بري:أعرف أسماء المخططين لاغتيالي

تواجه دعوة رئيس الجمهورية الى معاودة الحوار في الاسبوع الثاني من حزيران المقبل اختبارا دقيقا، وسط تباين مواقف الاطراف الداخلية منها، بين من أيدها بلا شروط كما هي حال "حركة أمل" و"حزب الله" والنائب وليد جنبلاط وحتى حزب "الكتائب"، وبين من ربط الاستجابة لها باستقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ حيادية وفق طرح معظم قوى "14 آذار".

وبهذا المعنى، يبدو فريق "14 آذار" الأكثر حرجا في التعامل مع المبادرة الرئاسية، فهو من جهة لا يحتمل الجلوس مجددا مع الاكثرية الحالية التي يتهمها بالانقلاب عليه وانتزاع السلطة منه عنوة، وذلك حتى لا يوحي بأنه أعطاها براءة ذمة عن المرحلة السابقة، فكيف إذا كانت حساباته الانتخابية أيضا تجعله يفترض ان من مصلحته، حتى موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل، مضاعفة الحملة السياسية على قوى "8 آذار" وتحميلها مسؤولية الازمات القائمة في البلاد، وليس محاورتها وبناء الجسور معها.
ولكن هذا الفريق يدرك من جهة أخرى انه لن يكن سهلا عليه تحمل تبعات رفض الدعوة الى الحوار، أيا تكن الذرائع المستخدمة، لان مثل هذا الموقف ليس شعبيا في مثل هذه الظروف، وصاحبه سيتحمل بالدرجة الاولى المسؤولية عن أي مواجهة أو فتنة داخلية قد ينزلق إليها البلد تحت وطأة الأوضاع المحتقنة لبنانيا وإقليميا، الامر الذي يفسر سعي قوى "14 آذار" الى تصوير موقفها على انه يهدف الى تحسين شروط الحوار وضمان نجاحه، ولا يرمي الى إجهاضه.

أمام هذه الصورة القاتمة، قرر بري "الاستعانة بصديق"، فكان اللقاء العاجل بينه وبين عسيري في عين التنية، حيث أبلغ رئيس المجلس السفير السعودي بأنه قلق جدا من مسار الاحداث في لبنان، ومن تداعيات الازمة السورية عليه، لافتا انتباه ضيفه الى انه لو انخرط اللبنانيون جميعا مع المعارضة أو النظام في سوريا، فإنهم لن يستطيعوا التأثير في الأزمة، ولكنهم بالتأكيد يتأثرون بها. وشدد بري على ان خيار النأي بالنفس هو الخيار الافضل والأجدى للبنان، "وعلينا ان نسير "الحيط بالحيط"، حتى نمرر هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة"، واقترح ان تساعد الرياض في إعادة إطلاق الحوار الوطني، قائلا: الحوار بات اليوم أكثر من ضروري لمواجهة خطر الفتنة.. في السابق، فريق "8 آذار" هو الذي أوقف الحوار، وأنا كنت مع استكماله بمن حضر، ويومها أبديت استعدادي كي أتحمل شخصيا مسؤولية ما أستطيع ان آخذه على عاتقي من التزامات أو قرارات، لكن رئيس الجمورية رفض آنذاك متابعة الحوار إلا بمشاركة الجميع، ثم حصل ما حصل، وتوقفت الجلسات في قصر بعبدا".

وتابع بري مخاطبا السفير السعودي: الآن، فريق "8 آذار" مستعد لمعاودة الحوار بلا شروط تحسسا منه بالمسؤولية الوطنية في هذه الظروف الصعبة، وبالتالي من قاطع طاولة الحوار قرر ان يعود إليها، أي انه هو الذي تراجع من حيث الشكل، فأين هي مشكلة "14 آذار"؟ وتمنى بري ان تساعد المملكة في تسهيل الامر.
قبل ان ينصرف عسيري، اقترح على بري تعميم أجواء اللقاء، خصوصا في ما يتعلق بالحوار، وهذا ما تلقفه رئيس المجلس بإيجابية وارتياح، بعدما استشعر ان تمني السفير السعودي إنما يعكس رغبة ضمنية لدى المملكة في ان يتم تمهيد الأجواء أمام تدخلها للمساعدة على تجديد خلايا الحوار الوطني.

وسط هذا المناخ، جاءت حادثة اختطاف اللبنانيين في سوريا لتعيد تلقائيا فتح الخطوط التي كانت مقفلة بين بري من جهة ورئيسي الجمهورية والحكومة من جهة أخرى، على خلفية الخلاف حول مشروع الـ8900 مليار ليرة والأداء الحكومي. وقد انتهز بري الفرصة خلال محادثة سليمان له هاتفيا، في إحدى المرات، كي يحثه على جمع شتات طاولة الحوار مجددا، بالاستناد الى قوة الدفع المتأتية من برقية الملك عبد الله، فأبلغه رئيس الجمهورية بأنه يتهيأ لذلك.
في هذه الاثناء، كانت التقارير التي تصل الى بري تبعث على المزيد من القلق، لا سيما لجهة احتمال توريط المخيمات الفلسطينية في التوتر الذي تشهده الساحة اللبنانية، في وقت كان رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد يبلغ بري ان هناك مظاهر مسلحة وحوادث غير معلنة تسجل في صيدا، وهو ما ترافق مع القطع المتكرر لطريق بيروت – الجنوب عند منطقة الناعمة.
على إيقاع هذه المعطيات، اتصل وزير الخارجية عدنان منصور برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتمنى عليه إرسال موفد من قبله الى لبنان على عجل. وبالفعل، وصل لاحقا المسؤول الفلسطيني عزام الاحمد الى بيروت، حيث التقى بري الذي صارحه بما يملك من معلومات، قائلا له: لقد قدم لبنان الكثير من أجل الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، وهو ينتظر منكم ما يتناسب مع هذه التضحيات.. من هنا، أنا أدعوكم الى التحرك سريعا لإخماد الفتنة التي يُعد لها البعض، ويريد للمخيمات ان تكون منطلقا لها.

وتابع بري متوجهاً الى الزائر الفلسطيني: أنا أعرف بالاسماء من هم الذين يخططون لاغتيالي، وأعرف أين يجتمعون وماذا يخططون.. تفضل، هذه لائحة بأسمائهم.
وأمل بري أن تبذل السلطة الفلسطينية كل جهدها لمنع استخدام المخيمات في أي اضطراب داخلي، مشددا على ضرورة عدم التهاون في هذه المسألة التي تخص الامن اللبناني والامن الفلسطيني على حد سواء.
وعلى خط مواز، كان بري يتواصل مع قيادة حركة حماس ويضعها في أجواء المعطيات المتوافرة لديه.
ويبقى السؤال: هل ستدفع كل هذه التحديات والمخاطر الداهمة القوى الداخلية الى تجاوز حسابات الربح والخسارة، بالمعنى الفئوي الضيق، نحو مقاربة أشمل تأخذ بالاعتبار ان المصير الوطني بمجمله بات على المحك؟
لعل الاسبوع الثاني من حزيران سيحمل معه الجواب الحاسم. 

السابق
السفير: مذبحة الحولة تهدد خطة أنان.. ومجلس الأمن يدين انتهاك قراراته
التالي
للعب بالنار