هل انتهى الخبز والملح بين الأزرق والبرتقالي؟

يعتَزم قادةٌ من تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» التصديقَ أنّ بقدرة الرئيس نبيه برّي توفيرَ مخرج لمشروع التعديلات الدستورية التي طرحَها العماد ميشال عون، عندما لفتَ برّي بالأصالة عنه وما يمثّل من ثنائية شيعية، ونيابة عن «حليف حليفه» أنّ ما اقترحَه الأخير «لا يُنفَّذ الآن». فهل سيُترجِم تحرّك برّي هذه الأمنية؟
لم يفاجئ عون أحداً بطرحه تعديلات الدستور، فجميع رفاقه وآخرون من مختلف الأطراف كانوا يدركون أنّ سعيَه إلى نَيل صفة مرشّح «وفاقي» أو «توافقي» لرئاسة الجمهورية فرض عليه تليين مواقفه من العديد من الأطراف، وخصوصاً من قيادات وشخصيات «المستقبل» الذين تشاركَ وإيّاهم كمّاً كبيراً من «الخبز والملح» في وقت قياسيّ.ونُقل عن أحد قيادات «المستقبل» البارزين قوله في لقاء لكوادر تيّاره قبل أسبوع تقريباً، متحدّياً دُعاة الإستمرار في الحوار الرئاسي مع عون: «كنّا ننتظر في أيّ لحظة من «التيار الوطني الحر» وقائده انقلاباً على الطائف وهجوماً أعنفَ ممّا شهدناه مطلع الأسبوع، بمجرّد أن يتأخّر الجواب الداعم لترشيحه رئيساً توافقياً للجمهورية، بعدما منَّن النفسَ بمثل هذا القرار وما زال».
وكان القيادي واضحاً، وخصوصاً عندما ردَّ على رأي يقول إنّ «عهداً جديداً من الشراكة بين البرتقالي والأزرق» أمرٌ ممكن ويفتح الأفق على مرحلة جديدة من التعاون بين الطرفين»، بأنّ ردّ عون السلبي لن يطول، لكنّنا لم نكن نتوقع أن يقع في فخّ التعديلات الدستورية، فملفٌّ من هذا النوع لا يُفتح بين ليلة وضحاها، ولا يجوز في ظلّ التطوّرات التي تشهدها البلاد والمنطقة مجرّدُ البحث فيه. فلبنان يعيش مخاضَ التفاعلات السلبية التي أنتجَتها أحداث المنطقة متأثّراً بأدَقّ التفاصيل ممّا يعيشه جيراننا، فكيف في ظلّ الانقلابات الحاصلة من العراق إلى سوريا ودوَل الجوار؟». وأضاف: «لم ننسَ بعد مضمون كتابِه البرتقالي الشهير «الإبراء المستحيل» ولا مضمون ردّنا عليه في «الإفتراء في كتاب الإبراء»، وكان من الواجب أن يكون عون أكثر حذَراً في التمادي بمطالبه التعجيزية، وكان واجباً عليه أن يتوقّف عند حدود التعاون في ملفّات إدارية وسياسية وحكومية كثيرة، كبوّابة إلى بناءِ جدارن من الثقة هُدمت منذ زمن، قبل البحث في ملفّات أخرى، ذلك أنَّ السعي إلى مدّ الحوار وصولاً إلى الإستحقاق الرئاسي في ظلّ المعادلات الداخلية، يشبه الى حدٍّ بعيد مطالبته بالتعديلات الدستورية واستحالة مجاراته إلى النهاية التي كان يريدها. والأخطر، قال القيادي: إنّ مطالبتَه هذه جاءت على خلفية نسفِ الطائف أكثر من خلفية السعي إلى معالجة بعض ما ثبتَ فشلُه أو عقمُه في بعض النواحي الدستورية، وضرورة تعديله بما يضمن تنظيم العلاقة بين المؤسسات الدستورية في إطار محدود لا يصل إلى درجة تغيير النظام في لبنان في مرحلة هي الأخطر من تاريخه، ووسط الشغور القاتل في رئاسة الجمهورية على أبواب استحقاقات وطنية لا نعرف طريقة مقاربتِها قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ومن هذه الزاوية بالذات، انتهى القيادي إلى القول إنّ السعي إلى قلب التوازنات الداخلية وتغيير المعادلات القائمة على دقّتها أمرٌ مستحيل، فلم ينتصر حلفاء عون بعد لا في سوريا ولا في العراق ولا على المستوى الدولي، ليُفرَض علينا مثلُ هذا التغيير، والأخطر أنّه إذا كان عون يناور بإسم حلفائه أو نيابة عنهم، فمرحلة استثمار الإنتصارات السورية والإيرانية بعيدة كلّ البعد عن منطق التحوّلات المنتظرة في المنطقة، وإنّ ما هو مقبل يَشي بعوائق كثيرة تحول دون بعض «الإنتصارات الوهمية». وعليه، فقد قرأت قيادات من «14 آذار»، ومن تيار «المستقبل» تحديداً، في موقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي من مطالب عون، موقفاً متقدّماً من «حليف الحليف» على أمل أن تسمع موقفاً مماثلاً من بقيّة الحلفاء لطيّ هذه الصفحة بالسرعة القصوى، على أمل تجنيد كلّ الطاقات بحثاً عن رئيس توافقيّ يولد من رحم المأساة اللبنانية في ظلّ الإنشغالات الدولية، لأنّ الرهانَ على لعبة خارجية يمدّد الأزمة ولا يحلّها.
السابق
الرسائل الأمنية.. هزّة عصا لـ’حزب الله’
التالي
كتلة الصدر ترجح طرح ثلاثة أسماء لمنصب رئاسة الحكومة