نظام الرجل الواحد في تركيا

يقصي تصور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للنظام الرئاسي الذي يطالب به دور النظام القضائي، ويربط السلطتين التشريعية والتنفيذية بالرئيس مباشرة. والربط هذا يؤدي إلى نظام الحزب الواحد والرجل الواحد. والاعتراض على هذا التصور مرده إلى إلغائه الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهدمه أسس الديموقراطية. ولطالما سعى أردوغان إلى نظام رئاسي يجلس فيه على كرسي الرئاسة. لكنه قبل أيام، أعلن عبر التلفزيون الحكومي، ولأول مرة، رؤيته إلى النظام الرئاسي الذي يطالب به. وقبل الخوض في تفاصيل هذا التصور، أشير إلى موقف الإدارة الأميركية من تركيا أخيراً. وجليّ أن لا تركيا قادرة، اليوم، على فهم السياسة الأميركية ولا واشنطن في متناولها استيعاب السياسة التركية. ولكن في السابق كانت أميركا تتعامل مع الجيش قبل بلوغ «حزب العدالة والتنمية» سدة الحكم، ولم يخفَ عليها أن للجيش رؤية أيديولوجية، لكنها كانت تتعامل معه وتتوقع تصرفاته وسياساته. مثل هذا التعامل والتوقع عسيران مع حزب «العدالة والتنمية» والرئيس أردوغان. إذ تجد الإدارة الأميركية صعوبة بالغة في الثقة بأردوغان وتوقع سياساته، كما أن سعيه إلى الهيمنة على مفاصل السلطة التركية يقلق واشنطن. ودار كلام الإدارة على تقويض هيمنة هذه الديموقراطية.

ويبدو أن أميركا ترى أردوغان اليوم خليطاً من ثلاثة زعماء «مزعجين»: بوتين وبيرلوسكوني وشافيز! فأردوغان يشبه بوتين في تسلطه ومقاربته السياسة الداخلية، وشافيز في سياسته الشعبوية والخارجية، وبيرلوسكوني في هيمنته على الاقتصاد ومؤسسات المال. هذا التشبيه يساعدنا في فهم تصور أردوغان للنظام الرئاسي الذي يريد. وذريعته إلى إرساء هذا النظام ضعيفة. فعلى سبيل المثل، يقول أردوغان إن معظم الدول الصناعية العشرين يسودها نظام رئاسي، وأن النظام هذا هو ما ساعدها على الارتقاء إلى مصاف الدول الصناعية الكبيرة. وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الرئيس التركي يغفل أن هذه الدول هي دول فيديرالية فيها حكومات محلية تشارك في الحكم وصناعة القرار، على خلاف الحكومة المركزية القوية في تركيا. وهذا تباين لا يستهان به بين النموذج الغربي الذي يتحدث عنه أردوغان ونظامه الرئاسي المقترح. بالتالي، إرساء نموذج أردوغان وإبقاء المركزية القوية، يؤديان لا محالة إلى حكم الرجل الواحد وليس إلى نظام رئاسي. وفي كلامه على النموذج الأميركي، يقول أردوغان إن مجلس الشيوخ له دور مقيد للرئيس. لذا، لا يريد الجمع بين مجلس شيوخ ونظام رئاسي، ويدعو إلى الاكتفاء بالبرلمان. فهو لا يرغب في دور برلماني رقابي قانوني أو تشريعي قوي. فالبرلمان حين يسيطر عليه حزبه وفق قانون الانتخابات الحالي، يسقط دور الرقابة أو المحاسبة. وفي حديثه التلفزيوني، اقتصر كلام الرئيس التركي على دور البرلمان في الرقابة والمحاسبة. فهو لا يريد أي دور للقضاء في هذه المسألة، ويسعى إلى اقصائه ونسف أركان الفصل بين السلطات وفعالية السلطة القضائية المستقلة. والنموذج الذي يقترحه أردوغان لا يصب في مصلحة الديموقراطية كما يقول، ولا يساهم في تطوير تركيا. بل يكرس نظام الحزب الواحد والرجل الواحد الذي يحكم وفي يده السلطتان التشريعية والتنفيذية ولا سلطة للقضاء عليه ولا رقيب. ولن تغير في الأمر شيئاً تسمية هذا النموذج بالرئاسي أو الامبراطوري أو السلطاني.

(راديكال)

السابق
نائب اميركي سابق يزور ايران
التالي
من هو الشهيد معاذ الكساسبة؟