يوميات معتقل 5: هكذا اعتدنا ان نحلم بالطعام… حتى الثمالة

المعتقلين في إسرائيل
في الجزء الخامس من يوميات معتقل الي ينشرها موقع «حنوبية»، يسرد خلالها محمد فرحات عن السعادة التي يعيشها الأسير عندما يحلم بالطعام والشبع، بعدما اعتادت معدته على الجوع والحرمان.

الأسير السعيد هو الذي كان يستيقظ صباحاً ليروي على مسامع الباقين، كيف أنه شعر بالشبع والتخمة بعد حصوله على وجبة فاخرة في حلمه.

في معتقل العفّولة استطعت الحصول في أحد أحلامي على وجبة طعام لم أكن أستسيغه في المنزل، كان صحناً مليئاً باللوبياء الخضراء المطبوخة مع البرغل الناعم، وبجانبه حبّتان من البندورة البعلية قسّمهما أبي بيديه.

قسّم أبي كل حبّة إلى قطعتين قبل أن يرشّ في داخلهما القليل من الملح قائلاً: “كول يا بيّي كول… كول وشباع!”.

أكلت كلّ ما كان أمامي، صحن اللوبياء وحبّتي البندورة، ورغيفين من خبز المرقوق وكاسة الزيتون… أكلتُ كثيراً إلى أن استيقظت في منتصف حلمي ضاحكاً… لم أستطع الإنتظار حتّى الصباح لكي أشعر بالسعادة، مرّرت لساني داخل كلّ جزء من حلقي علّني أجد أثراً لطعم اللوبياء التي نزرعها في حقلنا على ضفة النهر، أو على شيء من بقايا حبّتي البندورة البعلية حيث كان أبي يحرص على “نكوشة” التراب حول نبتتهما بشكل شبه يومي، على القليل من رائحة خبز أمّي، التي كانت تصنعه وجدّتي في دار منزلنا العتيق…

عدّت إلى النوم بعد أن وضعتُ يدي على معدتي الخاوية، واليد الثانية جعلتها تحت خدّي بانتظار الصباح، لأروي لأصدقائي ما حلمت به ليلاً.

وعند الصباح أخبرتهم عن حلمي، وقلتُ لهم بأنني قررت وابتداءً من اليوم أن أضع ذلك النوع من الطعام على رأس قائمة طعّامي المفضّلة، من “الغمّة” و “فطائر السبانخ” و”بصليّة العصافير “…

وفي اليوم الأول لحرّيتي طلبتُ من أمّي أن تحضّر لي اللوبياء مع البرغل، وكذلك فطائر السبانخ، وبما أنّ يوم حريتي صادف في فصل الشتاء، وبالتالي كان يستحيل حينها الحصول على اللوبياء الخضراء الطازجة، فقد استعانت أمّي بما “قدّدته” من اللوبياء في الصيف.

في ذلك اليوم السعيد أيضاً استطعت أن أدخّن جهاراً بحضور أبي، كنت على قناعة بأنّه لن يردعني في تلك اللحظات… طلبتُ شراء عدّة علب من سجائر”لو جيتان ” الفرنسية، والتي كان يتعاطى بها أكثر رفاقنا في الحزب الشيوعي، كتعبير عن تميّزهم الثقافي أوّلاً وعدائهم لمنتجات الإمبريالية الأميريكية العدوّة ثانياً!ّ

بعد مرور عدة أشهر على اعتقالنا أحضر الجنود إلى معسكرنا مجموعة من النزلاء الجدد. ركضتُ وابن عمّي، كما الجميع، باتجاه القادمين الجدد… أحدهم كان ينظر بدهشة إلى كل الإتجاهات… شعرنا بخوفه واستغرابه:

“أنا من عربصاليم… من آل فرحات” قال!

“ونحن من جرجوع ومن آل فرحات” قلنا!

أخذناه جميعاً إلى خيمتنا، شرحنا له القليل عن حياته الجديدة، قبل أن نباشر بتوجيه الأسئلة عن أخبار الخارج، إذا كان يعلم شيئاً عن أخبار وأحوال عائلاتنا في جرجوع، التي هي جارة بلدته عربصاليم.

“إسمعوا يا أبناء العم، سأخبركم بكلّ شيئ ولكنّني أشعر بجوع غريب، أريد من أحدكم أن يحضّر لي البيض المقلي، ولا تنسوا البندورة والملح، أنا أفضّل بأن تستعملوا زيت الزيتون..و!

ضحكنا حتى الثمالة، قبل أن نخبره بأنّه يجب أن يعتاد على الجوع، على الحرمان وعلى الأحلام!

السابق
«الأونروا» تذبح الفلسطينيين النازحين من سوريا بـ«القطنة»
التالي
الامم المتحدة: اكثر من 6 آلاف قتيل في معارك اوكرانيا