استقالة.. وامتنان

بعد ثماني سنوات من رئاسة تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» العزيزة على قلبي تقدمت باستقالتي أوائل هذا العام لسمو رئيس مجلس الإدارة الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، وستصبح سارية المفعول اعتبارا من الأول من يناير (كانون الثاني) القادم. وهي استقالة عن قناعة كون أن رئاسة تحرير صحيفة بحجم «الشرق الأوسط» لفترة ثماني سنوات تعد أطول مما ينبغي.

ثماني سنوات مليئة بالأحداث، والتقلبات، وجدت فيها دعما كاملا من رئيسي، وصبرا وسعة صدر. ثماني سنوات اتخذت فيها الصحيفة مواقف أعتز بها كثيرا، وبصحبة نخبة من الزملاء الذين كانوا يقفون خلف كل عمل صحافي مميز قدمته هذه الصحيفة، وبكل أشكال العمل الصحافي. ثماني سنوات وجدت فيها دعما رائعا من نبلاء أعلم علم اليقين بأنني لو ذكرت أسماءهم فإن ذلك لن يريحهم، فلم يكن وقوفهم معي شخصيا بقدر ما كانت رؤية ومبدأ، وأدين لهم بالكثير. ثماني سنوات وجدت فيها دعما رائعا وعظيما من عائلتي، زوجتي وابنتي وأبنائي الثلاثة، وقد آن الأوان لأرد لهم جزءا من الدين، وهو كبير. وثماني سنوات حفتني فيها دعوة الوالدين حفظهما الله.

أغادر موقعي بقراري، واختياري، خصوصا أن هذه ليست استقالتي الأولى، ولم أستقل بالطبع نزقا، أو خلافه، بل عن قناعة بسيطة وهي أن الحياة فصول، ولكل فصل فيها وقت محدد، وفصل رئاسة التحرير انقضى، فثماني سنوات تعد فترة أكثر من كافية، ومن الخطأ أن يكرر الإنسان نفسه. ومنذ بدايتي المهنية لم يكن يشغلني شيء أكثر من أن أقرر لحظة الترجل بنفسي، لا مرغما، ولا محبطا، فهذا جزء من نجاح الإداري، أيا كان موقعه، وتحديدا في عالم الصحافة، فمهم أن تعرف متى تترجل. وبالطبع لا أغادر معتزلا، وإنما منطلقا لآفاق أوسع في فضاء الإعلام، حيث سأكون مستشارا لسمو رئيس مجلس الإدارة، ويبقى مقالي اليومي من السبت للخميس في الصحيفة، وبعد فترة من الالتفات للأسرة، والراحة، سأواصل التحليق بفضاء الإعلام الرحب بإذن الله قدر المستطاع.

والحقيقة أنني أغادر منصب رئاسة التحرير شاكرا الله على نعمه الكثيرة، وسعيدا بأن المولى مكنني من السير على درب تمنيته، وسخّر لي أناسا أفخر بهم. وأحمد الله أنني فخور، ومرتاح، لكل موقف اتخذته الصحيفة، حيث سعت هذه الصحيفة العظيمة لتكريس العقلانية، ونبذ التطرف، والعنف، ودعم الانفتاح، والإصلاح، وترسيخ مفهوم الدولة، وهذه الصحيفة تعد معجزة إعلامية بحد ذاتها حيث يرى العرب جميعهم أنها صحيفتهم، سواء السعودي أو الخليجي، وكذلك المصري، والعراقي، والسوري، وكل العرب، وهذا أمر عظيم في عصر الفضائيات، والتكنولوجيا، ومهما قيل ويقال بحق هذه الصحيفة إلا أنها كانت، وظلت، وستظل، مؤثرة، فدائما ما أقول: إن صحيفة «الشرق الأوسط» «تُمتدح بأثر رجعي»، وهذا دليل قوتها، ومكانتها.

كل التوفيق للصحيفة، والقائمين عليها، والعاملين فيها، وكل الشكر والامتنان لقراء هذه الصحيفة، وهو شكر من الأعماق.

مع السلامة، وإلى لقاء.

السابق
حلمي ومسلسل كوميدي عالإنترنت
التالي
الياسون من السراي: الوضع في سوريا خطير ويستدعي تدابير وقائية