هاشم نشأت السلمان… وعيُهُ اللحظة كلّفه حياته

هاشم نشأت السلمان
هذا الفهم العميق لجوهر عمل حزب الله ودوره الإقليمي في لبنان والمنطقة هو ما جعل هاشم هدفا للقتل. هذا الفهم للعمل الدؤوب على خلق دكاكين ميليشياوية في أرجائه تعمل تحت مسميات بائسة أكل الزمن عليها وشرب وثمل، دكاكين لا علاقة لها البتة لا بمقاومة ولا بممانعة وإنما هي فيروسات متخصصة بالتشبيح والتعدي على المواطنين وتهديدهم في أملاكهم وأرزاقهم لتثبيت حكم الدويلة، هو ما جعل هاشم هدفا للقتل. وذلك في سياق استكمال إيران سيطرتها على لبنان والتحكم بإرادة أبنائه من الطوائف والمذاهب الأخرى ممن لا يملكون القدرات العسكرية.

مضى أكثر من تسعة أشهر على اغتيال الشاب الناشط والقيادي في تيار الإنتماء اللبناني هاشم نشأت السلمان على أيدي عناصر من حزب الله مولجة بالدفاع عن محيط السفارة الإيرانية في بيروت. 9 أشهر لم تذق خلالها عائلة الشهيد طعم الراحة والسكينة خصوصا بعدما أقفلت في وجوههم كل قنوات الإتصال لمعرفة ما آلت إليه التحقيقات وما إذا كان هناك من جديد في مسار القضية – المأساة.

تقول عائلة المغدور، بدم بارد، هاشم السلمان، إنّ ابنهم ذا الأعوام السبعة والعشرين، صاحب المحيّا الجميل والضحكة المشرقة دوما: “كان يقود تظاهرة طلابية مؤلّفة من بضعة عشرات من طلاب المدارس والجامعات في تيار الإنتماء اللبناني عندما عاجلته مجموعة ميليشياوية، ترتدي قمصانا سوداء وتضع على سواعدها شارات صفراء تدل على انتمائهم الحزبي الواضح، بضربات وحشية بعصي غليظة على رأسه وفي أنحاء من جسده بينما أطلق أحدهم النار من مسدس حربي ليصيبه بطلقات عدّة في جسده من مسافة قريبة جدا تعد ببضعة أمتار فقط جعلته يسقط على الأرض مضرجا بدمائه لمدة ساعة أمام مرأى ومسمع قوّة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي التي مُنعت من إسعافه أو حتى التدخل للدفاع عن الشبان الآخرين العزل وهم يتلقون الضربات واللكمات والشتائم من فرقة الموت ذاتها المدججة بكل ما في هذا الكون من حقد وكراهية ضد كل من يختلف معها في الرأي”.

حينها، لم يكن بحوزة الناشط اللبناني هاشم السلمان غير شجاعته الإستثنائية ومكبر للصوت كان يستعمله لإطلاق شعارات “ضدّ التدخل الإيراني السافر في لبنان”، مطالبا السلطات الإيرانية المتواجدة في السفارة “بالعمل على منع حزب الله من القتال في سوريا لما سيستجر ذلك الفعل من ويلات على لبنان واللبنانيين”، وأيضا حقنا لدماء السوريين الأبرياء ممن وقفوا صفا واحدا مع شيعة لبنان وفتحوا لهم بيوتهم وقلوبهم من أقاصي القلمون إلى وسط دمشق وامتدادا إلى ريفها الشرقي أيام حفلات الحقد الإسرائيلي ضد أهل الجنوب واللبنانيين بشكل عام وبخاصة خلال حرب تموز 2006.

كان هاشم يؤمن فعلا بضرورة الضغط مباشرة على أصحاب القرار ─ وفي هذه الحالة إيران ─ كون الأخيرة هي الممول الإيدولوجي والمالي والعسكري الأول والأخير لحزب الله والذي اتضح للجميع بعد سنوات طويلة من التحرير المجيد في العام 2000 أنّه بات أداة تستعملها إيران كورقة ضغط إقليمية ودولية لا تقل خطورة وأهمية عن أهم فيالق وألوية الحرس الثوري والجيش الإيراني. وكون إيران أيضا تشكّل قوة تدخل سريع في مناطق وبؤر توتر استراتيجية لإيران أثبتت نجاعتها في تحقيق الأهداف المرسومة لها بدقّة من قبل قادة الحرس الثوري وعلى رأسهم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمسؤول الأكبر عن العمليات الخارجية الإرهابية لإيران في المنطقة العربية الممتدة من جنوب العراق إلى فلسطين مرورا بالكويت والبحرين والسعودية واليمن فسوريا ولبنان.

كان يدرك هاشم السلمان جيدا أن حزب الله ليس سوى عبد مأمور عند قوة عاتية تملك من المقدرات الهائلة ما يجعلها تحاول السيطرة على السياسات العربية والضغط على أنظمتها البالية والمستبدة تارة بواسطة الترغيب وتارة أخرى عبر ممارسة السطوة المتأتية من زرع مجموعات شيعية نائمة تأتمر بأوامرها عالية التدريب ومجهزة أيدولوجيا وعسكريا لفتح دفرسوارات في قلب مجتمعاتها وفي داخل أوطانها بمجرد أن تصدر لها الأوامر بذلك. وهو عمل سري بحت يتطلب وقتا طويلا من العمل الجبار الدؤوب والمتقن لتنفيذه بالحجم والشكل والفعل المطلوب وطبقا لما كان قد أطلق عليه الإمام الخميني تسمية “تصدير الثورة”.

هذا الفهم العميق لجوهر عمل حزب الله ودوره الإقليمي في لبنان والمنطقة هو ما جعل هاشم يطلب إذنا رسميا من السلطات اللبنانية المختصة للسماح له ولرفاقه الشبان والشابات بالتظاهر مقابل مبنى السفارة الإيرانية في بيروت بشكل حضاري قانوني سليم رافعين أعلاما لبنانية ومرددين شعارات صريحة بوجوب التخلص من دويلة حزب الله المنتشرة داخل جسد الدولة اللبنانية. الدولة التي ما فتئت تعمل على تقويض بنيان الوطن وتدمير ما تبقى من سلطة له على أراضيه ومن تفتيت ممنهج لدستوره وشرائعه والعبث المبرمج بمؤسساته التشريعية والتنفيذية وشراء الذمم والضمائر والأقلام الصحافية الرخيصة. وهذا الفهم للعمل الدؤوب على خلق دكاكين ميليشياوية في أرجائه تعمل تحت مسميات بائسة أكل الزمن عليها وشرب وثمل، دكاكين لا علاقة لها البتة لا بمقاومة ولا بممانعة وإنما هي فيروسات متخصصة بالتشبيح والتعدي على المواطنين وتهديدهم في أملاكهم وأرزاقهم لتثبيت حكم الدويلة، هو ما جعل هاشم هدفا للقتل.  وذلك في سياق استكمال إيران سيطرتها على لبنان والتحكم بإرادة أبنائه من الطوائف والمذاهب الأخرى ممن لا يملكون القدرات العسكرية ذاتها ولا النوايا المغرضة عينها لمواجهة حزب متغول يسعى وراء أحلام ومشاريع ظلامية بدأت ترتد عليه، وبقسوة، تماما كما كان قد تنبأ به شهيد السيادة الوطنية والقرار الحر المستقل هاشم نشأت السلمان

السابق
زعيم الفوّالين وفوّال الزعماء: فول بارود ينافس سمك صور
التالي
مسرحية الطائفة 19: كليشيهات رحبانية تشتم الملحد وتؤلّه العسكر