المعتقل.

في يوم تموزي أجبرونا جنود الإحتلال على الجلوس واضعين أيدينا على رؤوسنا المطأطأة نزولاً على التراب وتحت الشمس، ليصرخ أحد الجنود غاضباً:

»فليقف من كان منكم يحمل سلاحاً في لبنان … وإلاّ عوقبتم بشكل أشدّ. »

لم يردّ أحد للحظات، ولكن وبشكل مفاجىء يرتفع صوت من الجمع منادياً ومشيراً بإتجاه أحدنا:

»قوم يا بو الفردين… قوم … شو مالك … نسيت كيف كنت تشبّح علينا وتقول إنك ضابط بالكفاح»، «أبو الفردين» ذهب بعدها مع الريح، والفاسد المفسد لم يفرج عنه أيضاً كما إعتقد !

ومن ذاكرة المعتقل في نفس المكان، جندي آخر يأمرنا بالهتاف: «يعيش بيغن! »

نحن : يعيش بيغن! ليقف أحدنا متحمساً ويرفع يده اليمنى صارخاً: يعيش بيغن، يعيش … يعيش … يعيش ..

قاطعه الجندي وقال له: أنت كذاب !

وقال لنا: أنظروا ما سيحصل مع هذا الكاذب، وليكن بعلمكم جميعاً من سيخطىء منكم سينال نفس العقاب الذي سيناله الآن وأمامكم !

لم يستطع أحد منّا على إحصاء ما (هبط ونزل وهطل وشكّ ) عليه من عصي وكرابيج، ولكن الذي أيقنّاه حينها هو أن الإنسان يستطيع أن يتحمل ضرباً ووجعاً أكثر من الحمار بعشرات المرّات !

وكانت لنا لحظة تهكّم وفرح، ضحكنا بصمت… فمات بيغن من الغيظ !

وفي يوم من أيام المعتقل، إتهمني شيخ من مخيّم عين الحلوة بأنني سرقت الحبوب المخدّرة من جيب الطبيب وهو نائم.

تفاجأت كثيراً، بل إرتعبت خوفاً، الشيخ وجماعته أكدّوا بأن الحبوب المخدّرة يتعاطاها الشيوعيون فقط. وبما أنني كنت حينها شيوعياً فقد وقعت قرعة الغضب الإلهي عليّ. رسالتهم كانت مختصرة ومعبّرة: ربطي على عامود الخيمة وجلدي بشكل متواصل، أو حتى القتل، أي الاعدام… وكلّ هذا متوقف على رأي الشيخ الجليل!

مظاهرة

شباب شرفاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقفوا إلى جانبي، وأنقذوني من براثن ذاك الشيخ وأنيابه. وأبلغوه بأنهم مستعدّون للموت معي ومن أجلي!

بعد هذا بأيام، وخلال العدّ اليومي للمعتقلين، تغيّب أحدنا. فتّش الجنود الخيم فوجدوه نائماً بعمق، وبصعوبة أجبروه على الإستيقاظ والنهوض.

عندها اقتنع الجميع بأن السارق هو «صاحبنا» الذي يقف في الصفّ الأول خلال الصلاة، والملفت أنّه بعد الافراج عنّا، زارني في منزلي في جرجوع، وقد أحضر معه كما أذكر شوالاً من البرتقال الصيداوي!

الشيوعيون كانوا «فشّة خلق» للجميع…لا دنيا ولا آخرة!

السابق
لبنان: تزايد جرائم النازحين السوريين
التالي
قنبلة على موقف الحريري المعتدل في عرسال