ألغام الأسئلة

أبو الهول، وضع للسندباد شرطاً أساسياً ليعبر نهر النيل: أن يجيب على كل أسئلته. لتكتب لنا النجاة، علينا ان نختار الاجابات الصحيحة؟! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، شهرزاد هل كانت بريئة عندما روت حكاية السندباد تلك، لشهريار؟! يا لمكرك، ودهائك، وذكائك، شهرزاد؟!
عندما نسأل، نبلبل العالم، نخضّه، واذا لم نعثر على الاجابات الصحيحة، سينتظرنا مصير غامض.
نيوتن سأل لماذا التفاحة سقطت؟
ديكارت اعتبر الشك إلهه الأوحد، فالشكوك تخلقها الأسئلة.
جاليلو سأل وقبله كوبرنيكوس، وقبلهما أرسطو، وقبل الجميع، سقراط، عندما ابتدع طريقة للتحقيق والتعليم، من خلال سلسلة من الأسئلة للوصول إلى صيغة جديدة تُحدِث تغييراً واضحاً ومتماسكاً بفكرة يفترض أنها مفهومة ضمناً من قبل البشر. لتحقيق هذه الغاية كان مضطراً إلى مناقشة الكثير من المعتقدات والتقاليد المسلّم بها. الأمر الذي أكسبه الكثير من العداوات. خلال محاكمته الشهيرة عندما تمّت مطالبته بإنكار مبادئ فلسفته دافع عن منطقه من خلال التساؤل: إن مَن يعتقد أنه يجب أن ينسحب ويتخلّى عن الفلسفة، فينبغي لهذا الشخص أن يفكر أيضاً في أنه لا بدّ للجنود أن ينسحبوا من المعركة عندما يبدو لهم أنهم سيُقتلون فيها. تجرّع السم، مدافعاً عن حق الانسان بالسؤال، بالمناقشة.
مهما صغرت الأسئلة فإنها ألغام ستفجّر الوعي في لحظة ما. ستضيع معالم المستقبل إن لم نسأل الماضي، سينهار الأدب برمّته، إذا لم يسأل الشاعر، والروائي، والناقد.
سيلفظنا المستقبل إن لم نسأل التاريخ، ستتكدّس الطلاسم في دروبنا إن لم نفكّها، على طريقة السندباد.
الأسئلة الصغرى تحرّك الأسئلة الكبرى. المشكلة تكون في من يدّعي أنه يمتلك الاجابة النهائية، فحتى اقوانا، اشجعنا، أفضلنا اكثرنا موهبة، لا يستطيع ان يعطي اجابة شافية.
ذات يوم، اينشتاين بخّس قدرة العلماء على شطر الذرة، واصفاً اياهم كالذي يسدد بالليل نحو العصافير في بلد ليس فيه الا قلة من العصافير. وهذا ما دحضه عالم آخر هو فيرمي مع علماء آخرين وشطروا الذرة وصنعوا القنبلة الذرية.
ما اكثر المسلمات والبديهيات التي تحول حياتنا إلى مستنقع راكد! يا لولع البشر بالحقائق الجاهزة، ويل لشعوب لا تسأل، لا تناقش، الحقائق تموت من دون الاسئلة. من قال إن عجلة المستقبل يمكن أن تتحرّك وتشقّ دربها من دون الأسئلة؟! كيف نمتلك مفتاح الصرح الغامض للمستقبل من دون إجابات عقلية ومنطقية لأسئلة كثيرة؟! كل ما هو عظيم ومهم صنعه إنسان سأل بحرية.
(السفير)

السابق
توقيف صحافيين من «الجزيرة» في قضية تحليق طائرة بدون طيار
التالي
تقارب سعودي – تركي سينعكس في سوريا