عن لبنانيين يرون لبنان محطّة.. يوسّخونها قبل المغادرة

النفايات
رغم ان اطفالنا يتعلمون في المدرسة التربية الوطنية والمدنية الا انهم لا يعيرون الامر اي اهتمام لان هذا الوطن بنظرهم محطة للانتقال الى اوروبا النظيفة. فكيف يتعامل كلّ طفل مع بلده؟ وكيف يقدم صورة عنه في نظر غيره؟

تُعتبر النفايات من أهم المشكلات التي تواجه اللبنانيين، والتي لم تسع الحكومات المتتالية الى حلّها، رغم ارتفاع كلفة العقود مع (سوكلين) التي يقتصرعملها على نقل النفايات من الشوارع والمنازل إلى المكبات العشوائية. ورغم حجم النفايات الكبير فقد تركت هذه الحكومات الامر على عاتق البلديات في المناطق التي تقوم بجمع النفايات ورميها في الأودية وعلى أطراف البلدات والقرى، دون أية معالجة أو تدوير.

وتبلغ كلفة جمع ومعـالجة النفايات 128 ملـيون دولار سنوياً بحسب دراسة قامت بها “الدولية للمعلومات”. ويبلغ حجم النفايات في لبنان بنحو 4000 طن يومياً. يقتصر التدوير على 400 طن يومياً فقط، أي 10% من حجم النفايات.

لذا، فمجرد ان توقفت سوكلين عن جمع النفايات بعد اعتصام اهالي الناعمة حتى ظهرت بيروت وضواحيها كمكبّ كبير من النفايات. أكياس وأكياس في مشهد سوريالي حزين. البؤس يجر البؤس، ويليه الفقر، ثم الخلاف، والنقار والمشاكل  وهلمجرا..

في العام 2013 فرغت بيروت من السياح، وطارت اجساد اللبنانيين بعدد من التفجيرات، وصمدنا بلا حكومة ثلاثة ارباع العام ولا زلنا، وطرد عدد كبير من العمال من اعمالهم في الخليج، ودخلنا في دوامة الحرب السورية الاقليمية واستقبلنا آلاف اللاجئين، ولم نحصل على الكهرباء كما وعدنا، ولا على الضمان الصحي الشامل، وبات رئيسنا غير حيادي، وانهالت علينا صور المعممين بتصريحات نارية تكفي لحرق ايطاليا وليس روما فقط. وتصدّر واجهة الاعلام أصحاب الفتن. واختفت الاراء الحصيفة.

انه عصر الزبالة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. الزبالة يمكن ان تدوّر وان تتحوّل وان تتغير. لكن بلدي الفالت من عقاله لا يمكن ان يتغير ولا ان يتبدل ولا ان يتحول. والانكى من ذلك اننا ندفع بدلا عاليا جدا مقابل تلويث بيئتنا، والاساءة اليها والإضرار بحالنا وصحتنا.

تألمت كثيرا عندما شهدت بعد ساعات قليلة اكوام الزبالة على مفارق الطرق فترّحمت على التربية المدنية التي لم تحصد سوى العلامات المرتفعة على الشهادات. فما معنى ان ارمي زبالتي في مكان عام وأسير غير مكترث من فعلتي هذه؟  ما معنى ان استهلك ما استهلكه رغم علمي باقفال المكب؟

لماذا لا ارتب زبالتي، وافرزها بحيث تكون الاضرار اقل وادنى. واحتفظ بالبلاستيك والنايلون والكرتون.. واصنف ما يُتلف، او ما يمكن رميه. فأكون مواطنة لا تضر بيئتها وارضها واهلها.

فأنا كلبنانية وعربية افتقد فلسفة النظافة العامة. في مصر تعميك الأوساخ والغبار، وفي الاردن أ يضا، اما في اليمن فحدّث ولا حرج، وفي العراق يا ويلتاه، وفي سوريا كذلك الامر. لم ار النظافة الا في غزة المحاصرة.

انا كلبنانية تدعيّ الحضارة بت في بلد هو رمز للنفايات. فاستغرب كيف ان من يتناول سندويشا يرمي الأكياس والاوراق على الطريق العام او من نافذة سيارته.  ويعيرونك حين تنهاهم عن فعل ذلك. وارى جانبي الاوتوستراد يعجّان بالاوراق. لماذا؟ لأنّ اللبناني (بعض اللبنانيين بالطبع وليس كلّهم) “الفينيقي العظيم” يحافظ على نظافة سيارته وثيابه ومنزله، في الوقت الذي لا يعتبر هذا الوطن منزله، فربما يعتقد انه منزل الجيران وانه مستأجر فيه، وعليه ان ينتقم من مالكه قبل ان يغادره الى بلد آخر. فهذا الوطن بنظرهم محطة للانتقال الى اوروبا النظيفة.

السابق
هيل تمنى على عون شيئا من المرونة لكنه لم يتمكن من تغيير موقفه
التالي
خلف الأبواب المقفلة: عالم خفي للفتيات والفتيان