نصيب المرأة في الحريق السوري: أم الشهيد، أخت الشهيد، أرملة الشهيد.

أي ثمن باهظ تدفعه المرأة السورية؟

موقف الجهات المسيطرة في بعض المناطق السورية من المرأة، ومحاولة إرجاعها قسرياً إلى حياة الظل وإصدار الفتاوى التي تضعها في مرتبة مهينة لكرامتها وإنسانيتها وتحويلها إلى سلعة للاستخدام البشري بأبشع غرائزه، بدعوى صونها وصون شرفها وعفافها وحياتها انطلاقاً من معايير خاصة يسندونها إلى الدين والشريعة، أثّر كثيراً في الوجدان الشعبي السوري، وساهم في تعميق الشرخ بين أطياف هذا الشعب، وتكريس النفور والرفض، وساهم أيضاً في النيل من صورة الانتفاضة السورية وتشويه صورتها.
أي انتهاك يطاول المرأة في سوريا؟
من الأمور الأساسية التي انتفض من أجلها الشعب السوري هي الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمساواة ورفع الظلم عن الشرائح المهمشة والمستضعفة، وليس هناك من تجتمع فيه كل هذه الانتهاكات مثل المرأة، فكيف يمكن بناء سورية المستقبل من دون تفعيل دور المرأة؟ وإذا كانت التنمية تعتمد على العنصر البشري وغايتها الإنسان، فهل يمكن أن تستقيم تنمية وتنهض بمجتمع من دون وضع المرأة في مكانة سليمة ولائقة بإنسانيتها؟
ماضي المرأة السورية أفضل من واقعها الراهن.
لم تكن المرأة في أحسن حال في ما مضى، أي قبل آذار 2011، لأنها كانت تعاني مرتين، فهي مواطن في دولة يحكمها نظام شمولي يمحو الفردية بشكل ممنهج وهادف، فيزج المجتمع في تنظيمات ومنظمات شعبية ونقابية كلها تحت رعاية وتسيير القيادة السياسية التي تطرح برامجها الموجهة والهادفة إلى رص الصفوف وتخريج كوادر مؤهلة لخدمة النظام وتطلعاته وبرامجه وأهدافه، وذلك كبديل عن منظمات ومؤسسات المجتمع المدني. تلك التشكيلات الذاتية والطوعية التي تهتم وترعى شؤون المجتمع في مجالات الثقافة والاقتصاد والسياسة، وتعاني من ثقافة نمطية تحكمها أعراف وتقاليد تحط من شأن المرأة وتبخس حقوقها. لكن السلطات المعنية لم تسعَ إلى التأثير في الوعي الشعبي والنهوض بالمرأة من واقعها المتخلف والظالم، فبقيت منظومة الأعراف والتقاليد هي الأقوى من القوانين والتشريعات التي تخص المرأة، وظلت الأبواب مفتوحة بشكل موارب على بعض القضايا، ومنها المرأة، بالرغم من ادعاء العلمانية والسير في طريق دولة حديثة، وهذا ما وضع المرأة والمجتمع أيضاً في مأزق ثقافي أخلاقي.
المرأة السورية في النيران السورية.
إن من تحمل العبء الأكبر في الأزمة السورية هو المرأة، فقد دُفعت إلى أتون حرب لم تكن صاحبة القرار فيها، فهي لم تكن صاحبة قرار حتى في المشاركة بما يتعلق بحياتها فكيف بما يخص الحياة العامة؟ فألفت نفسها حاضنة الشهادة، المتنازع عليها، وحاملة أعباءها وجروحها وتبعاتها، فهي أم الشهيد وأخت الشهيد وأرملة الشهيد، ومربية أطفال الشهيد، ومحكوم عليها بالعفة المؤبدة صونا للقب الشهيد. كما انها كانت هدفاً للقتل بكل أشكاله، والتهجير والفقر والعوز، والتعرض للاعتداء والعنف الجسدي والمعنوي وانتهاك كرامتها وأنوثتها، بل وضعتها ظروف اللجوء في بازار المساومات وابتزازها واستغلال ظروفها القاهرة. ومن يتابع وضع المرأة السورية في كل المناطق، «المحررة» و«المطهرة»، بحسب توصيف السياسة والإعلام، فسوف يرى أن وضعها يزداد تردياً. لم يعد خافياً على أحد الفتاوى والتشريعات التي يقوم بها رجال دين في المناطق التابعة لدولة «داعش»، أو الواقعة تحت سيطرة بعض الكتائب الإسلامية المتشددة، وما يتعلق منها بالمرأة تحديداً، والتي تدفع بالمرأة إلى مراتب دون مستوى البشر، مقيدة حريتها بشكل كامل، وموجهة الأجيال الصاعدة نحو ثقافة تضع المرأة في مكانة دونية قد تصل حدّ جعلها سلعة تباع وتشرى ويرسم مصيرها من دون الاكتراث بكيانها الإنساني. وقد سمعنا عن حوادث حتى لو كانت فردية لكنها تحمل مؤشرات خطيرة عن انتحار فتاة بسبب العزم على تزويجها من احد المجاهدين، أو لجوء الفتيات في تلك المناطق إلى ملازمة البيت بشكل دائم حتى لا يجبرن على تطبيق فتاوى المشرعين حول لباسهن وسلوكهن والتدخل حتى في خطواتهن. كذلك بالنسبة للمناطق المحررة أو التي ما زالت بعيدة إلى حد ما عن الصراع المسلح والتهجير، فإن المرأة تتدهور مع تدهور المجتمع إلى مزيد من الجهل والبعد عن إدراك ذاتها، فحالة الأزمة أو الحرب أو اللحظة التاريخية الحرجة أو المحنة أو أي تسمية أخرى لحالة تفوق الوصف، هذه الحالة تفرض على الأفراد دفع همومهم واهتماماتهم وتطلعاتهم إلى الأنساق الخلفية بحجة أزمة الوطن ونداء الواجب، ويلعب الإعلام المنظور وغير المنظور في زيادة النفور من الصورة التي توضع فيها المرأة في المناطق «المحررة» لتصبح نموذجاً لما ينتظر نساء سورية، فتظهر في المقابل مبالغة في الشكل النقيض من دون أرضية ثقافية أو واعية أو مسؤولة.
غدا… أي امرأة في سوريا.
قد يقول قائل: ما جدوى الحديث عن وضع المرأة ودورها في مجتمع يعاني من دمار حرب شرسة، برزت فيه أمراض كانت هاجعة تحت غطاء من السلامة الوهمية، كالطائفية والقتل الفردي والمجازر الجماعية والتناحر بين القوى السياسية وغياب الأمن وتردي النظام العام في المدن والتجمعات وانتهاك القوانين وحالة الفوضى وعدم الاستقرار؟ لكن أليس من الواجب التطلع إلى سورية الغد؟ هل يمكن الاستسلام إلى الموت بينما الحياة من حق الشعوب؟ إن الغد يتطلب منا الاشتغال منذ اليوم وكل تأخير سوف يعقد المشاكل ويدخلها في طور الإزمات، فيصبح العلاج أكثر صعوبة وتعقيداً. كي تكون المرأة مساهمة في البناء والتنمية لا بد من حصولها على حقوقها أولا من سياسية واقتصادية واجتماعية، أما البداية فهي بحصولها على حقوقها الاجتماعية التي ترتكز أساساً على إدراكها لذاتها، هذه مسؤولية المثقفين والمتنورين في الدرجة الأولى، مسؤولية النخب الاجتماعية والفكرية والثقافية، ففي الهزات التي تتعرض لها الشعوب والمجتمعات تقع مسؤولية الوقاية من الانهيارات السريعة على عاتق هذه النخب التي يجب أن تنتمي إلى الشعب أولا وأخيراً، فتحضن أحلامه وطموحاته وتحميه من الانحرافات والخلل.

 

السابق
زمكحل: سنة 2013 كانت من أسوأ السنوات على الاقتصاد اللبناني
التالي
عشائر وفاعليات بعلبك الهرمل استنكرت مخطط اغتيال بري